جاءت دعوة الإفطار «المفاجئة» التي وجهها رئيس الحكومة الأردنية فايز الطراونة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يوم أمس، لتؤكد حقيقة واضحة مفادها أن الانتخابات النيابية المقبلة ستجري في موعدها قبل نهاية العام، وهو ما أكدته ل «الحياة» مصادر رسمية رفيعة المستوى رأت في السهرة الرمضانية مناسبة سانحة لوضع اللمسات الأخيرة على العملية السياسية المقبلة. كما أكد الإفطار الذي دعي إليه مسؤولون كبار في منزل الطراونة، إجراء الانتخابات وفق قانون الانتخاب بصيغته الحالية، ما يعني عدم الاستجابة لمطالب المعارضة الإسلامية التي تدعو إلى إلغاء «الصوت الواحد» المعمول به منذ التسعينات. وتشير المعلومات المسربة من داخل الدوائر الرسمية، إلى إجهاض مساعي مسؤولين سعوا خلال الفترة الماضية إلى تعديل القانون عبر إضافة أكثر من صوت للناخب. وتلفت المعلومات إلى أن التيار الذي يمثله رئيس الحكومة وعدداً من القيادات الأمنية، سعى طيلة الأشهر الماضية إلى التحذير من المساس بالقانون، وسط مطالبة الإسلاميين بتعديلات أخرى على الدستور تحد من صلاحيات الملك. ورأى هذا التيار في المطالب المذكورة سعياً من الإسلاميين ل «منافسة نظام الحكم في الأردن»، وهو ما نظر إليه هؤلاء «تجاوزاً للمحرمات»، وفق وزير بارز في الحكومة الأردنية اشترط عدم ذكر اسمه. بل إن هذا الوزير ذهب إلى حد القول: «إن قيادة الإخوان تسعى إلى ابتزاز الدولة، بعد الفوز الذي حققته أجنحتهم في عدد من الدول العربية». واعتبر وزير آخر في حديث الى «الحياة»، أن جميع الحوارات «السرية» التي جرت خلال الفترة الماضية بين ممثلين عن الحكومة وقادة من الإخوان - بإيعاز من مرجعيات عليا - لم تعد مجدية، «بسبب إصرار الجماعة على موقفها من قانون الانتخاب». وتنبع المخاوف الرسمية من تغيير قانون الانتخاب، من نتائج استطلاع «سري» للرأي أجرته مؤسسة سيادية حديثاً واحتوى 14 ألف استمارة، لدراسة النتائج المترتبة على إضافة صوتين لقانون الانتخاب مع الإبقاء على القائمة الوطنية. وانتهى الاستطلاع إلى أن «الإخوان» سيحصدون قرابة 75 مقعداً، ومع إضافة مقاعد المعارضة فإنّ العدد سيتجاوز - بحسب الدراسة - 100 مقعد؛ ما يعني غالبية مريحة في البرلمان المقبل لمصلحة قوى المعارضة. وحسم الملك عبدالله الثاني مظاهر الجدل حول احتمال تغيير القانون عندما أعلن قبل أيام: «أنه لا يمكن «تفصيل قانون على مقاس الإخوان المسلمين». ونصح الملك هؤلاء بأن يحاولوا إحداث التغيير من داخل مؤسسة البرلمان وليس من خلال الشارع، متوقعاً أن يعمل البرلمان المقبل على تغيير القانون وتشكيل المزاج السياسي وتحديد مسار البلاد. التمسك بالمواقف لكن ما ينذر باحتدام المشهد وفق سياسيين عودة الجماعة إلى التمسك بمواقفها «الصلبة»، إذ قررت هذه الأخيرة مقاطعة عملية التسجيل بعدما أعلنت سابقاً على لسان مراقبها العام همام سعيد بأن المقاطعة لا تشمل هذه العملية. ويكشف المتحدث باسم الجماعة زكي بني ارشيد ل «الحياة»، عما سماه توجهاً لدى الإخوان والجبهة الوطنية للإصلاح – التي يتصدرها رئيس الوزراء ومدير المخابرات الأسبق أحمد عبيدات - لتحقيق مبدأ «المقاطعة الإيجابية». وهو ما يعني وفق بني ارشيد عدم الاكتفاء بقرار المقاطعة، بل بناء جبهة واسعة تدعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات. ووفق الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية محمد أبو رمان، فإن التحدّي الأبرز بين الحكومة والإسلاميين ينصب على ارتفاع «نسب المشاركة»، وهو ما يدفع إلى القلق من سيناريو الصدام بين الطرفين، على حد قوله. ويقول ل «الحياة»: «قد يجر هذا السيناريو المشهد السياسي إلى تأزيم حقيقي، بوجود رؤوس حامية داخل السيستم الرسمي، وجيل جديد لدى الإخوان متأثر بالأحداث الإقليمية». وكان مركز الدراسات الاستراتيجية حذر في دراسة «غير معلنة» قدمت لصاحب القرار قبل أسابيع، من الوصول لما سمته حالة «الانسداد السياسي بين الدولة والمعارضة». وجاء في الدراسة التي حملت عنوان «تقدير موقف للمرحلة المقبلة»: «أن الإصرار على قانون الانتخاب بصيغته الحالية سيقود البلاد إلى حالة من الانسداد السياسي، وسيجعل بعض الجهات الرسمية تكرر سيناريوات فاشلة في مرحلة خطرة من عمر الأردن». وتكشف مصادر سياسية مطلعة ل «الحياة»، عن تفاصيل مهمة في ما يخص السيناريوات المتعلقة بالانتخابات والمرسومة من قبل مطبخ القرار. ويدعو أحد أهم السيناريوات إلى تدشين حملات واسعة لحض المواطنين على المشاركة في الانتخابات خصوصاً الأردنيين من أصول فلسطينية (الذين يشكلون القاعدة الأكبر بالنسبة للإسلاميين). لكن أبو رمان يرى أن إقناع الأردنيين من أصل فلسطيني «لن يكون بالأمر السهل»، موضحاً أن المؤسسة الرسمية «مطمئنة بخصوص الإقبال على التسجيل لدى أبناء المحافظات (التجمعات العشائرية)، على رغم صعود الحراك المعارض فيها خلال الأشهر الماضية». واعتبر أن قانون الصوت الواحد «كفيل وفق القراءة الرسمية بخلق بيئة تنافسية داخل الوسط العشائري». زيادة الناخبين وتراهن الحكومة بحسب المصادر على رفع نسبة المسجلين في الانتخابات إلى زهاء مليونين ناخب، من أصل 3 ملايين وسبعمئة ألف يحق لهم الانتخاب. وكان رئيس الحكومة سارع خلال اليومين الماضيين إلى التسجيل في دفاتر الانتخاب، كما أصدرت له ولأفراد عائلته بطاقات انتخابية، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (بترا). واستغل الطراونة مناسبة تسجيله في الكشوفات ليؤكد أن عملية التسجيل هذه: «تعبر عن تطبيق حقيقي لمفهوم الولاء والانتماء مثلما أنها حق وطني وواجب دستوري». ويتمثل السيناريو الآخر في دفع التيارات القومية واليسارية المعارضة للمشاركة في العملية السياسية المقبلة، حيث تشير المعلومات الرسمية إلى لقاءات تجري حالياً بين مسؤولين وقيادات من تلك التيارات، للتباحث حول قانون الانتخاب. ويوم أمس فقط رحب وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق باسم الحكومة الأردنية سميح المعايطة بتوجه الأحزاب اليسارية والقومية المعارضة إلى المشاركة بعملية تسجيل الناخبين واستلام البطاقات الانتخابية. وشكر المعايطة هذه الأحزاب بالقول: «إن توجهكم يعبر عن منهجية إصلاحية وموقف سياسي إيجابي». لكن المعايطة الذي غادر صفوف الإسلاميين قبل عدة سنوات وتسلم حقيبة الإعلام في أكثر من تشكيل وزاري، وجه غير مرة حديثاً للإخوان المسلمين مفاده أن «من يطالب بحل مجلس النواب عليه أن يكون شريكاً في المجلس القادم من دون وضع الشروط المسبقة». لكن ما يؤكد حالة الاستقطاب داخل مؤسسات القرار - وفق الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان - «توجه مسؤولين سابقين وحاليين إلى إصدار تصريحات منددة ببعض المواقف الرسمية، التي تجعلهم أقرب إلى صفوف المعارضة». ومن بين هؤلاء الوزير السابق والسياسي المخضرم مروان المعشر، الذي تحدث قبل أيام عما سماها «طبقة انتهازية مسؤولة عن أزمة الاغتراب بين الشعب ومؤسسات النظام». وقبل هذه التصريحات تحدث رئيس مجلس الأعيان الحالي طاهر المصري، لأول مرة عما سماها «طبقة تخلط الأوراق وترتكب الأخطاء وتحاول تذكير الجميع بدور العشيرة»، قائلاً: «إن هناك منظومة كاملة تجنح بالأردن نحو التراجع». وانتقد رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة، في وقت سابق قانون الانتخاب الذي أقره مجلس النواب، قائلاً: «إن الشعب الأردني يستحق أفضل من هذا القانون، ليكون المجلس ممثلاً له بشكل حقيقي وعادل». وأقر مجلس النواب الشهر الماضي تعديلات جديدة على قانون الانتخاب يخصص 27 مقعداً لقائمة وطنية مفتوحة، مع الإبقاء على الصوت الواحد. وكان العاهل الأردني دعا في الأول من تموز(يوليو) الجميع بما فيهم الإخوان وحزبهم جبهة العمل الإسلامي إلى المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة للوصول إلى حكومة برلمانية. وتجري الانتخابات النيابية وفق الدستور كل أربعة أعوام، إلا أن الانتخابات الأخيرة أجريت عام 2010 بعد أن حل الملك البرلمان.