من الصعب جداً تخيل أن توافق قناة تلفزيونية اليوم على إنتاج برنامج تسجيلي جديد يصور كل 7 أعوام. فمعظم إدارات القنوات، والتي تتنافس على نجاحات سريعة تتماشى مع الموضات التلفزيونية العابرة، لم تعد تملك النفس الطويل لخطط لخمسة أعوام مقبلة مثلاً، فما بالك بخمسين عاماً، وهو عمر البرنامج التسجيلي البريطاني «7 فوق»، والذي بدأت التحضيرات له قبل نصف قرن تقريباً، وعاد إلى الشاشة بعدها ومن دون انقطاع كل 7 أعوام، ليزور البريطانيين العشرين الذين وقع عليهم الاختيار في التجربة التلفزيونية المثيرة للجدل، والتي كانت تسعى في شكل أساس للتركيز على الطبقية الاجتماعية في بريطانيا، وعلى حظوظ أطفال آتين من طبقات مختلفة، في حياتهم المقبلة. ولا شك في أن نجاح الموسم الأول من البرنامج الذي عرّف الجمهور بالأطفال الذين كانوا في السابعة من العمر، سهّل كثيراً إنتاج أجزاء لاحقة منه. لكنّ استمراره يعد مفأجاة كبيرة للذين يقفون خلفه وللمشتركين فيه على حد سواء، الذين أعربوا جميعهم بعد تعديهم الثلاثينات من العمر عن عدم رضاهم عن تركيبة البرنامج وجدواه، وصورتهم السريعة التي تظهر فيه والتي لا تعبر دائماً عما يمرون به أو يحملونه من أفكار وهواجس، فيما اختارت مجموعة من المشتركين الانسحاب بعد مواسم، لأن البرنامج لم يعد يناسب الطريق الذي سلكوه في حياتهم، وإن «حياة» أمام الكاميرا ليست الخيار الأمثل لأنفسهم او لعائلاتهم. عكست اختيارات الأطفال للبرنامج الذي أنتجته قناة «آي تي في»، روح العصر وقتها، فعدد الإناث القليل مقارنة بعدد الذكور في المجموعة كان مرآة لواقع المجتمع البريطاني وهيمنة الرجال على الحياة العامة. المفارقة أن التغييرات الكبيرة في المجتمع حدثت بعد سنوات قليلة فقط على عرض الجزء الأول من البرنامج، مثل الصعود المثير لمارغريت ثاتشر، وتنامي الحركات النسوية في المجتمع البريطاني، كما أن تمثيل الأقليات العرقية الأخرى في البرنامج (هناك مشترك واحد من أصول أفريقية)، سيتغير هو الآخر في بريطانيا وبخاصة في المدن الكبرى في السبعينات من القرن العشرين. في ما عدا ذلك اجتهدت الاختيارات الأخرى لأن تعكس التوزيع الطبقي الاجتماعي البريطاني. يستعيد الجزء الأخير من البرنامج والذي حمل عنوان «56 فوق»، مجموعة مشاهد وأحداث حاسمة من حياة شخصياته، والتي سجلتها الكاميرات كل 7 أعوام. لكن الأسئلة في الجزء الأخير الذي انتهت قناة «آي تي في» من عرضه، ستكون مختلفة قليلاً عن الأجزاء السابقة، فلم يعد الزواج أو الحياة المهنية تشغل كثيراً شخصيات البرنامج، إنما اتجه الحوار حول «حصاد» السنوات الماضية، والأبناء والأحفاد، والخيبات و «الرضا» في حياتهم. وهكذا، من مشاهد الأسود والأبيض التي صوّر الموسم الأول من البرنامج بها، سنرافق هؤلاء الأطفال يكبرون أمام الشاشات، وسنشهد على أفراحهم وتعثر أحلامهم. فزيجات غالبيتهم الأولى انتهت بالطلاق، في حين تعثرت الحياة العاطفية لبعضهم. وكانت الحياة قاسية على آخرين، مثل «بيتر»، الذي أنهى الجامعة من دون مشاكل، لكنه ضيع الطريق بعدها، ليصوره الفيلم عندما كان في ال21 وهو يعيش كمتشرد، ثم عاد ليجده وقد بلغ الثامنة والعشرين يعيش في جزيرة صغيرة في بريطانيا. مشتركة أخرى تزوجت وهي في ال19 ثم تطلقت في ال32، لتواجه الحياة بعدها كأم وحيدة مع طفلين. وعندما عاد البرنامج إليها وهي في ال56، وجدها من دون عمل بسبب مرض أقعدها في البيت، وتستعد لتوديع ابنها البكر الذي التحق بالجيش البريطاني. من المرجح أن البرنامج، الذي تنقل إنتاجه وعرضه بين قناة «آي تي في» وهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، سيعود في جزء جديد بعد سبعة أعوام، على رغم أن هذا لن يرضي المشتركين فيه. لكنهم يعودون كل مرة، ربما «كوفاء لتلك السنوات البعيدة، وللطفلة ذات الضفائر التي تحدثت بعفوية كبيرة للكاميرا قبل 50 عاماً»، كما تحدثت إحدى المشتركات في الجزء الأخير من البرنامج، قبل أن ترفع حفيدتها من الأرض وتبتعد عن تركيز العدسة.