بادرت روسيا الى اقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن حول سورية يدعو «الجميع» الى وقف العنف بكل أشكاله، من دون الإشارة إلى عقوبات تُفرض على نظام (الرئيس بشار) الأسد. فاجأ القرار المراقبين، وأعلنت الولايات المتّحدة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون، استعدادَها لمناقشة الاقتراح الروسي، على رغم الخلاف عليه وتباين الآراء حوله. مشروع القرار يؤشر الى الرغبة الروسية في أداء دور أكبر في الشرق الأوسط. فالورقة الروسية تدعو عملياً الى وقف العنف ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة كلها، في وقت يُعِدّ الغرب خطوات تصعيدية ازاء إيران التي يربطها حلف راسخ بالنظام السوري، من شأنها أن تشرّع الابواب في المنطقة على حرب مفتوحة إذا شُنَّ هجوم على ايران ومنشآتها النووية. المشروع الروسي في مجلس الأمن ينفّس الضغط على سورية، ويطرد تالياً شبحَ الحرب من المنطقة كلها. وهو المرآة للرغبة الروسية في المشاركة الفعّالة في حل الأزمة الإيرانية. والمشروع أيضاً ليس خطوة روسية يتيمة، فسفن اسطول المحيط الهادئ الروسي تتجه نحو سواحل الصومال، وقطع الأسطول الروسي الشمالي تتجه إلى البحر المتوسط، وإلى القاعدة العسكرية في مدينة طرطوس السورية. الخطوات الروسية هذه قد تحرّك عجلة الحل، في وقت تدعم المساعي الروسية الصين، وهو دعم لا يستهان بأهميته. وفي وقت تناقش الدول الكبرى الخطط الاستراتيجية، تتعاظم معاناة الشعب السوري نتيجة الحوادث والعقوبات التي أدت إلى نقص في الغاز والكهرباء ومياه الشفة. المشروع الروسي يلوي ذراع بشّار الأسد، ولا يصب في مصلحته، كما يشير أحد المحللين. فهو يدعو النظام إلى وقف العنف ولا يُلزِم المعارضة أي خطوات في مقابل الإحجام عن القمع. والحق إن المعارضة السورية مقتنعة بأنه إذا سحب النظام قواته من المدن ستتوقف أعمال العنف، لأن المعارضين يضطرون الى اطلاق النار رداً على مصادر النيران. فحين أخلت القوات السورية مدينة حماة، وفق المعارضة، نُظِّمت تظاهرة كبيرة جمعت نحو 600 ألف من دون وقوع أي حادثة عنف، ولم يهاجم أحد التظاهرات الداعمة للرئيس الأسد. ويرى بعض المحللين ان الغرب لم يعدْ متحمساً لقلب نظام الأسد بواسطة المعارضة ودول خليجية، مع ترجيحهم ألاّ يؤدي فتور حماسة الغرب الى وقف الاحتجاجات السورية. فأهداف المعارضة راديكالية، وهي إخراج الأسد من الحكم، لذا لا يبدو أن المشروع الروسي قابل للحياة إلا إذا وافق الأسد على التنحي عن الحكم إثر استفتاء شعبي. ويفترض بروسيا، إذا أرادت تعزيز موقعها في الشرق الأوسط، ألاّ تكتفي باقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن وإرسال بعض السفن إلى المنطقة، بل أن تصوغ سياسة شاملة وثابتة. * صحافي، عن «إزفيستيا» الروسية، 16/12/2011، إعداد علي شرف الدين