يطوى التنافس الانتخابي في إيران الجمعة المقبل. وعلى خلاف الدورات الانتخابية النيابية السابقة، يغيب المنافس التقليدي التيار الإصلاحي عن السباق الانتخابي. وهذا اختلاف لا يستهان به. وما يميز هذه الانتخابات عن سابقتها هو تعدد القوائم التي تنتمي إلى التيار الأصولي المحافظ، وتنوع خطاباتها. والى وقت قريب، رجح أن يدور التنافس الانتخابي بين أضلاع مثلث قوامها الجبهة المتحدة للأصوليين، وجبهة الاستقامة المؤيدة للحكومة، والإصلاحيون. لكن التطورات أثبتت أن هذه الانتخابات لا تحذو على السوابق ولا تحتكم إلى قواعد معروفة. ولا تنطبق عليها، تالياً، «الأشكال الهندسية» التقليدية. النظرة الأولى إلى الساحة الانتخابية تظهر أن القوائم لم تكن مستعدة للتنازل لمصلحة قوائم أخرى. لذا، برزت الجبهة المتحدة للأصوليين، وجبهة استقامة الثورة الإسلامية، وجبهة صمود الثورة الإسلامية، وجبهة الصحوة والبصيرة، وصوت الشعب، وقائمة المدافعين عن الحكومة، الخ... وتعدد القوائم ظاهرة لم يألفها المشهد الانتخابي الإيراني. ومن أهم الخصائص التي امتاز بها الخطاب الأصولي المحافظ، التزامه قواعد الاعتدال السياسي، والتسامح وإطاعة الرعيل الأول من عقلاء القوم. واليوم، يبدو أن الخطاب هذا انقلبت أحواله. ولم تنجح المشاورات التي بادر إليها كبار هذا التيار في إقناع الفصائل بالانضواء تحت قائمة انتخابية واحدة، على ما كانت تفعل في السابق. وهي ترفع اليوم شعارات مختلفة من أجل إلغاء الآخر. فالخطاب الأصولي مال إلى تعدد الخطابات. وعلى سبيل المثل، التعدد هذا حمل النائب الأصولي علي مطهري على القول: «إذا كانت هذه هي الأصولية فإنني لم أكن يوماً منها (أتباعها)». ورهنت جبهة الاستقامة مباشرة التنسيق مع الجبهة المتحدة للأصوليين باستبعاد مندوبي علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، ومحمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران، من لجنة التنيسق، وعدم إدراج أسماء النواب علي مطهري وعباسبور وكاتوزيان ومحمد رضا باهنر في القائمة الموحدة، في حين طالبت الجبهة المتحدة باستبعاد الموالين للحكومة. ويحسِب كثر أن وراء تشتت أصوات الأصوليين، فوز الرئيس أحمدي نجاد في انتخابات 2009، إثر توسله خطاباً بعيداً من الخطاب الأصولي التقليدي وتبنيه نهجاً مخالفاً لقواعد اللعبة المتبعة في الساحة الأصولية. لذلك، يتوقع أن تختلف نتائج انتخابات يوم الجمعة عن سابقاتها، وأن يفرز السباق أقطاباً سياسية جديدة، تؤثر في انتخابات الرئاسة في 2013. والانتخابات في العاصمة ستختلف كثيراً عنها في المحافظات. ففي العاصمة، مدار الانتخاب على شخصية المرشح وليس على القائمة التي ينتمي إليها أو خطابه السياسي. والقومية والقبيلة والخدمات المقدمة هي العوامل الأكثر تأثيراً في ترجيح كفة المرشح في المحافظات. لذا، يرى مراقبون كثر أن البرلمان الجديد لن يفرش السجاد الأحمر لغالبية نيابية، بل لأقليات متنوعة تتبنى خطابات سياسية متعددة، وتوجهات سياسية مختلفة. * كاتب، عن «ابتكار» الإيرانية، 25/2/2012، إعداد محمد صالح صدقيان