لم تكد تمضي بضعة أيام على تصريح العقيد رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر، والذي اعتبر فيه السلَمية مدينة «موالية للنظام السوري»، حتى انفجرت فيها عبوة ناسفة صباح الثلثاء 7 تموز ( يوليو) 2012، أودت بحياة شاب وأدت إلى إصابة آخر بجروح خطيرة. هذا الشاب الذي استشهد في الانفجار هو منصور نصرة، أحد الشباب المعارضين والمشاركين في الحراك تظاهراً وإغاثة للنازحين إلى المدينة، وكان من أوائل المشاركين في تظاهرات الحرية والمطالبة بإسقاط النظام والتي ابتدأتها المدينة في «جمعة العزة» بتاريخ 25 آذار (مارس) أي بعد حوالى أسبوع من انطلاق الثورة السورية، وهو ما فات العقيد الأسعد الانتباه له، أو أنه تعمد ذلك في سياق وضعه مدينة السلَمية في إطار المدن المؤيدة لبشار الأسد ونظامه. تلفزيون « الدنيا « بث الخبر كما يلي: «مقتل الإرهابي منصور نصرة أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة انفجرت به وبشخص آخر كان معه...». قال شهود عيان أن منصور اعتاد المرور دائماً من هذا الطريق، وأن العبوة انفجرت أثناء وجود سيارة خاصة واقفة قريباً من الانفجار وفي شكل مريب، كما أن معارف الراحل منصور نصرة على دراية أنه كان من المشاركين في فعاليات الثورة السِّلمية، وأنه لم يكن ينحاز إلى العنف إلا في حالات قليلة، على غرار ذلك اليوم الذي تشاجر فيه مع شبيحة من خدَم النظام السوري أثناء محاولتهم منع بعض العائلات النازحة من حماة من الدخول إلى السلَمية تحت القصف اليومي لمدينة أبي الفداء، ونجح في التصدي لهؤلاء الشبيحة مع بعض الشباب المعارضين وفي فتح طريق النازحين من حماة إلى مدينته. لا نتوقع، تبعاً لموضوعية تلفزيون «الدنيا» والحريات الإعلامية التي يتيحها نظام الأسد، إلا أن يأتي الخبر في إعلامه كما أوردته القناة المذكورة، ذلك أن تظاهرات المدينة المطالبة بالإصلاحات بدايةً، قبل أن يرتفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام، لم تكن تلقى أيةَ تغطية على شاشات وصحف إعلام من أتى إلى الحكم بالوراثة حاملاً وعوداً بحزمة من الإصلاحات صارت طائرات الميغ حاملةً لها. في المقابل، تغطّى مسيرات التأييد «العفوية» وقوامها الموظفون وطلاب المدارس والتي قالت «الإخبارية السورية» أنها «مسيرات بمئات الآلاف من المؤيدين للرئيس في السلَمية»، علماً أن عدد سكانها لا يتجاوز المئة ألف إلا قليلاً. أرقام القناة الإخبارية السورية والفضائية السورية وتلفزيون «الدنيا» كانت موثقة تبعاً لشهادات المهندس اسماعيل الحصري والإعلامي نذير سكاف على ما يبدو. العقيد رياض الأسعد لم يرَ من المدينة إلا مسيرات التأييد وقوافل الدعم العسكرية للجيش النظامي التي كانت تمر من المدينة، من دون أن يكون للمدينة يد في ذلك بالتأكيد، فكان أن وُضعت السلَمية في خندق المدن المؤيدة للنظام، في فرز مستغرَب وعلى أسس غير معروفة وغير مبررة لمدن مؤيدة ومدن معارِضة، فيما يعرف القاصي والداني أنه ثمة مناطق أو قرى معارِضة بالمطلق للنظام، لكن ليس ثمة مدن مؤيدة له بالمطلق. الفرز واضح في مدينة السلَمية بين الخندقين. شهداء ومعتقلون منصور نصرة، مرهف رستم، علي القطريب وآخرون، هم شهداء قدمتهم المدينة قرابين على مذبح الحرية لسورية والسوريين. عنف النظام طال حتى مدن ومناطق الأقليات الدينية التي حاول جاهداً تسويق تأييدها له وعدم التعامل معها بذات العنف الذي عامل فيه مدناً سورية غيرها خدمةً لخطابه. وبعيداً من الموت والقتل الذي يمارسه النظام السوري، يبدو معتقلو المدينة جديرين بوقفة تذكيرية بهم، منذ حملة الاعتقالات في أيار (مايو)2011: كان كاتب هذه السطور واحداً من ضحاياها لفترة قصيرة، وصولاً إلى الحملة الثانية في آب (اغسطس) 2011 والتي أعادت الأستاذ مصطفى رستم «80 عاماً» إلى السجن بعد أن أمضى 23 عاماً في معتقلات الأسد الأب، وهي الحملة التي لا يزال بعض معتقليها مجهولي المصير حتى اليوم، منهم عادل حمد ونعمان النعوفي وآخرون، وصولاً إلى الأيام الاخيرة التي شهدت اعتقال حسين داوود واسماعيل عجوب ولؤي النظامي... والاعتقال مستمر يومياً في المدينة. وإذا ما أردنا البحث عن رابط بين التظاهر والأخلاق العالية من جهة، والاعتقال بهدف القمع وخنق أصوات الحرية من جهة ثانية، توقفنا عند عبدالله الشعار الذي اعتُقل في أحد شوارع دمشق قبل أسابيع ولم يعرف شيء عن مصيره حتى اليوم، وفي الوقت الذي تستقبل فيه المدينة في مدارسها وبيوتها نازحين من حماة وحمص وريفها ممن هربوا من القصف والخراب المحيق بهم من كل جانب، فإنها تضيق للوهلة الأولى ببعض شبابها الذين دفعهم الخوف من انتقام النظام للسفر إلى بيروت. هذه هي السلَمية في عجالة، أو هذا بعضٌ منها، وهي تستحق أن تسجَّل نقطة مشرقة في صفحات الثورة السورية الغراء. لا أقول ذلك من بابٍ عصبويّ مناطقيّ لمدينة ولدتُ وعشتُ فيها ولا أزال، ولكن لأنني كنتُ شاهداً على الكثير من فصول مشاركتها في ثورتنا التي أرادها النظام وسوّق لها باعتبارها تمرّد سلفيين وعصابات إرهابية مسلحة، فجاءه الرد من السلَمية وأمثالها من المناطق بأنها ثورة وطنية يبدو النظام مسؤولاً عن كل انحراف لها عن خطها الوطني، ومن ثم نبحث في الأسباب الأخرى. لو كان للعقيد رياض الأسعد أن يلعب لعبة السياسة ببراغماتيتها، لما التقى وصفه للمدينة وتوصيف النظام لها معاً، فكيف والواقع مختلفٌ تماماً عما تقدم به من كلام؟