يخلو البث الفضائي العربي أو يكاد من برامج الإبداع الأدبي وما يرتبط به من فاعليات أخرى وخصوصاً النقد. هناك دوماً من يقول في تبرير ذلك إن «الحق على الأدب»، فهو «ثقيل» على المشاهدين الذين يرى أصحاب هذا الرأي أنهم ينجذبون الى الرياضة والفن وبرامج المنوعات، أي أنهم يميلون برغباتهم نحو الترفيه أكثر من برامج الثقافة والأدب. مع ذلك يلاحظ المتابع أن فضائياتنا العربية تكتفي من غنيمة برامج الأدب بإياب عجول يتجسّد في تلك البرامج التي تنظم مسابقات للشعر والشعراء على رغم كل ما قيل فيها وعنها. هل هي حقاً مشكلة «إيقاع» منفّر للأدب تلفزيونياً؟ صحيح أن للأدب جمهوره «الخاص» وهو أقرب إلى النخبوية دائماً، لكن الأزمة في تقديرنا تعود إلى ذهنية «التسليع الثقافي» السائدة في عالم البث التلفزيوني العربي، والتي لا تزال تعتقد أن الأدب عصي على التسليع وغير قادر على إيجاد صلة وثيقة بعالم الدعايات التجارية، بالتالي باجتذاب المشاهدات الكثيفة وذات المردود المالي المجدي. في السياق ذاته لا يمكن رؤية المشكلة بعيداً من الشكل الفني الذي يقوم عليه أي برنامج تلفزيوني. جماليات الإعداد والتقديم وكذلك الاختيارات هي شروط ضرورية لجعل أي مقاربة للأدب على الشاشة الصغيرة ممكنة بل وحتى جذابة يمكنها أن تستدرج متابعة المشاهدين واهتمامهم. واحدة من أسوأ «العادات» التلفزيونية العربية في علاقتها بالأدب هي تلك الطريقة السردية لقراءات نقدية جافة ومملة تدفع المشاهد إلى المقارنة مع الكتاب المطبوع فتجعله ينحاز للكتاب معرضاً عن المشاهدة. في حالات كهذه تنحسر الفاعلية التلفزيونية الى أدنى حدودها، وتتحول إلى مجرّد تقديم هو أقرب إلى رفع العتب، من أجل القول إن القناة تهتم بالأدب والإبداع فيما تكرّس بأسلوبها نفور المشاهدين وفكرتهم المسبقة عن تلك البرامج. قيل إن المسرح في بلادنا تراجع بسبب البث التلفزيوني، ومع ذلك نرى المسرح يزدهر في بلدان العالم المتقدمة ولا يتأثر كثيراً بهذا البث الذي نعرف أنه هناك أكثر حضوراً بكثير مما هو عندنا اليوم. هي مسألة تتعلق بالتأصيل وبالإبداع التلفزيوني ذاته، ففي دائرته الفاعلة والحيوية يمكن الحديث عن النجاح وليس في أي دائرة أخرى.