انتشر الفساد والضلال كالسرطان في جسم الأمة طبقة طبقة وبلداً بلداً ومجتمعاً مجتمعاً! وبدا أن إخراج الأمة كاملة من مسيرة الأمم ومن التاريخ قد أصبح حاصلاً ومحققاً، فعندما تبدأ جدران البيت بالتصدع يبدأ اللصوص في وضع خططهم لاجتياحه. واللصوص ثلاثة، لص يبحث عن المال، ولص يبحث عن الحكم وهؤلاء من الداخل... ولصٌّ يبحث عن السيطرة وهذا من الخارج، وتكتمل الكارثة عندما يتلاقى لصوص الداخل مع لصوص الخارج. فما قصة «الربيع العربي»؟ وهل جاء هذا الربيع لإنعاش أشجار وأعشاب الفساد المالي والضلال السياسي ودعوة جميع أبقار العالم للحضور الى العالم العربي والرعي في هذا الموسم الربيعي الخصب؟! أم جاء ليزرع القيم الخلقية والاجتماعية والسياسية والنهضوية والعروبية الوحدوية ويستعيد كل ما حاول الاستعمار والصهيونية والفاسدون استلابه؟ أم جاء بغرض تعكير المياه الوطنية حتى يتمكن البعض من الصيد في الماء العكر ونجد الأمة قد سقطت كالسمك في شباك الصيادين؟ قرأت الكثير من الكتب واطلعت على الكثير وسمعت الكثير وشاهدت الكثير وخبرت الكثير، ومن ثم فإنه مما يسرني أن أوجز للشباب أخطر وأهم كل ذلك: - مخططات تقسيم وتفتيت واستلاب العالم العربي مقررة ومؤكدة ومستمرة منذ اتفاق سايكس-بيكو السيئ الذكر ومنذ وعد بلفور المشؤوم وحتى هذه اللحظة وكذلك في المستقبل لم تتغير ولن تتبدل! - أهل أوروبا وأميركا نوعان، نوع متدين يؤيد قيام إسرائيل من منطلقات الكره لليهود وضرورة تجمعهم على أرض «الوعد الإبراهيمي. ونوع آخر غير متدين يؤيد قيام إسرائيل كهدف استعماري استراتيجي باعتبارهم حلفاء للدول الاستعمارية الغربية. 1- تغيير الحكام والعملاء على أرض العرب عمل درجت عليه بريطانيا وفرنسا في النصف الأول من القرن الماضي، ودرجت عليه أميركا منذ خمسينات القرن الماضي وحتى الآن وفي المستقبل. - بعد بلفور ولويد جونز جاء ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز وكوندوليزا رايس وديك تشيني وجورج بوش الابن والآلاف بل الملايين أمثالهم الذين يوصفون بأنهم «المحافظون الجدد» أو المسيحيون اليهود أو اليهود المسيحيون، كل هؤلاء أصيبوا بداء عضال هو الحقد على العرب بالذات وعلى المسلمين عموماً. وقد بدأوا منذ الثمانينات من القرن الماضي في رسم الخطط والتحريض على الأمة العربية ووضع الخرائط لتفتيتها من السودان جنوباً إلى سورية شمالاً، ومن الخليج حتى المغرب، بالإضافة الى ايرانوأفغانستان. ولتحقيق هذه الأهداف تمكنوا من إيصال جورج بوش الابن إلى الحكم واستخدموه في أفغانستان والعراق. لم يغيروا أهدافهم بل غيّروا تكتيكاتهم وعملاءهم وغيروا معاملاتهم مع العملاء الجدد بحيث أظهروهم وكأنهم الربيع الخصب والأمل المنشود لنهضة هذه الأمة المنكوبة. انظروا إلى التوهان في تونس، وإلى التوهان في مصر، وإلى التوهان في اليمن، وإلى التوهان والخيبة في السودان، وإلى التوهان والخيبة في ليبيا، وإلى التوهان والخيبة في العراق،... ثم بعد ذلك توجهوا بأنظاركم إلى سورية كحالة توهانية خاصة. ولنسأل أنفسنا كيف نوفق بين حماس التي قامت واستولت على السلطة تحت شعار رفض التعامل مع إسرائيل ورفض الاعتراف بإسرائيل، ورفض المفاوضات مع إسرائيل (حماس هي فرع من فروع الإخوان المسلمين)، كيف نوفق كل هذا مع موقف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ومع مواقف الإخوان في مصر وتونس والمغرب وليبيا والسودان ومع الإسلاميين في الخليج بوجه عام. وكيف نوفق بين تحالف حماس مع إيران و «حزب الله» وبين انطوائها تحت عباءة الإخوان في مصر الذين يدعمون المعارضة في سورية. عندما نرى أوضح من الشمس في يوم صيفي مشمس اندماج الغرب مع إسرائيل ضد الأمة العربية والإسلامية، هل يحق لنا أن نتشرذم ويدمر بعضنا بعضاً، وتحت أي ذريعة؟! لا القومية العربية تسمح ولا الإسلام يسمح ولا النخوة والحمية تسمح ولا الإخلاص للوطن القُطري يسمح.