يبدو أن ضعف الإقبال على التسجيل للانتخابات النيابية المقبلة في الأردن، دفع الجهات المعنية إلى تمديد فترة التسجيل 23 يوماً إضافية اعتباراً من يوم أمس. وجاء هذا القرار المتوقع على وقع تظاهرات احتجاجية شهدتها محافظات عدة في المملكة عقب صلاة الجمعة، طالبت كلها برحيل الحكومة وحلّ البرلمان وتعديل قانون الانتخاب. وقالت الهيئة المستقلة المعنية بإجراء الانتخابات المقبلة في بيان، إنها مددت فترة التسجيل للانتخابات وتسليم البطاقات الانتخابية 23 يوماً إضافية، اعتباراً من يوم أمس وحتى نهاية الشهر الحالي. وكانت «الحياة» نقلت عن مصادر بارزة في الحكومة الأردنية مؤخراً، نية الجهات المعنية تمديد فترة التسجيل للانتخابات، مع استمرار تدني الإقبال على كشوف المسجلين. لكن هذه المصادر عادت لتؤكد أن قرار تمديد التسجيل قد يتبعه قرار مماثل بعد انقضاء المدة المحددة، في حال بقيت نسب التسجيل في حدودها المتدنية. وبعد أكثر من أربعة أسابيع على بدء التسجيل في كشوفات الهيئة، لم يُسجل للانتخابات التي تجرى في ظل متغيرات إقليمية كبيرة سوى 874 ألفاً حتى يوم أمس، ممن يحق لهم الاقتراع وعددهم (ثلاثة ملايين وسبعمئة ألف). ويبدو أن ضعف الإقبال على التسجيل في ظل تآكل المدد المحددة لإجراء الانتخابات، دفع الحكومة إلى التراجع عن رهاناتها المتعلقة برفع نسب المسجلين إلى نحو مليوني ناخب. وقالت مصادر رسمية وثيقة الاطلاع ل «الحياة»، إن الدولة «ستعمد إلى إجراء الانتخابات هذه المرة عندما يصل عدد المسجلين إلى نحو مليون ومئتي ألف ناخب، عندها سنمضي في إنجاز العملية السياسية المقبلة بمن حضر من القوى والفعاليات السياسية». عملياً تخوض الحكومة معركة التسجيل مع المعارضة الإسلامية التي أعلنت مقاطعتها، احتجاجاً على قانون انتخاب يحصن «الصوت الواحد» المعمول به منذ التسعينات من القرن الماضي. لكن الحكومة وعلى لسان الوزير سميح المعايطة، تتهم «الإخوان» بما هو أبعد من المطالبة بتعديل قانون الانتخاب. يقول المعايطة ل «الحياة»: «إن الإسلاميين يريدون تغيير شكل النظام السياسي في البلاد، عبر الحد من صلاحيات الملك». ومعركة «كسر العظم» بين الطرفين كما تصفها وسائل الإعلام المحلية، دفعت مؤسسات رسمية إلى تجاوز مسألة الترويج للانتخابات، إلى حد مطالبة الدوائر الحكومية وبعض المؤسسات الخاصة بإحصاء أعداد موظفيها الذين يحق لهم الانتخاب وجمع بطاقاتهم الشخصية، لرفع نسب التسجيل. ترويج للانتخابات ودشنت الحكومة مبادرات ميدانية تروج للانتخابات، لكنها تكاثرت في شكل أظهر بوضوح جدية الدولة للوصول إلى أعلى كثافة تصويت. كما عملت الحكومة على نشر لوحات إعلانية تدعو المواطنين إلى التسجيل للانتخابات. وكان اللافت في الأمر بروز عشرات الفتاوى الدينية على الخط، حضت كلها المواطنين على المشاركة بعمليتي التسجيل والاقتراع. ولم تتردد وكالة الأنباء الحكومية (بترا) في نشر فتاوى لمن تسميهم علماء دين إسلامي، دعوا فيها المواطنين إلى التسجيل للانتخابات، باعتبارها «واجباً لكل مواطن يسأل ويحاسب عنه». وتزامن ذلك مع فتوى لدائرة الإفتاء العام في المملكة (مؤسسة رسمية) تقول: «إن الحصول على البطاقة الانتخابية والتسجيل للانتخابات أمانة». في موازاة ذلك، سارعت المعارضة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين إلى تدشين حملات شعبية تدعو لمقاطعة الانتخابات... تخللتها جولات لعدد من قادة الجماعة على القرى والمحافظات، في مسعى واضح لإفشال العملية السياسية المقبلة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالجماعة التي استغلت القرارات الأخيرة للحكومة برفع أسعار المحروقات من خلال النزول إلى الشارع بقوة (قبل أن يجمد الملك عبدالله الثاني تلك القرارات) رفعت شعارات طالما تبرأت منها، وهاجمت خلالها القصر والمؤسسة الأمنية ممثلاً بجهاز المخابرات العامة. كما وجهت الجماعة دعوات إلى تظاهرات ضخمة حددت موعدها قبل نهاية الشهر الجاري. وقالت على لسان الرجل الثاني في التنظيم زكي بني أرشيد: «إن عدد المشاركين فيها سيصل إلى نحو (50) ألف متظاهر»... ما اعتبره مراقبون للمشهد الراهن محاولة من جهة المعارضة الإسلامية لاستعراض قوتها، مع إصرار الدولة على إنجاز الانتخابات المقبلة من دون المس بالقانون الذي ستجرى على أساسه. سياسياً، تشير المعلومات المسربة من داخل مؤسسات الحكم المختلفة إلى فرضيتين مهمتين: تقول الأولى إن الارتفاع «الطفيف» في أعداد المسجلين للانتخابات بخاصة بعد عطلة العيد، سيحقق انتصاراً على قوى المعارضة الساعية لإفشال العملية السياسية، في حال حافظت الدولة على تلك الأعداد التي تصل إلى زهاء (50) ألف مسجل يومياً. بحث في كل الخيارات لكن الفرضية الثانية ترى أن الأعداد التي يتم تسجيلها في شكل يومي، ليست مرشحة للتصاعد وقد تتعرض لانتكاسة مفاجئة خلال الأيام المقبلة، ما يعني ضرورة البحث في كل الخيارات وعلى رأسها إمكانية ترحيل موعد الانتخابات إلى العام المقبل. ويرى الكاتب والمحلل السياسي موسى برهومة، أن المعركة بين الدولة والمعارضة الإسلامية أصبحت حقيقة واضحة تحمل أبعاداً «رمزية» على حد وصفه. وقال ل «الحياة»: «كل طرف يريد القول إنه الأقوى في الشارع، مما يعني أننا على أبواب مواجهة جديدة قد تصل إلى حد الاشتباك». وفي هذه الأثناء، تبدو دوائر صنع القرار منشغلة بتفكيك أسرار السيناريو الملكي الذي يحتفظ به صاحب القرار. والمعلومات الراشحة من داخل تلك الدوائر تشير إلى اقتراب إقالة الحكومة وحل البرلمان، بعدما لوحت مؤسسة القصر في رد فعلها الأول على رسالة (89) نائباً طالبوا بحجب الثقة عن حكومة فايز الطراونة أخيراً، بإقالة الحكومة وحل مجلس النواب. وتشير المعلومات إلى أن القصر ينظر إلى الحكومة والبرلمان باعتبارهما «عبئاً على النظام»، في مرحلة دقيقة وحساسة. لذا يتساءل الجميع من هو رئيس الوزراء الذي سيرث تركة ثقيلة خلال الأسابيع وربما الأيام المقبلة. نسب التسجيل لكن المعلومات ذاتها تؤكد أن قرار إقالة الحكومة وحل البرلمان، مرتبط بتحقيق نسب التسجيل المطلوبة للانتخابات، عندها لن يتردد الملك بالإقدام على خطوة الإقالة والحل، ليصار إلى إجراء انتخابات سريعة قبل نهاية العام الجاري. وتأتي هذه التطورات، فيما كشف مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أول أمس، عن تفاصيل دراسة ميدانية أظهرت حالة التشاؤم والاستياء غير المسبوقين من أداء الحكومة. الدراسة أظهرت أن أقل من نصف العينة الوطنية ترى أن الحكومة تسير بالاتجاه الصحيح، فيما يرى (60) في المئة من قادة الرأي أنها تسير بالاتجاه الخاطئ. وسجل إقليم الجنوب النسبة المتشائمة الأكبر، إذ رأى (51) في المئة من الجنوبيين أن الدولة تسير بالاتجاه الخاطئ أيضاً. هذه الأرقام دفعت أحد أبرز معدّي الدراسة، وهو المحلل السياسي محمد أبو رمان إلى القول: «إن حكومة فايز الطراونة تعيش حالاً من الموت السريري، وتنتظر رصاصة الرحمة الأخيرة». وأضاف: «الأهم من ذلك، أن نتائج الدراسة تكشف موقف الرأي العام المناوئ لحكومات المحافظين والحرس القديم».