أبلغت حركة «حماس» الرئيس محمود عباس موافقتها على انضمام فلسطين الى عضوية محكمة الجنايات الدولية، فيما أبلغته حركة «الجهاد الاسلامي» تحفظها عن الانضمام الى هذه المحكمة خشية استغلالها لملاحقة قادة المقاومة وناشطيها. وكان الرئيس عباس طلب من جميع الفصائل الموافقة على الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية قبل الإقدام على هذه الخطوة التي يرى فيها البعض سيفاً ذا حدين لأنها تحتمل ايضاً قيام اسرائيل برفع دعاوى ضد فلسطينيين بتهمة استهداف مدنيين اسرائيليين في الوقت الذي تتيح للفلسطينيين مقاضاة اسرائيليين على خلفية ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. ووقع جميع الفصائل الاعضاء في منظمة التحرير على الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية في وقت سابق. وجاء تحفظ «الجهاد» على الانضمام الى هذه المحكمة خشية «استغلالها من قوى الاستعمار لملاحقة المقاومة» وفق ما قال عضو القيادة السياسية للحركة خالد البطش. واضاف ل»الحياة»: «معروف ان المؤسسات الدولية، ومن بينها محكمة الجنايات الدولية، تخضع لسيطرة القوى الاستعمارية مثل اميركا واوروبا واسرائيل، وهي مؤسسات لا تنصف الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والاضطهاد، وانما تغطي على جرائم المستعمرين». وتابع: «لكن اذا رأينا يوماً ما ان هذه المحكمة تنصف الشعب الفلسطيني، فإننا حتماً سندعم الانضمام اليها». ويتوقع ان تفتح موافقة «حماس» الطريق امام الرئيس عباس للتوقيع على ميثاق روما الممهد لانضمام فلسطين، بصفتها دولة غير عضو في الأممالمتحدة، الى المحكمة الدولية التي تنظر في جرائم حرب. وكان الرئيس عباس عرض على «حماس» و»الجهاد» التوقيع على الانضمام الى محكمة الجنايات قبل اسابيع، وقالت «حماس» حينذاك انها في حاجة الى وقت لدرس الأمر. وقال عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق ل»الحياة» في الدوحة إن الوثيقة التي وقعت عليها الحركة هي من «اعداد» الرئيس عباس، و»تتضمن مطالبته الفصائل (الفلسطينية) بالذهاب الى المحكمة الجنائية الدولية حتى يكون (هناك) قرار وطني جماعي، وحتى يتحمل الجميع المسؤولية في حال أي انعكاسات سلبية على أحد الفصائل أو الأشخاص». واوضح ان الوثيقة «وقعت في الدوحة على هامش اللقاء بين (رئيس المكتب السياسي لحماس خالد) مشعل وعباس». واكد الرشق في تصريح آخر ل «الحياة» في رام الله ان «حماس» حضّت عباس على الاسراع في الانضمام الى المحكمة، مضيفاً: «تجب ملاحقة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي يرتكبونها في قطاع غزة، فهم يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، ويقصفون البيوت والمدارس والمساجد، وهذه جرائم حرب، ومحكمة الجنايات هي المكان لمواجهتهم». وعن امكان قيام اسرائيل برفع دعاوى مماثلة على قادة الفصائل على خلفية استهداف مدنيين اسرائيليين، قال الرشق: «نحن لا نستهدف مدنيين، نحن نتعرض الى عدوان وندافع عن شعبنا، المقاومة تطلق الصواريخ دفاعاً عن الشعب الفلسطيني، ومن أجل اجبار الاحتلال على وقف حربه على شعبنا». ونصح العديد من الخبراء في القانون الدولي الرئيس عباس بالاسراع في الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية بهدف مواجهة الجرائم الاسرائيلية، خصوصاً الاستيطان واستهداف المدنيين. وقال استاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت الدكتور ياسر العموري: «محكمة الجنايات الدولية تنظر في جرائم حرب ضد المدنيين، واسرائيل ترتكب سلسلة طويلة من جرائم الحرب ضد المدنيين الفلسطينيين، من الاستيطان الى استهداف المدنيين والمؤسسات المدنية». واضاف: «في الحرب الدائرة الآن اسرائيل ترتكب لائحة من الجرائم، مثل استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، مثل البيوت والاحياء، وتستهدف المؤسسات ذات الحماية الخاصة، مثل المدارس والمشافي والمؤسسات الدولية، وتستهدف اشخاصاً يتمتعون بحماية خاصة، مثل الصحافيين والموظفين الدوليين». واضاف: «الحصار على غزة يعتبر جريمة حرب». ويتيح ميثاق روما الناظم لعمل محكمة الجنايات الدولية رفع دعاوى ضد افراد وليس دول على خلفية جرائم حرب حالية او مستقبلية. ويمكن للدول التي تنضم الى الميثاق المطالبة بأن تسري عليها، ولها حق المقاضاة على جرائم سابقة بأثر رجعي. وقال العموري ان بإمكان السلطة مقاضاة مسؤولين اسرائيليين على جريمة الاستيطان وغيرها من الجرائم، مثل قتل المدنيين والإبعاد ومصادرة الارض وغيرها. واضاف ان فرص الفلسطينيين لمقاضاة مسؤولين اسرائيليين على خلفية جرائم حرب اعلى بكثير من فرص الاسرائيليين على مقاضاة فلسطينيين. واضاف: «لا توجد مقارنة بين السلسلة الطويلة من جرائم الحرب التي يرتكبها الاسرائيليون بحق الفلسطينيين وبين ادعاءات على عدد من الفلسطينيين باستهداف مدنيين اسرائيليين». وقال ان على الفصائل ان تتبع سياسة في المقاومة تعزز قدرتها الدفاعية مستقبلاً في حال تعرضها لدعاوى جرائم حرب. من جانبه، قال النائب مصطفى البرغوثي ان وضع الفلسطينيين سيختلف بعد الانضمام الى محكمة الجنايات عما هو عليه قبل الانضمام اليها. واضاف: «سنصل الى مرحلة يكون فيها قادة اسرائيل غير قادرين على السفر الى أي دولة، باستثناء اميركا، بسبب ملاحقتهم على جرائم حرب امام محكمة الجنايات الدولية». وقال ان بعض المسؤولين الاسرائيليين لا يستطيع حالياً الدخول الى عدد من الدول الاوروبية نتيجة القضايا المرفوعة بحقهم امام محاكم تلك الدول على خلفية ارتكاب جرائم حرب، وان هذه الدعاوى ستأخذ منحى آخر اشد بعد انضمام فلسطين الى محكمة الجنايات الدولية.