تعبير «تارت» (tarte) الفرنسي ومعناه الحرفي الفطيرة أو الشطيرة أو التورتة، يأخذ في فرنسا معاني ذات دلالات ثقافية – اجتماعية. يقولون مثلاً: هذا الأمر ليس تورتة، أي ليس سهلاً؛ هذا تورتة، أي ساذج أو أبله إلى حد ما. وعندما تضاف إلى التعبير كلمة «بالكريما» (à la crème) تأخذ العبارة مجتمعة دلالة «انعدام المعنى» أو «الابتذال»، أي في الإجمال الشيء الذي تعرفه الناس إلى حد الملل الفظيع. ونشأ التعبير في بيئة ترتبط بالفن والإعلام. بعضهم يعيد جذور العبارة الكاملة (tarte à la crème) إلى مسرحية موليير «مدرسة النساء» التي تقول إحدى شخصياتها ما معناه أن المرأة المثالية جميلة وتجيب على سؤال من نوع ما هو الشيء الأخضر من الخارج والأحمر من الداخل وطعمه حلو وأول حرف منه ب وآخر حرف خ: تورتة بالكريما! ويربط بعضهم الآخر العبارة نفسها بسكتش مصوّر للأخوين لوميير اللذين ينسب إليهما ابتكار السينما. وثمة من يقول إن أول استخدام فعلي للتورتة بالكريما في السينما كان في فيلم «معركة القرن» للوريل وهاردي (1927). في هذا الفيلم الأخير يقع تراشق بالتورتة المذكورة، وهو تراشق ستعرفه الأعمال الدرامية كثيراً لاحقاً... إلى حد أنه صار موازياً لمعنى الابتذال. ومن شدة ما صارت «معركة التورتة» تجسد الابتذال في الدراما، انتقلت إلى المجتمع لتصبح عبارة شائعة الاستخدام للدلالة على التفاهة، مهما كان الميدان. بل تحولت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، إلى فعل: بعض الحانقين من التفاهة صاروا يتحينون الفرص، خصوصاً لدى وجود الكاميرات، لرشق من يعتبرونهم تافهين بالتورتة بالكريما. وشاع فعل «توْرتَ» (entarter) وتفرعت منه أسماء على غرار المتوْرِت (entarteur) والتوْرَتة (entartage). وصار هناك «متورتون» لامعون استهدفوا أسماء معروفة لا تتسع المساحة لذكرها هنا. والأكيد أن المفهوم – ومتفرعاته - لم يصل إلى بلادنا بعد، على رغم مكانة الاستيراد فيها، تحديداً في إعلامها وفنونها. لأنه لو وصل لما تكررت سكتشات على غرار: «مستر لغات»، «مجدي ووجدي»، «غابي» ووالده في برنامج «ما في متلو»؛ والمهووس «حامل البيرة» في «كتير سلبي»... والأكيد أيضاً أن ثمة برامج مماثلة، على قنوات لبنانية أخرى، تصلح كلها، وليس فقط بعض مقاطعها، مثالاً على الابتذال، خصوصاً – وليس فقط - حينما تغرق، كما هي حال السكتشات المذكورة، في ذلك الإيحاء الجنسي الساذج إلى حد الانعدام المطلق للمعنى، وغير المثير لشيء – وحتماً ليس للرغبة بالضحك - إلا لممارسة فعل التورتة تحديداً... هل يضحكنا عباس شاهين أكثر حينما يلفظ عبارة زقاقية على غرار «تلعب pénis» أم حينما يستخدم براعته الفنية في تقليد هذا السياسي أو ذاك؟ الجواب الموثق على السؤال خير «كريما» يمكن عباس وزملاءه على غير شاشة، أن «يرشقونا» به... إذا كان لديهم.