تسلّمت ليبيا من موريتانيا، أمس، مسؤول الاستخبارات السابق عبدالله السنوسي الذي يُعتبر بحق «الصندوق الأسود» لنظام عديله الراحل العقيد معمر القذافي. ويفتح تسليمه الباب أمام إمكان كشف كثير من ألغاز جرائم النظام السابق، ومن بينها تفجير طائرتي «بان ام» فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا و»يوتا» فوق الصحراء النيجر ومذبحة سجن أبو سليم واغتيال شخصيات معارضة وأجنبية ودعم جماعات ثورية وإرهابية في أنحاء العالم. لكن محاكمة السنوسي محاكمة علنية، إذا ما تقرر ذلك، تحمل في طياتها أيضاً مخاطرة بكشف صفقات سرية عقدها القذافي مع أنظمة أجنبية تُعتبر اليوم داعمة للحكم الجديد بعدما ساهمت في اطاحته في الثورة التي اندلعت ضد نظامه في شباط (فبراير) 2011. ومن شأن تسليم السنوسي إلى طرابلس أن يؤدي إلى إثارة الهلع في صفوف مسؤولين سابقين فروا إلى دول الجوار بعد سقوط النظام ويريد الحكم الجديد تسلمهم. وبعض هؤلاء لعب أدواراً أمنية مهمة لدى القذافي. وأظهرت لقطات فيديو السنوسي ملتحياً لدى وصوله بالطائرة إلى العاصمة الليبية التي شهدت احتفالات واسعة خصوصاً أمام سجن أبو سليم الذي شهد مذبحة مروعة العام 1996 راح ضحيتها أكثر من ألف سجين. ويتردد أن السنوسي هو من أمر السجانين بإطلاق النار على نزلاء أبو سليم بعدما بدأوا احتجاجات لتحسين ظروفهم. ووعدت الحكومة الليبية بأنها ستوفر محاكمة عادلة وفق المعايير الدولية للسنوسي الذي ينتمي إلى قبيلة المقارحة النافذة في جنوب ليبيا. وأعلنت الحكومة الليبية أمس أنها ستبدأ خلال أيام محاكمة إثنين من رموز حكم القذافي هما رئيس مؤتمر الشعب العام (البرلمان) محمد الزوي ووزير الخارجية السابق عبدالعاطي العبيدي. وكانت أعلنت في وقت سابق أنها ستحاكم هذا الشهر أيضاً نجل القذافي سيف الإسلام المسجون في الزنتان بغرب ليبيا والمتهم مع السنوسي بارتكاب جرائم حرب من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. واعتقل السنوسي في مطار نواكشوط في آذار (مارس) الماضي بعدما وصل من الدارالبيضاء مستخدماً جواز سفر مالياً. ومنذ ذلك الوقت والحكومة الليبية تمارس ضغوطاً على حكم الرئيس محمد ولد عبدالعزيز بهدف تسلمه، وهي الضغوط التي رضخ لها كما يبدو والتي تدل على النفوذ المتنامي للدولة الليبية الجديدة، خصوصاً في مجال الاستثمارات. والسنوسي الذي صعد نجمه، بعدما تزوج شقيقة زوجة القذافي صفية في سبعينات القرن الماضي، تولى مسؤوليات كبيرة في أجهزة الأمن الليبية، ويُنظر إليه بوصفه أحد المنفذين الأساسيين لرغبات عديله. ومن الجرائم التي تُنسب إليه تورطه في تفجير «لوكربي» العام 1988 والتي دان القضاء الاسكتلندي ابن قبيلته عبدالباسط المقرحي بالتورط فيها. ودانه القضاء الفرنسي أيضاً بالتورط في تفجير طائرة «يوتا» فوق العام 1989. ومن الجرائم التي يمكن أن يسلّط السنوسي الضوء عليها ملابسات اختفاء الإمام اللبناني الشيعي موسى الصدر خلال زيارته لليبيا العام 1987. وكشف المسؤول الليبي السابق نوري المسماري، مدير ديوان القذافي، في مقابلة مع «الحياة» أخيراً أن السنوسي هو من طلب منه الحصول على تأشيرات إيطالية لجواز سفر الصدر، في محاولة للزعم أنه اختفى في إيطاليا وليس في ليبيا. كما أن السنوسي، كما كشف هو نفسه أمام مسؤولين عرب، متورط في مؤامرة ليبية لاغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ما زال ولياً للعهد العام 2003. وتنسب الى السنوسي أيضاً المسؤولية عن محاولة بناء منشأة نووية سرية في الصحراء الليبية خلال سعي القذافي إلى بناء قدرات ذرية بالتعاون مع شبكة عبدالقدير خان العالم النووي الباكستاني. وفكك القذافي برنامجه النووي في إطار صفقة مع الغرب العام 2003. وقال مساعد النائب العام الليبي طه بعرة لوكالة «فرانس برس»: «نؤكد انه تم تسليم عبدالله السنوسي إلى ليبيا. وقبل دقائق تم تسليمه الى مكتب النائب العام. وستجرى له فحوص طبية روتينية يبدأ بعدها استجوابه مباشرة. وسنقرر لاحقاً مصيره».