فجأة اختفى من الشاشة الصغيرة كأنه لم يكن. حدث ذلك مع انطلاق البث التلفزيوني الفضائي تماماً، هو الذي كان حاضراً بقوة قبله، ولم تكن محطة تلفزيونية تقدّم برامجها من دونه. إنه مذيع «الربط» الذي كان في تلك الأيام يظهر على الشاشة بعد انتهاء برنامج ما ليبلغنا عن البرنامج المقبل ويختفي كأنه لم يكن. في الغالب، كانت تلك المهمة تُسند الى مذيعات، يجرى اختيارهن بعناية فائقة من بين من يتمتعن بجمال عال ونسبة من اللباقة تمنح المشاهدين ما يشبه استراحة قصيرة. وكانت مذيعة الربط تحظى بشعبية عالية بسبب تلك المواهب الجمالية، ولكن أيضاً بسبب لباقة التقديم والحضور، أو ما اصطلح على تسميتها «الطلّة» التي تختلف عادة من مذيعة لأخرى، وتساهم تبعاً لذلك في تشويق المشاهد واجتذابه للمتابعة، أو على العكس تنفيره وإحباطه. البرامج في القنوات الفضائية ألغت مذيعي الربط ومذيعاته، واستعاضت عنهم وعن دورهم بإعلانات مكتوبة تدعو المشاهد لمتابعة هذا البرنامج أو ذاك، وهو تقليد جرى التوسع فيه، فلم يعد وقفاً على لحظة تقديم البرنامج بل صار يتكرر على مدار ساعات اليوم بل الأسبوع. أهمية الإعلانات عن البرامج ومواعيد بثها تكمن في تكريس تلك المواعيد في ذاكرة المشاهدين، ومنحهم فرصة متابعتها أسبوعياً، والتفرغ لها. وهي مسألة ساعدت كثيراً في منح كل برنامج مشاهديه الذين يهمهم متابعته وفق أمزجتهم وأفكارهم واهتماماتهم المتنوعة والمختلفة من شخص لآخر. مع ذلك تبدو الشاشة الصغيرة بلا مذيعي الربط كأنها شريط من البرامج المعلقة واحداً بالآخر، التي تبدو أقرب الى برنامج واحد طويل بفقرات متعدّدة. قيل إن التلفزيون أقرب الى الصحافة اليومية والسينما أقرب الى الأدب، وهي إشارة الى ما يعتقده بعضهم بهوائية التلفزيون وقابليته السريعة للنسيان، على عكس السينما. لكنّ ذلك كله نسبي يختلف بين مادة تلفزيونية وأخرى، فهذه الشاشة التي كانت حتى عقدين فقط من السنوات قليلة الإمكانات ومحدودة التأثير، باتت اليوم تزدهر أكثر وأكثر، تتجدد كل يوم، فتلغي «عادات» وتؤلف عادات جديدة، فتذهب القديمة للنسيان. ولعلّ من أوائل من طواهم النسيان أولئك الذين كانوا يطلون علينا بين برنامج وآخر من أجل «الربط» بين البرامج.