يقف الوالدان بعيون دامعة، امام الشاشة الكبيرة في الاستوديو، والتي تعرض صوراً متخيلة مخيفة لأولادهم بعد عشرين سنة. يعجزون أحياناً عن الكلام امام الصور التي أنجزها برنامج كمبيوتر خاص، «يخمن»، كيف ستبدو هيئات هؤلاء الاطفال، إذا واصلوا طباعهم الغذائية الحالية. هذا البرنامج الالكتروني الذي تحول الى احدى الفقرات الثابتة في كثير من برامج مراقبة الصحة التي تنفذ بطريقة برامج تلفزيون الواقع، هو إحدى المحطات التي يمر عليها برنامج «ساعدونا طفلنا شديد البدانة» الذي يعرض بنجاح كبير على قناة «RT4» الهولندية التجارية. يستوحي البرنامج الهولندي الجديد أساليب برامج تلفزيونية بريطانية، بدأت منذ خمسة اعوام تقريباً، معتمدة على التحذير من اهمال الاهتمام بالغذاء اليومي الصحي والإسراف في تناول المأكولات التي تسبب السمنة والتدخين والإدمان على الكحوليات، واضعة المشتركين فيها في فترات اختبار، تحت إشراف طبي مركز، توفره إدارات هذه البرامج. ويكمن وجه الاختلاف بين البرنامج الهولندي الجديد والبرامج البريطانية في كون المشتركين فيه من الاطفال البدينين، كما ان الاختبار او النقد لا يقتصر على المشتركين فقط، بل يطاول الوالدين ايضاً، ويكشف عن مسؤوليتهما في السمنة «المرضية» لأطفالهم. فالبرنامج يكشف من خلال حلقاته الدور المهم للوالدين في تصحيح الطباع الغذائية الخاطئة لأطفالهم، كذلك يسلّط الضوء على ظروف الحياة المعقدة لكثير من الاسر، والتي تعوق مراقبة واعية لأولادهم وكيف يقضون وقتهم، ونوعية الطعام الذي يتناولونه وكميته. فالكثير من العائلات في البرنامج، تعاني مما يحدث في الساعات التي يقضيها الأبناء وحدهم في البيت، بعد رجوعهم من المدرسة، وقبل انتهاء وقت عمل الوالدين. وما يجري في تلك الساعات، قد يحدد الصحة العامة للأطفال، كما وصفت خبيرة التغذية الخاصة بالبرنامج. مشاكل الاسر لا تنتهي بعمل الوالدين اليومي المتطلب، وقلة الوقت الذي تقضيه العائلة معاً، فالكثير من الآباء والامهات الذين اشتركوا في البرنامج، يخوضون صراعهم المضني الخاص مع السمنة، كما ان بدانة الوالدين لم تنتقل بالجينات الى اولادهم، بل بالطباع الغذائية اليومية، والإسراف في تناول الطعام غير الصحي. من هنا يتجه البرنامج في حلقاته، التي تعقب الحلقات التعريفية بالمشتركين، الى «محاسبة» الآباء والامهات لهؤلاء المشتركين، وإدخالهم مع ابنائهم والمشتركين الآخرين في اختبارات، تحاول ان تصل الى «اصول» مشكلة الإسراف في تناول الغذاء، والتي ربما تعود لأسباب نفسية، او لها علاقة بالانسجام والسعادة بين الوالدين وداخل الاسرة. وخلافاً لبرامج تلفزيون الواقع الصحية التي تتخصص في التركيز على بالغين يعيشون حياة لاهية، يثير مشتركو برنامج «ساعدونا طفلنا شديد البدانة» التعاطف المباشر. فعلى رغم ان المشتركين لا يتجاوزون العاشرة من العمر، الا ان حياتهم تختلف كثيراً عن أقرانهم، فمع السخرية التي يتلقونها من اطفال آخرين وعقد الشعور بالنقص التي يعيشونها في مدارسهم، يعاني بعضهم امراضاً لها علاقة بالسمنة الزائدة، فيما سلّم بعضهم الآخر نفسه للعزلة، التي يحاول البرنامج ان يزيلها عنهم، بمساعدتهم من خلال برامج صحية مكثفة على بدء حياة جديدة، بعادات غذائية جديدة، للأبناء والوالدين على حد سواء.