عقد مؤتمر وزراء الثقافة العرب دورته الثامنة يومي 13 و14 تشرين الثاني (نوفمبر)، في المنامة عاصمة الثقافة العربية لعام 2012، في ظل أوضاع خطيرة يعيشها العالم العربيُّ، تتعاظم فيها الأهمية القصوى للثقافة في حياة المجتمع، باعتبارها عاملاً مهماً للتنوير وللترشيد، وسبيلاً إلى الارتقاء بالمجتمع من النواحي كافة. إن الثقافة باعتبارها طاقة للإبداع في مجالات الحياة جميعاً، وقوةَ دفع ٍ للحركة الإبداعية والإنتاجية في كل المرافق نحو الرقيّ الإنسانيّ الذي ينهض بالمجتمعات ويصنع الحضارة ويرتقي بالإنسان إلى المستويات الرفيعة التي تزدهر فيها الحياة، هي المحرّك الرئيس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومصدر القوة الذاتية لمواجهة التحديات المترتبة على حرب الأفكار التي تهدد الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب. وهي حرب ناشبة في أكثر من ساحة، وأكاد أقول إنها حرب ضروس كما تقول العرب، من دون أن أكون مبالغاً. ولذلك، فإنَّ التعاون الثقافي الهادف والجاد بين الشعوب هو حجر الزاوية في التعاون الإنساني العام على كل المستويات، لضمان استتباب الأمن والسلم الدوليين، وازدهار الحياة الإنسانية. والتعاون الثقافي بين الدول العربية بخاصة، ضرورة ملحة من ضرورات النموّ المتكامل المتوازن في ميادين البناء الاقتصادي، والنماء الاجتماعي، والتنمية السياسية على حد سواء، لأن التنمية الثقافية هي القاعدة العريضة للتنمية الشاملة. وقد تراجع مستوى الإبداع الثقافي بصفة عامة في الدول العربية أمام تغول البرامج الترفيهية والرياضية التي استحوذت على مساحات كبيرة من النشاط المجتمعي والبث الفضائي، وانصراف كثير من الشباب إلى ميادين التخاطب الإلكتروني التي هي في أغلبها ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع. ولذلك يتعين على وزراء الثقافة العرب أن يتدارسوا هذه المشكلة التي أحسب أن لها أسباباً عدة، منها تفاقم معدلات الأمية، وعزوف الغالبية من العرب، شباباً وشيباً ذكوراً وإناثا، عن الاستمتاع بالمباهج الثقافية والمتع الإبداعية. ومن يتصفح «التقرير العربي للتنمية الثقافية» الذي تعدّه كل عام مؤسسة الفكر العربي، يصدمه تدني مستويات العمل الثقافي في العالم العربي. وتلك مشكلة تحتاج إلى معالجة. فالعمل العربي المشترك في مجال الثقافة، هو النواة الصلبة للعمل العربي المشترك في شتى المجالات؛ لأن الثقافة هي الأصل، فإذا نمت وازدهرت وأينعت، كانت رافعة للحضارة، وقاطرة للتنمية، وسبيلا إلى التقدم والازدهار وإلى ترسيخ ركائز الاستقرار. فلا تنمية شاملة مستدامة من دون حركة ثقافية بانية للإنسان، وحامية للهوية، وحافظة للكيان الوطني، وصانعة للحضارة. فالثقافة تجمع ولا تفرّق، وتوحد بين العرب والمسلمين ولا تمزّق صفوفهم، وفعلها في الوجدان أقوى من أي فعل آخر. فالثقافة ليست ترفاً وملهاة وتسلية أو وسيلة لتزجية الفراغ، وليست سلعة استهلاكية أو بضاعة ثانوية قد يستغنى عنها، ولكنها ركنٌ من أركان التنمية الشاملة المستدامة، وخط الدفاع الأمامي عن الهوية العربية الإسلامية في معركة الحياة، من أجل الحفاظ على السيادة، وصون الكرامة، وحماية الكيان العربي الموحد بكل تجلياته. وبذلك يكون العمل العربي الثقافي المشترك عملاً من أعمال السيادة، وجزءاً لا يتجزأ من العمل العربي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والتقانية، مما يكسب التعاونَ في هذا المجال الحيوي أهمية بالغة، ويجعله ذا تأثير قوي في تقدم العالم العربي، وفي صدّ الهجوم الفكري والثقافي المسلط عليه من كل حدب وصوب. وجاء عقد الدورة الثامنة لمؤتمر وزراء الثقافة العرب في أعقاب عقد المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء الثقافة في الجزائر العاصمة في كانون الأول (ديسمبر) من السنة الماضية بمناسبة الاحتفال بتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2011. وتتكامل الأهداف التي يسعى المؤتمران العربي والإسلامي لتحقيقها، كما تتكامل القاعدة المرجعية التي يستندان إليها، وهي: «الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي»، و «الخطة الشاملة للثقافة العربية»، وهما معاً تشكلان خريطة طريق للعمل الثقافي في العالم العربي الإسلامي، الذي يتوجب السعي في إطار جهود متضافرة من أجل أن يكون دعماً وتعزيزاً للجهود التي تُبذل في المجالات الحيوية الأخرى الهادفة إلى النهوض بمجتمعاتنا من النواحي كافة، وإلى تقوية المناعة ضد المؤثرات الأجنبية التي تفد من الغرب والشرق معاً، والتي تهدد سلامة الكيان وهوية الإنسان وسيادة الوطن ومستقبل الأجيال القادمة. ويجب ألا تصرفنا الأحداث العاتية التي يموج بها العالم العربي اليوم عن إيلاء الثقافة المكانة التي تستحقها والاهتمام والدعم اللذين يجعلان منها روح الأمة ورباط وحدتها وسياج أمنها الفكري وعنوان هويتها الحضارية. * أكاديمي سعودي