مشاركة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في اجتماع الجامعة العربيّة الأخير هو مؤشر بالغ الدلالة. وسبق أن فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على سورية. ولا شكّ في أن الجامعة لن تقف عند خطوة تعليق عضويّة سورية. وخلاصة القول إن الرئيس السوري بشار الأسد محاصر من الشرق والغرب. والدواعي الطائفيّة هي وراء موقف الجامعة العربيّة. ويعود تشدد الغرب مع سورية إلى انتهاكات في مجال حقوق الإنسان. ودعت المعارضة السورية موسكو إلى عدم معارضة التدخل الخارجي في الأزمة السورية، أي الموافقة على إرسال «القبعات الزرق» إلى سورية. ويدرك معارضو النظام البعثي أن مرابطة جنود سلام أمميين في سورية تؤدي إلى صدامات مع الجيش السوري، وتسوّغ، تالياً، شن عمليّة عسكريّة ضد سورية. وبرزت معلومات الأسبوع الماضي عن صدامات بين الجيش السوري والمنشقين عنه، لكن التأكد من صحة الخبر مستحيل. فالسلطات السورية تمنع الإعلاميين الأجانب من العمل على أراضيها، على رغم دعوة موسكو إلى رفع الحظر عن عمل الإعلاميين للتحقق من سلميّة التظاهرات. ولكن يبدو أن السلطات السورية لا ترغب في إماطة اللثام عن أوضاعها الداخليّة. نبرة الخطاب التركي إزاء النظام السوري ارتفعت. ولوحت أنقرة بقطع إمداد سورية بالطاقة الكهربائيّة، والانسحاب من المشاريع الاقتصادية المشتركة. لكن التهديد لم يلق صدى لدى السلطات السورية. وفي حين يجمع الطرفان الروسي والتركي على ضرورة وقف إراقة الدماء، يخالف الموقف التركي موقف الجامعة العربيّة ويطالب الرئيس السوري بالتنحي. ومبادرة الجامعة بقيت حبراً على ورق. فالمعارضة السورية ترفض رفضاً قاطعاً الحوار مع دمشق، متهمة النظام بعدم تنفيذ بنود المبادرة العربيّة، في وقت لا يستعجل الأسد التزام المبادرة. لذا، تدور المبادرة في حلقة مفرغة. وطالبت المعارضة السورية بتأييد موسكو قرار مجلس الأمن ضد النظام السوري، لكن روسيا لم تستجب. ولم تيأس من الدعوة إلى حل سلمي للأزمة. فهو السبيل الوحيد إلى حماية الاستثمارات الروسية في سورية. والحق أن أوان عدول موسكو عن موقفها والتخلي عن الأسد، كما ينصح بعض المحللين الروس فات. فالمعارضة السورية لن تسامح موسكو على موقفها في مجلس الأمن. وإذا قررت روسيا اليوم تغيير موقفها من الأزمة السورية، خسرت نفوذها في المنطقة. وتقدر المصادر الغربيّة الاستثمارات الروسيّة في سورية بنحو 4 بلايين دولار في مقابل عقود تسلح، و20 بليون دولار استثمارات في قطاع الطاقة. ويفترض بروسيا أن تحمي استثماراتها. وهي تولي الأولوية لإرساء الإصلاحات سلمياً بعيداً من الفوضى. وهذه تترتب على قرار الغرب التدخل عسكرياً. وإذا شن حملة عسكرية على دمشق، تورطت موسكو بالصراع. ومهما كانت نتائجه، تكبدت (روسيا) خسائر اقتصاديّة فادحة. ويتعاظم عسر مهمة روسيا الديبلوماسيّة على وقع قمع دمشق التظاهرات المعارضة الطائفيّة. فموسكو مستعدّة لمساعدة الأسد على تنظيم الحوار. ولكن من المستبعد أن يحصل أي حوار في وقت تتفاقم الصدامات ويرتفع عدد الضحايا، وتؤجل الإصلاحات إلى أجل مجهول. وفي مثل هذه الأوضاع، يبدو أن لا مفر من التدخل العسكري في سورية، سواء توافر غطاء له في مجلس الأمن أم لا. * صحافي عن صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية، 17/11/2011، إعداد علي شرف الدين