السؤال الأساس المطروح اليوم في محافل المنطقة السياسية والعسكرية هو: هل تقع الحرب التركية- السورية وتجّر معها ما تجره من ويلات ودمار وحروب أخرى في الشرق الأوسط؟ أم أن ما يجري من مناوشات مدفعية على الحدود بين البلدين لا يعدو كونه مفاوضات سورية – تركية ومن ورائها روسية – أميركية غير مباشرة؟ المناوشات المدفعية بين الطرفين موضعية، تخفّ وتقوى بين الفينة والأخرى إلى حين التوصل إلى تسوية ما على أبواب الانتخابات الأميركية أو بعدها بين الولاياتالمتحدة وروسيا، الأرجح ألاّ تشمل ترتيبات التسوية سورية فقط بل تتعداها إلى تسويات شاملة في عموم المنطقة. في الحقيقة، السؤالان مشروعان في ظل الأجواء الملبدّة والمخيمة على الشرق الأوسط، ولا سيما بعد تفاقم الأحداث في الداخل السوري بين جيش النظام والقوى المعارضة له. فلا يكاد يمر يوم إلاّ ويسقط فيه ما لا يقل عن المئة شهيد، غالبيتهم من الشعب السوري الذي ضاق ذرعاً بهذه الأزمة المتطاولة على مدى السنة والثمانية أشهر الماضية، علماً أن للنظام السوري حساباته الداخلية والإقليمية، ولقوى المعارضة حساباتها المتناقضة بشكل كامل مع حساباته. كيف يقرأ المراقبون عناوين المرحلة المقبلة في ظل ما يجري من أحداث في الداخل السوري وحوادث باتت شبه يومية على الحدود السورية- التركية؟ واقع الحال أن المراقبين، في جُلّهم، منقسمون حيال قراءة الحوادث المستجدة والمتكررة على الحدود بين البلدين. فبعضهم يرى أنها ستؤدي حتماً إلى حرب بين الدولتين، والبعض الآخر لا يرى ذلك على الإطلاق، أقلّه في المستقبل المنظور. الفريق الأول من المراقبين يرى أن مثل هذه الأحداث على الحدود السورية - التركية من قصف مدفعي وقصف مُضاد ما كانت لتقع في الأساس إلاّ للوصول بالأزمة إلى حرب بين الطرفين تؤدي في نتيجتها إلى تدمير سورية وخراب تركيا وتقسيم البلدين، لا سيما أنهما متداخلان في الموضوع الكردي أولاً (هناك أكثر من 15 مليون كردي في تركيا) وفي الموضوع العلوي ثانياً (هناك أكثر من 18 إلى 20 مليون علوي في تركيا) إضافةً إلى مسألة التركمان. ذلك كله يُهدد الأمن القومي لتركيا كما لسورية، مع تسجيل ملاحظة أساسية هنا هي أن النظام في سورية بات نصف غريق ولا يخشى من البلل، كما يُقال، في حين أن تركيا الدولة العلمانية التي نادت وتنادي بصفر مشاكل مع جيرانها، ستكون متضررة أكثر في اقتصادها وبنيانها المجتمعي لكونها أمضت سنين طويلة في بناء مداميكها الاقتصادية والاجتماعية، ولم تتعرض ايضاً منذ فترة طويلة لهزات عسكرية أو اقتصادية أو أمنية مما يجعل تداعيات الحرب، في حال نشوبها، مؤذية لها أكثر من سورية التي بات الدمار شاملاً كل مدنها وبلداتها وأحيائها منذ اندلاع الأزمة وتفاقمها المتواصل. هذا الأمر يعني، ظاهراً، أن النظام في سورية هو من يفتعل المناوشات وربما الحرب مع تركيا على رغم علمه المسبق بعدم تكافؤ موازين القوى العسكرية بين الطرفين لمصلحة تركيا، وذلك على طريقة «عليّ وعلى أعدائي يا رب»، خصوصاً أنه، أي النظام، اتهم وما زال يتهم الحكومة التركية بدعم المعارضة السورية بالسلاح والعتاد منذ البداية الأمر الذي اعتبره تدخلاً في شؤون سورية الداخلية، وأن من حقه الرد على تركيا بالطريقة التي يراها مناسبة. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن عمليات القصف بقذائف الهاون السورية لن تتوقف باتجاه البلدات والقرى الحدودية التركية إلا بإشعال حرب بين البلدين تبدو حتمية. عوامل تمنع الحرب أما الفريق الآخر من المراقبين فلا يرى أن الحرب حتمية، أقلّه في المستقبل المنظور خلافاً لما يعتقد الفريق الأول، ويردّ ذلك إلى أسباب أربعة: أولها، أن سورية النظام ليست في وضعٍ يمكّنها من تحديد توقيت الحرب في المنطقة حتى لو كانت، ربما، تحتاجها الآن. ثانيها، أن تركيا عضو في حلف «الناتو»، وأن أمينه العام راسموسن ما زال يدعو حتى الأمس القريب إلى ضرورة التهدئة على الحدود السورية- التركية، ويدعو أنقره في شكل خاص إلى ضبط النفس والى الاكتفاء في الرد على القصف السوري بضرب مصادر النيران، وهذا ما تفعله تركيا حتى الآن مما يؤشر إلى أن لا مصلحة لا لتركيا منفردةً أو لحلف «الناتو» مجتمعاً بالانزلاق إلى الحرب. ثالثها، أن الحرب بين سورية وتركيا، في حال وقوعها، لن تقتصر على البلدين فحسب بل سوف تستدعي تدخلاً إيرانياً وروسياً وربما أميركياً وأطلسياً في وقت لاحق، ولهذا الاحتمال ظروفه الإقليمية والدولية غير المتوافرة في الوقت الحاضر مما يعني عملياً استبعاد خيار الحرب الآن. رابعها، أن العامل الأساس في الوضع الإقليمي الراهن هو تركيز الغرب على إيران وعدم وجود مصلحة للغرب عموماً، ولا سيما للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، في تحويل الاهتمام والتركيز إلى أي مكان آخر، أقلّه في المدى القريب. ماذا يمكن أن يُستنتج من آراء المراقبين؟ من مجمل الآراء التي أبديت، تبدو الحرب بين تركيا وسورية مستبعدة في هذه الآونة على الأقل، كما يُستنتج أيضاً أن التراشق المدفعي على الحدود بين البلدين قد يستمر طالما أنه يفيد الطرفين. فهو يفيد النظام السوري بإعطاء الانطباع بأنه ما زال قوياً وقادراً على الضغط على جيرانه والتهديد بجرهم إلى حرب، ويفيد أيضاً حكومة أردوغان بتوفير دافع لرصّ صفوف الأتراك من حولها على أبواب الانتخابات المقبلة وبما يخدم مصلحة الحزب الحاكم. * صحافي لبناني