سلام من صبا بردى أرق    أميركا تخفف القيود على المساعدات لسورية.. وبلينكن يلتقي نظراء أوروبيين لدعم الانتقال السياسي    زيلينسكي: لا تحقيق لضمانات إنهاء الحرب بدون واشنطن    الأمم المتحدة: إسرائيل فتحت النار على قوافلنا في غزة    ترمب يعود للسلطة وسط ذكرى أحداث السادس من يناير    روما يحسم «الدربي» ويعود إلى سكة الانتصارات    بيولي يتغنى بجودة الدوري السعودي.. ويكشف سبب قبوله النصر    «أبوظبي للغة العربية» يعزّز إستراتيجيته في قطاع النشر    حائل.. عام من الحرف اليدوية    "التراث" توقّع مذكرة تفاهم مع موتوكو كاتاكورا    أُمُّك يا صاحب المعالي    إصابتان بفيروس رئوي بالهند    بودينس وحمدالله يوقّعان على تذكرة عبور «الليث»    الفيصلي يتغلّب على نيوم بثلاثية في دوري يلو    جاستن ترودو يعلن استقالته من رئاسة الحكومة الكندية    إنذار أحمر وتحذيرات من الدفاع المدني على 3 مناطق    ريف يطلق فعالية قرية العسل    وزير الخارجية يبحث المستجدات مع بلينكن    2800 جولة إصحاح بيئي    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيسة الجمهورية الهيلينية في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    هوكشتاين من بيروت: إسرائيل ستخرج من لبنان بشكل كامل    الترجيحية تصعد بالرائد    الأمير سعود بن نهار يزور مركزي" السيل والعطيف" ويقف على الأسكان التنموي والميقات.    نائب أمير تبوك يثمن حصول فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة نجران تحتفل بالمتطوعين    محافظ الليث يستعرض مع أمين جدة المشاريع التنموية بالمحافظة    60 مليون ريال مطالبات مالية من مركز التحكيم الرياضي السعودي بنهاية 2024م    أمير المدينة يستقبل مواطنا تنازل عن قاتل ابنته    إطلاق خارطة طريق بناء منظومة التقنيات العميقة في السعودية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "هذه البلاد بناء شامخ علينا جميعاً العمل على أن يزداد شموخاً"    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    النائب العام يتفقد مركز حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أمر وحيد يُبعد يوسف النصيري عن النصر    أمين الطائف يتابع جهود احتواء آثار الحالة المطرية وفرق السيول تباشر اعمالها    زراعة جهاز على البطين الأيسر يجدد خلايا القلب 6 أضعاف السليم    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 12104 نقاط    وزارة المالية: 139 مليار ريال الاحتياجات التمويلية لتغطية عجز 2025    متحدث الأرصاد: شاهقة رابغ تعد الأقوى من نوعها ولامست الشاطئ لأول مرة    المدينة المنورة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 49.2 ملم في الشفية بدر    محافظ الأحساء: نقل مسار قطار البضائع خارج النطاق العمراني سيحسن جودة الحياة    أمير الرياض يستقبل سفير جمهورية سيراليون المعيَّن حديثًا لدى المملكة    جمعية رافد تطلق اللقاء الأول بعنوان المشاركة المجتمعية وأثرها في تمكين الأوقاف بجدة    التجارة : ارتفاع إجمالي السجلات المصدرة في الربع الرابع من 2024 ل 67%    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلق مهرجان نجران الوطني للحمضيات    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسان بوفاة الشيخ فهد بن إبراهيم الحمري البلوي    وزير الشؤون الاجتماعية في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    أمانة الطائف تدعو المستثمرين لإنشاء (برج مغامرات)    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل "شتاء صحي" و"التغطية الصحية الشاملة"    منظومة سعودية كاملة لإغاثة الشعب السوري    فقط.. لا أريد شيئاً!    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال الربع الخالي    اختتام معرض «وطن بلا مخالف»    تقنية تفك تشفير الكلام    المستشفيات بين التنظيم والوساطات    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجسد بيرق الثورات ورمادها
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 2011

كادت ذكرى مرور سنة على إضرام التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه، تتزامن مع حادثة «امرأة التحرير» التي سُحلت وعُرّيت من قميصها أخيراً في القاهرة. وإذا كان البوعزيزي سنونوة ربيع عربي حلّ بعد طول انتظار، فإن صورة المرأة التي لم يعرف لها اسم، فناصرها وعمّم صورها حراك إلكتروني أسماها «المرأة ذات الصدرية الزرقاء»، طبعت شتاءً ما زالت تسخنه زقزقات الناشطين على «تويتر»، وحركة احتجاجية لم تنضب، في الساحات العامة كما على «يوتيوب» و «فايسبوك».
كان الجسد مظهراً أساسياً، طوال العام، وفي خضم ثورات عربية لم تُدانِ خواتيمها بعد، حتى في البقاع التي أسقطت ديكتاتورييها. لكن الجسد يعلو حين يكون لامرأة. يشتد وطأةً. يزداد بأساً بوهَنه. تتكثّف رمزيته، حين تملكه، وحين تفقده. وهي امتلكته هذا العام، بالفيديو والصورة والتدوينة وتقارير المنظمات الحقوقية. امتلكته بيرقاً، حتى عندما هزمته هراوة وانتهكه فعل اغتصاب. جسدها شعار ناري، حين عرّته بإرادتها، وحين تم توثيقه معتدًى عليه بالعريّ.
ظهرت المصرية علياء المهدي، على سذاجة طرحها، فحضّت مواطنيها الشباب على كسر المحرّم من خلال ممارسة الحب أمام المراكز الأمنية، من دون أن تدّعي تسييس «قضيتها» أو ربطها بثورة يناير. نشرت صورها عارية كفعل مطلبي واحتجاجي في آن، من خارج الثورة وإنما من داخل فضاء عام يتحرّر. وفي المقابل، خرجت المنقّبات اليمنيات في تظاهرات حاشدة رداً على مقولة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأن التظاهرات السلمية المطالبة بتنحّيه «حرام»، إذ قزّمها في «تابو» الاختلاط بين الجنسين، نافياً عنها شرعيتها السياسية. أما «امرأة التحرير» المصرية، فصارت رمزاً لقمع جدّده المجلس العسكري بعد الرئيس المخلوع، وما عاد الشارع ليسكت كما فعل طوال عقود ثلاثة. وفي تونس ما بعد ثورة الياسمين، صار الحجاب رمزاً لحرية المعتقد واللباس، بعدما خُلع عن العلمانية ثوبها الاستبدادي، وبات السجال التونسي يدور الآن حول علمانية مشتهاة أخرى، أكثر ديموقراطية، تحافظ على أبرز مكتسباتها كما تستوعب التنوّع. كان الجسد ملعب التحرّر والعلمانية قبل نصف قرن، وعاد ملعباً لتحرر جديد. الجسد وضدّه مساحة واحدة.
ليس في المقاربة أعلاه تثمين لجسد المرأة على حساب الرجل، الذي، إلى جانب الأطفال، كان أيضاً صورة من أبرز صور العام، مُختَرَقاً بالرصاص، مسجًّى في مشرحة، ومطوّباً بصنوف التعذيب. فالجسد ذات الإنسان، وجه الروح، «الأنا» الملموسة. غير أن عام انطلاقة الثورات العربية مرّ بمجتمعات لطالما شكّلت المرأة وقضاياها، فيها، أحد مؤشرات ديناميتها أو تأخّرها... في حضورالنساء وتغييبهن، دينهن ودنياهن، ظلمهن وإنصافهن. وبين تونس وليبيا، أو مصر واليمن، أو سورية والبحرين، ألوان الطيف الحقوقي والثقافي والاجتماعي. تدرّجات متفاوتة، نعم، إلا أنها غالباً تنويعات على جسد المرأة، مستوراً كان أو مكشوفاً، وفي ما بين الحدَّين.
ينتهي عام 2011 على مسيرة أكثر من عشرة آلاف امرأة في شوارع القاهرة تنديداً باستباحة مواطناتهن، وقبلهن صرخت تونسيات وسوريات ويمنيات وليبيات وبحرينيات في الساحات الميدانية والافتراضية. بأجسادهن الكاملة صِحنَ، ومعهن رجال، من أجلهن، ومن أجل البشر إن قاموا إلى حرية جسّدتها اليمنية الحائزة نوبل للسلام توكّل كرمان... بحجاب يكشف وجهها على منابر عالمية، وهو الآتي من بحر النقاب.
رفاه ناشد (66 عاماً) المحللة النفسية السورية، والناشطة في أطر المجتمع المدني منذ ما قبل انتفاضة آذار (مارس) الماضي، اعتقلت لأسابيع. هي المختصة في علاج الحالات الناتجة عن التعرض إلى «تروما». تجيد بلسمة النّفس بعد جرح الجسد. وهي الجسد الذي عولج من السرطان، وما زال يعاني اضطرابات في القلب وارتفاعاً في ضغط الدم، ولم تشفع له علله عند سجّانيه. «كليشيه» مؤلم آخر. الجسد على هامش شروط الاعتقال وفي صلبه في آن. لذلك، ربما، تشبّثت الشابة السورية مروة الغميان بغطاء رأسها، في السجن الذي اقتيدت إليه من تظاهرة في أحد شوارع دمشق، ليس بالضبط كهوية دينية، بل كدرع ما عاد لها غيره في وجه المحقّق.
الاغتصاب في سورية «موقعة» كبرى، ركّز عليها التقرير الأخير ل «هيومن رايتس ووتش»، ومن قبله تقارير منظمات محلية ودولية عدة. طاول رجالاً ونساء وأطفالاً. الجسد سُيِّس بامتياز وصار أرضاً للصراع. على ضفافه ترسم حدود السلطة، كما آفاق تحدّيها. حقوق الإنسان قد لا تدركه.
الجسد، وجهه، يفضح هوية صاحبه، ويكرّسها. الرجل في التظاهرة قد يتمنطق بكوفية، والمرأة تشدّ حجابها على ملامحها، وإن لم تكن في الأصل محجبة. الجسد في التظاهرة، بل احتشاد الأجساد، موقف يُدفع إلى أقصاه. وكلما كان العدد أكبر، وصوت الهتاف أعلى، كان التأثير أقوى. وتمويه الجسد نفسه، توريته وزحفه وانبطاحه، معركة يخوضها، كالمفارقة، من أجل بقائه حياً.
الليبية إيمان العبيدي دخلت فندقاً يعج بالصحافيين وأعلنت اغتصابها. استغاثت، إذ أضحت في برزخ ما بعد «العار». صارت عَلَماً، وقصة جريمة حرب. ليست الوحيدة. لكنها النموذج المعلوم الذي شدّ أنظار العالم. كان الاغتصاب سلاح القذافي «المشروع». كل جسد في قوات الحاكم كان مؤهلاً لتقمّص الأخير، ليجتاح به جسداً معارضاً. هكذا، يقتله، وإن لم يمت. يدحره، يكسره، يطفئه. والأرجح أن هكذا فكّرت أيضاً عناصر الأمن المصرية لدى «الكشف على بكارة» ناشطات معتقلات: اغتصاب رمزي، «الأخلاق» أداة ترهيب، القبضة الأمنية ترتدي قفّاز العفّة.
ينقضي عام الثورات العربية مخلّفاً في الجسد - الشعب ندوبه ونقوش حنّائه. الأعوام المقبلة عيون مفتوحة. الأحلام تزهر على الجلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.