يتجه المشهد السياسي في المغرب نحو الواقعية والوضوح، في ضوء نتائج الاستحقاقات الاشتراعية الأخيرة التي اتفق الشركاء كافة على أنها بلورت خريطة جديدة. وفيما انبرت أحزاب لترتيب أوضاعها في الموالاة أو المعارضة، صدرت إشارة قوية من القصر بتعيين فؤاد عالي الهمة مستشاراً للعاهل المغربي الملك محمد السادس. وكان رئيس الحكومة المعيّن عبدالإله بن كيران أول من بادر إلى تهنئة المستشار بمنصبه الجديد، على رغم الصراعات التي خاضها الرجلان ضد بعضهما على امتداد بضع سنوات. واعتبرت مصادر حزب «العدالة والتنمية» أن ذلك التعيين المفاجئ «سيساهم في توضيح الصورة وتحديد المسؤوليات». وكتبت صحيفة «التجديد» القريبة من الحزب الإسلامي أن ذلك التعيين، وإن تعددت التأويلات حول النيات الكامنة وراءه، «اختصاص ملكي حصري»، مؤكدة وجود منطق سياسي جديد يخدم الوضوح وتحديد المسؤوليات «ناتج من التفاعل الجاري بين القوى السياسية ونشوء تدافع ديموقراطي يعزز مسلسل إنهاء سياسات التحكم»، في إشارة إلى مؤاخذات سُجّلت ضد الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة كونه جمع بين قربه وصداقته للملك محمد السادس وبين تأسيسه حزب «الأصالة والمعاصرة». والتزم المستشار الجديد للملك شروط «التجرد والموضوعية» من خلال ابتعاده عن كل المهمات التي كان يضطلع بها على الصعيدين الحزبي والمحلي. وربطت المصادر بين عودته إلى الديوان الملكي وتقوية دور المؤسسة الاستشارية في القضايا والملفات التي تُعتبر من الاختصاصات الدستورية لملك البلاد، بخاصة وأن المغرب مقبل على استحقاقات مهمة ذات علاقة بإقرار التنظيم الجهوي الذي يمنح المحافظات صلاحيات أوسع في تدبير شؤونها. وعرف عن الديوان الملكي أنه كان صلة الوصل بين الملك والزعامات الحزبية والنقابية. إلى ذلك، أحدث رئيس الحكومة المعيّن بن كيران اختراقاً في جدار الملفات الاجتماعية التي اعتُبرت دائماً في مقدم انشغالات الشارع المغربي. واجتمع إلى نشطاء شبان في تنسيقية الطلاب حملة الشهدات الجامعية العاطلين من العمل. وذكرت مصادر حزبية أن الاجتماع عرض إلى التزامات تطاول درس ملفاتهم وتسوية القضايا العالقة. وتأتي المبادرة في سياق عزم رئيس الحكومة المعيّن فتح حوار مع «حركة 20 فبراير» الاحتجاجية بموازاة انفتاحه على الفاعليات الحزبية. وعلى رغم أن المعطيات المتداولة تشير إلى إمكان حيازة «العدالة» غالبية نيابية عن التحالف مع كل من «الاستقلال» و«الحركة الشعبية» و«التقدم والاشتراكية»، فقد حرص بن كيران على إجراء مشاورات مع الأمين العام ل «الاتحاد الدستوري» محمد أبيض للدلالة على عدم إقصائه طالما أنه لم يتخذ بعد موقفاً لجهة الانضمام إلى الحكومة أو المعارضة. لكن حزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي اختار العودة إلى المعارضة، بدا أكثر تمسكاً بموقفه، وصرّح زعيمه عبدالواحد الراضي بأن الموقف يندرج في إطار الوضوح الذي «يتطلب تقديم الأجوبة حول السؤال: مع من نحن؟ وإلى أي عائلة سياسية ننتسب؟ وما هي هويتنا؟». ودعا إلى وضع حد لما وصفه ب «الخلط والضبابية». والراجع أن تشمل الحكومة المقبلة شخصيات محسوبة على التيار الأمازيغي لتكريس نوع من التوازن. لكن الجدل حول توزيع الحقائق لن يحتدم سوى في نهاية الأسبوع قبل إعلان التشكيلة الحكومية مطلع الأسبوع المقبل أو نهايته.