إذا كانت حادثة مرورية خطفت إحدى ساقيه وبصره قبل أعوام، فإن مهند أبو دية، خطف آلاف الأبصار لنساء ورجال، مساء أول من أمس، في حفلة تخريج 1384 طالباً، من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ولم يكن غريباً أن يُختار مهند، ليلقي كلمة زملائه الخريجين في الدفعة ال42 التي تزفها الجامعة، التي تحتفل هذه الأيام بمرور نصف قرن على تأسيسها، فلقد تحول هذا الطالب الكفيف إلى رمز ل «الإصرار والوصول إلى الهدف»، مُسجلاً اسمه ك «أول مهندس صناعي كفيف على مستوى العالم العربي». وبدأ المهندس مهند جبريل أبو دية، دراسته الجامعية، طالباً ومخترعاً، وواصل دراسته سليماً لنحو عامين، تعرض بعدها إلى حادثة مرورية في مدينة الرياض، خطفت بصره، وأفقدته إحدى ساقيه، ما جعله، في نظر الكثيرين، «عاجزاً عن مواصلة الدراسة» إلا أن إصراره على تجاوز العقبات، أثبت خلاف ذلك، إذ أكمل دراسته الجامعية، وحصل على «مرتبة الشرف الأولى»، بتقدير «امتياز»، ليصبح مقصداً لعدد من المخترعين الجُدد. ويصف أبو ديه، تخرجه من الجامعة ب «الولادة الجديدة» بالنسبة له، مؤكداً إصراره على مواصلة طلب العلم. وقال في حديثه ل «الحياة»: «أخطط لإكمال مشواري العلمي في الدراسات العليا، في مجال علم الاختراع، خاصة بعد أن أنجزت برنامجاً حاسوبياً، اسمه «ابتكارياً» لمساعدة الناس على الاختراع، وسأكمل مشروعي، الذي يهدف إلى إيجاد مليون مخترع مسلم محترف»، مرجعاً الفضل بعد الله في تحقيق حلمه، إلى مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور خالد السلطان، الذي دعمه في ذلك. وألقى أبو دية، كلمة الخريجين في الحفلة التي أقامتها الجامعة أول من أمس، في الملعب الرياضي، وغلب عليها الأدب العربي، بعدما وصف دفعته ب «النجوم التي لا تحجبها الغيوم»، وقدم شكره إلى أُسر الخريجين، والجامعة، وأساتذتها، الذين «أسهموا في إكمالنا دراستنا الجامعية». وقال: «نبدأ بالشكر والدِنا الذي تفاخرَ بِنا لنفخرَ نحنُ بوجود اسمِه في وثائقِ تخرجِنَا الدكتور خالد السلطان، وانتهاءً بطلابٍ كانوا لبعضهِم كالبنيانِ المرصوصِ، فتكاتفُهم الرائعُ في مساندةِ بعضهِم البعضَ جعلني أظنُ أننا سنشتركُ في وثيقةِ تخرجٍ واحدةٍ، وقبل كلِ ذلكَ كان من أوجبِ الواجبات أن نشكرَ رجالاً صدقوا ما عاهدُوا الله عليهِ، كانوا أساتذَةً، بل مربينَ، وثقوا بملكاتِنا، قبل أن نثقَ بها نحنُ، وأرادوا فقط أن نحققَ ما يجعلهم فخورِين بنا». وندعو الله أن «يحققَ أمانيِنا، لنملأ السوقَ بما تصنعه أيدينَا، ونحول الشمسَ طاقاتٍ تغذينا، ونُورد الماءَ بما يكفي أهالينَا، ننمي الكوادرَ تدريباً وتمكينا، ونرسم المستقبلَ إبداعاً وتلويناً». بدوره، قال راعي حفلة التخرج نائب أمير المنطقة الشرقية الأمير جلوي بن عبد العزيز، في كلمة ألقاها: «إن حفلة تخرج الطلاب لهذا العام جاءت بعد أيام من احتفال الجامعة بمرور 50 سنة على إنشائها»، وأضاف مخاطباً الخريجين، أن «هذا يضاعف فرحتكم، ويزيد اعتزازكم بالتخرج في هذه الجامعة، التي سجلت تاريخاً علمياً مشرفاً، وحققت سمعة علمية متميزة، وموقعاً متقدماً بين جامعات العالم». وأردف الأمير جلوي، «أنكم تتخرجون، وبلادنا تشهد نهضة علمية كبيرة، وإنجازات تنموية واقتصادية شاملة، وهذا يهيئ لكم البيئة المناسبة للإبداع والتفوق، ويوفر لكم الفرص الوظيفية التي تتوافق مع تأهيلكم المتميز، ومكانة الجامعة التي تخرجتم فيها. ويلقي عليكم مسؤولية كبيرة في أن تضيفوا إلى إنجازات من سبقوكم من خريجي الجامعة إنجازات جديدة تزيد هذا الكيان العظيم شموخاً، وتسير به إلى آفاق جديدة من التطور والازدهار». وذكر مدير الجامعة الدكتور خالد السلطان، أن التميّز الذي حققته الجامعة من خلال مسيرتها «اقترن بروح التجديد والتطوير، الذي انتهجته هذه الجامعة، من خلال تبني مبادرات وبرامج ومشاريع نوعية، تحقق لها سبقاً رائداً على المستوى المحلي، وتعزز مكانتها على المستوى العالمي»، مضيفاً «أدى هذا إلى أن تصبح الجامعة أنموذجاً يُحتذَى من المؤسسات التعليمية الأخرى، ما يشرّفها ويحفزها على مواصلة التطور والرقي، والبقاء دائماً في المقدمة، فهي ليست أي جامعة، بل هي جامعة فذة، ومتفردة، وجامعة سعودية بمواصفات عالمية». يُشار إلى أن الحفلة شهدت تخريج الدفعة ال42 من طلاب الجامعة، في الفصل الدراسي الأول، والمرشحين للتخرج في الفصل الدراسي الثاني والفصل الصيفي، والبالغ عددهم 1384 طالباً، منهم 1123 طالباً بدرجة البكالوريوس، و242 بدرجة الماجستير، و19 الدكتوراه.