تتواصل حملة الاتصالات واللقاءات «غير المعلنة» في الأردن بين مسؤولين وممثلين عن المعارضة، للوصول إلى قواسم مشتركة حول قانون انتخاب يدفع قوى المعارضة للتراجع عن قرارها المتعلق بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة. وتؤكد مصادر مقربة من مطبخ القرار ل «الحياة»، أن لقاءات أخرى مماثلة ستجمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بعدد من السياسيين والحزبيين ومسؤولين سابقين خلال الأيام المقبلة، مع تنامي دعوات الإسلاميين المنادية بمقاطعة الانتخابات، وسط انضمام مسؤولين سابقين إلى قطار المعارضة كان آخرهم رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة. وكان الخصاونة وجه نقداً لاذعاً لمؤسسات الدولة، قائلاً خلال إفطار رمضاني نظمه «الإخوان» في عمان، إن «إرادة الإصلاح لن تتحقق ما لم نتجاوز العقلية الأمنية المتحكمة بالبلاد». وصادق العاهل الأردني على قانون الانتخاب بالشكل الذي أقره البرلمان أخيراً، وهو ما دفع مراقبين وسياسيين بارزين للقول، إن الملك حسم الخيار بالسير في إجراء انتخابات برلمانية هذا العام. وتشي المعلومات المسربة من داخل دوائر القرار بحالة من الشد والجذب بين كبار المسؤولين في الحكومة ومؤسسات القرار الأخرى حول قانون الانتخاب. وبينما يرى مسؤولون ضرورة تعديل القانون عبر إلغاء الصوت الواحد، لسحب «فتيل الأزمة» التي تعيشها البلاد منذ عام ونيف. يتمسك تيار بالقانون على شكله الحالي، محذراً من استيلاء الحركة الإسلامية وقوى المعارضة المتحالفة معها على غالبية مقاعد مجلس النواب المقبل. وتؤكد هذه التحذيرات، نتائج استطلاع «سري» للرأي أجرته مؤسسة سيادية حديثاً واحتوى 14 ألف استمارة، لدراسة النتائج المترتبة على إضافة صوتين لقانون الانتخاب مع الإبقاء على القائمة الوطنية. وانتهى الاستطلاع إلى أن «الإخوان» سيحصدون قرابة 75 مقعداً، ومع إضافة مقاعد المعارضة فإنّ العدد سيتجاوز - بحسب الدراسة - 100 مقعد؛ ما يعني غالبية مريحة في البرلمان المقبل لمصلحة قوى المعارضة. لكن دراسة أخرى «غير معلنة» أيضاً، قدمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حذرت من الوصول لما أسمته حالة «الانسداد السياسي بين الدولة والمعارضة». وجاء في الدراسة التي أعدها الباحث في المركز الدكتور محمد أبو رمان، وحملت «عنوان تقدير موقف للمرحلة المقبلة»: «أن الإصرار على قانون الانتخاب بصيغته الحالية سيقود البلاد إلى حالة من الانسداد السياسي، وسيجعل بعض الجهات الرسمية يكرر سيناريوات فاشلة في مرحلة خطرة من عمر الأردن». ورأى معد الدراسة أن «دفع الأحزاب اليسارية والقومية للمشاركة في الانتخابات المقبلة، لن يكسب الانتخابات الشرعية المطلوبة في ظل غياب الإسلاميين والتكتلات العشائرية التي أعلنت مقاطعتها مبكراً للانتخابات». وتؤكد المعلومات التي يتم تداولها داخل مؤسسات القرار، حقيقة واضحة تتمثل في أن الأمور حسمت باتجاه إجراء الانتخابات قبل نهاية العام، وهو ما أكده ل «الحياة» مصدر رسمي رفيع المستوى. وتوضح المعلومات، أن الاتجاه السائد داخل مؤسسات القرار يرى أن الدولة «وضعت أمام تحدٍّ كبير يتمثل في التسويق للانتخابات والترويج لها بالشكل المطلوب»، لا سيما في مناطق المعارضة الإسلامية ذات «الثقل الفلسطيني» (عمان والزرقاء)، والتي تمثل كثافة تصويتية للإسلاميين لا يستهان بها في أي انتخابات تجريها الحكومة. وتشير المعلومات إلى أن المتمسكين ب «الصوت الواحد» داخل الدولة، يراهنون على سيناريو عدم الحسم في الجارة الشمالية «سورية» مع استمرار الأزمة الراهنة هناك، وهو «ما يجعلهم يكتفون بما قدم من تنازلات للإخوان فيما يخص القانون»، عقب فوز جماعتهم الأم برئاسة الجمهورية في مصر. وكان الملك صادق على القانون الشهر الماضي عقب فوز مرسي، وطلب من الحكومة تعديل المادة المتعلقة بحصة القائمة الوطنية فيه والتي رفعها البرلمان من 17 مقعداً إلى 27 من أصل 150 هو عدد مقاعد مجلس النواب المقبل. وعلى رغم التحذير من حالة الانسداد السياسي في البلاد وتعاظم الأزمة الراهنة بين الحكومة والمعارضة، فإن هناك من يرى أن باب الحوار لم يغلق بعد، وأن الملك قد يتدخل في اللحظة الأخيرة لإنهاء الجدل الدائر حول القانون. ويقول الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان ل «الحياة»: «لا يزال الوقت متاحاً لإنجاز مشاركة فاعلة بالانتخابات، أعتقد أن كل الخيارات متاحة إذا ما توافرت النية لدى السلطات». وأضاف «هناك اتجاه قوي لا يريد مزيداً من التنازلات وهو التيار المحافظ السائد داخل مؤسسات القرار، لكن أطرافاً عدة داخل الدولة وخارجها ستسعى حتى الربع ساعة الأخير إلى تغيير المعادلة». وبرأيه فإن حال الاستقطاب بين الدولة والمعارضة، «ستعزز من عمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد». ويؤكد أن الملك «لن يقبل بأي حال إجراء انتخابات تؤدي لانقسام يدخل البلاد في مرحلة خطرة». وتابع «لن يقبل الملك عزل قوى رئيسة جاء الإصلاح السياسي من أجل إدخالها في صناعة القرار». وكان رئيس الوزراء فايز الطراونة، اعتبر في وقت سابق أن مصادقة الملك عبدالله على قانون الانتخاب، تعني «بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات النيابية». وهاجم الداعين لمقاطعة الانتخابات، قائلاً: «من يعتقد أنه يمثل نبض الشارع لا يخَف من قانون الانتخاب». وقال أيضاً إن «موضوع المقاطعة ليس شيئاً يفاخر به من قبل أي أحد أو جهة»، مضيفاً «أن الجهة التي تقاطع، خاسرة، وسيكون الوطن خاسراً أيضاً معها». وبموجب قانون الانتخاب الحالي، يمنح الناخب صوتين أحدهما لدائرته الانتخابية والثاني للقائمة الوطنية. ويتنافس 108 نواب من خلال الدوائر الانتخابية مباشرة، فيما خصص 15 مقعداً للنساء والباقي للقائمة الوطنية. وتطالب المعارضة وخصوصاً الحركة الإسلامية ب «قانون انتخاب عصري يفضي إلى حكومات برلمانية منتخبة، ويلغي نظام الصوت الواحد المثير للجدل في الدوائر، والمعمول به منذ تسعينات القرن الماضي. وقاطع إخوان الأردن انتخابات عام 2010 معتبرين أن الحكومة «لم تقدم ضمانات لنزاهتها» بعد أن اتهموها ب «تزوير» انتخابات 2007، إلى جانب اعتراضهم على نظام «الصوت الواحد». ويشهد الأردن تظاهرات منذ كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، تدعو إلى إصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة جدية للفساد.