أقرَّ «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان بوجود تيارات متصارعة داخله في شأن خلافة الرئيس عمر البشير الذي أعلن عدم رغبته في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما تصاعد الخلاف بين تيارات في الحزب إزاء تطبيع العلاقات مع جنوب السودان وقبول ضمانات الدولة الوليدة بعدم توقيف البشير خلال زيارته المرتقبة إلى عاصمتها جوبا. وقال وزير الدولة لشؤون الرئاسة مسؤول الثقافة والفكر في الحزب الحاكم أمين حسن عمر، إن «هناك تيارات في الحزب بعضها يخشى التغيير ويحاول تحاشيه وأخرى تطالب به». ورأى أن «الغلبة ستكون لأنصار التغيير رغم ما يحمل ذلك من مخاطر». وانتقد الرافضين له وسخر منهم بالقول: «هؤلاء في تقديرهم أن الوضع الراهن أفضل ما في الإمكان، أو على الأقل هو وضع آمن لا ينبغي المجازفة بتغييره بوضع آخر قد يجرنا إلى وضع أسوأ مما نحن عليه». وأكد أن الدورة الحالية التي تنتهي بعد ثلاث سنوات هي الأخيرة للبشير. وتوقع حدوث مفاجأة عند اختيار بديل له، وانتقد أناساً في حزبه لم يسمِّهم وصفهم بأنهم «أصحاب الأطماع والطموح في الصعود السريع». واعتبر عمر زيارة البشير إلى جنوب السودان المقررة في الثالث من الشهر المقبل «من ضروب حرق المراحل»، مشيراً إلى أن «البلدين لا يزالان في مرحلة أولى من بناء الثقة». وقال ل «الحياة»: «كيف نأتمن حكومة الجنوب على سلامة رئيس السودان بعد أن صرح رئيسها بأن عليه تسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً بعد بيان من منظمات المجتمع المدني في دولة الجنوب يدعو إلى اعتقال البشير وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية». واقترح إخضاع رحلة البشير لنظر معمق في أجهزة الحزب والدولة. ودعا الى عقد القمة في أديس أبابا. ورأى أن «حكومة الجنوب أخطأت في اختيار من ترسله إلى الخرطوم» لنقل دعوة من رئيس الجنوب سلفاكير ميارديت إلى البشير. وقال إنها «أرسلت صقورها بدل الحمائم»، في اشارة إلى الامين العام للحزب الحاكم في الجنوب باقان اموم. وزاد: «إذا كان هدفها إظهار حسن النية، فإن للأمر وجهاً آخر عند من يتوجسون الشر من باقان أموم الذي لم يوفر سانحة إلا واستثمرها في إبداء سوء ظنه وسوء تفكيره وتدبيره تجاه السودان». وفي السياق ذاته، عكس موقفا وزير الدولة كبير مفاوضي حكومة السودان ادريس محمد عبدالقادر والقيادي في الحزب الحاكم قطبي المهدي، تبايناً شديداً في المواقف داخل الحزب إزاء العلاقة بين الخرطوموجوبا. واعتبر عبدالقادر في تصريحات الهجوم الشرس على مفاوضي الخرطوم من قيادات فى الحزب الحاكم وجهات أخرى، أمراً مؤلماً. وحذر في شدة من الانقلاب على الاتفاقات الموقعة مع دولة الجنوب، مبدياً خشيته من «أن يحل غضب الله لعدم الحمد والشكر». وأشار إلى أن «بعض الدوائر التي تهاجم الاتفاق الأخير هي ذاتها التي صوبت سهام نقدها إلى اتفاق السلام رغم أنه اكبر انجاز سياسي اعقب استقلال السودان». وأضاف: «تركوا الصورة البيضاء الكبيرة وركزوا على التفاصيل الصغيرة المغبشة». وشدد على أهمية قمة جوبا، معتبراً أنها «ستعطي دفعة معنوية قوية للتفاوض، وسيتم خلالها التوقيع النهائي على ما وقع بالأحرف الأولى في أديس أبابا، فضلاً عن أي اتفاق جديد. وبصورة موضوعية لا أرى داعياً للقلق». غير أن قطبي المهدي انتقد وفد حكومته المفاوض واتهمه بتقديم تنازلات تفاوضية كبيرة لجوبا. وقال إن الحكومة دفعت إلى التفاوض بأكثر الوجوه اعتدالاً. ووصف أعضاء الوفد السوداني المفاوض ب «الجهل وعدم الادراك بصفات نظرائهم من الطرف الآخر، والتجاوب مع كل ما يطرحه باقان أموم من دون النظر إلى امتلاء قلبه بالحقد والكراهية لكل ما هو شمالي، واحتشاده بالأطماع، بحيث يطالب بكل شيء من دون تقديم مقابل، فضلاً عن ارتهانه لدوائر غربية معادية للخرطوم». واعتبر التفاهم على الحريات الأربع (العمل والتنقل والإقامة والتملك) مع الجنوب «أشبه بوضع العربة أمام الحصان وقفزاً على الحقائق القائمة والقائلة بدعم جوبا المتمردين وإيوائهم، وشنها هجمات على مناطق شمالية». وحذر من «المغامرة بالبشير ودفعه إلى زيارة جوبا» رغم تطمينات قادتها وقادة الاتحاد الأفريقي. وبرر توجسه من الزيارة المرتقبة بعدم حسم الملفات الحساسة قبل القمة وأحاديث قادة جنوبيين تؤيد المحكمة الجنائية الدولية. ورأى أن رئيس الجنوب «لا يفي بتعهداته».