جاءت حلقة برنامج «روافد» مع السينمائي السوري الراحل عمر أميرالاي عبر «قناة العربية»، متميزة الى حدّ كبير وذات خصوصية. في هذه الحلقة قدم أميرالاي الذي عرفناه طويلاً واحداً من أبرز سينمائيي التسجيل العرب، مطالعات فكرية وفنية من الواضح أنها لم تناقش من قبل بهذه الدرجة من الوضوح، خصوصاً أن فن التسجيل السينمائي تقع مناقشته دائماً في مربع العلاقة بين السينما والواقع بأحداثه وتفصيلاته، أي أنها تتناول عادة الفكر السياسي الذي يحمله المخرج ويوجه خياراته. في حديثه مع أحمد علي الزين في «روافد» أضاف أميرالاي، البعد الغائب، أي المفقود مرة، والمغيّب مرة أخرى، ومن هنا وضعنا هذا المخرج «الحالم» خلال الحوار على تماس مباشر مع المخيلة، والتي قد تبدو للنظر العابر غير ذات صلة مع فن يتناول التسجيل الحدثي. في الحوار ملامسة جسورة وأخّاذة لدور المخيلة في إضاءة بعد «خفي» لعلّه بالضبط البعد الذي يفارق معه الفيلم التسجيلي فكرة «الفوتوغرافية»، ويقترب أكثر من فكرة الإبداع. في سياق كهذا يعثر المشاهد على تفسير جدّي لموضوعة أن سينما عمر أميرالاي كانت ولا تزال شهادات روحية وثقافية وسياسية أكثر منها مطابقات واقعية تخلّد هذه الواقعة أو تلك. هكذا بدا على أية حال وبدت شهادته عن الراحل الكبير سعدالله ونّوس، وفيها ما فيها من قراءات روحية للواقع العربي، وبالذات الوقائع السياسية الكبرى. أميرالاي وضع ونّوس في مقامه الأقرب، والأكثر شفافية وتعبيرية صادقة كحالم كبير، رأى، وكتب، وأبدع في مساحة تصل الى الواقع عبر الحلم فلا تتناقض مع نفسها قدر ما تؤكد الحقائق وتقاربها بلغة أجمل. هي واحدة من الحلقات الأفضل، والأكثر أهمية من هذا البرنامج اللافت عموماً، والذي لا يزال واحداً من البرامج التلفزيونية القليلة بل التي تقارب هموماً إبداعية عربية تنأى عنها الفضائيات العربية عادة، خصوصاً أنه يقوم على إعداد يحترم المبدع الضيف، ويحترم عقل المشاهد وذوقه، بمزجه بين المعلومة وبين العرض الشيق الذي يتأسس على الحوار بين طرفين متكافئين وليس بين «مذيع» ومبدع. في اختصار لا نظن أن الراحل الكبير عمر أميرالاي، حضر في برنامج تلفزيوني آخر بهذا القدر من الإنصاف، كما حضر في «روافد»، خصوصاً أن معظم البرامج التي تناولته بعد رحيله جاءت عجولة أو غير منصفة، ولم نعثر خلالها على وجهه وحقيقته.