في خطوة لافتة، عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس، الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة مستشاراً في البلاد الملكي، ما يضع حداً لأي تأويل في التزاماته السياسية بعد أن غادر منذ فترة موقعه البارز في حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي كان قد شكّله برفقة تيارات يسارية ويمينية قبل ثلاث سنوات. ورأت المصادر في تعيين الهمة مستشاراً للعاهل المغربي بادرة تطمين لجهة تفرغه للقيام بمهمات رسمية تُحدد في طبيعة العلاقة بين ملك البلاد ومستشاريه، بخاصة وأنه يأتي في أعقاب تنفيذ مقتضيات الدستور الجديد الذي صدّق عليه المغاربة في الأول من تموز (يوليو) الماضي والذي أقر بصلاحيات دينية وأمنية لرأس الدولة باعتباره أميراً للمؤمنين في المغرب والمسؤول الأول عن صون أمن البلاد. ولاحظت المصادر أن العاهل المغربي عزز طاقم مستشاريه في الفترة الأخيرة عبر تعيينات شملت وجوهاً قانونية واقتصادية في مقدمها عبداللطيف المانوشي الذي رأس لجنة تعديل الدستور، وعمر عزيمان الذي رأس اللجنة الاستشارية للنظام الجهوي، وياسر الزناكي وزير السياحة. غير أن انتقال المدير السابق لديوان الملك محمد السادس عندما كان ولياً للعهد إلى البلاد الملكي يضفي على المهمات الاستشارية طابع الشفافية والوضوح. وسبق لزعامات حزبية من بينها حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الذي خاض ولا يزال مواجهات مع «الأصالة والمعاصرة»، أن انتقدت ما كانت تصفه بتدخل أشخاص في مسار العمل السياسي من موقع قربهم إلى مراكز السلطة. لكن فؤاد عالي الهمة وضع مسافة بينه وبين الانتساب الحزبي منذ أن قدّم استقالته من رئاسة لجنة الترشحيات في حزب «الأصالة والمعاصرة» قبل بدء المنافسات الاشتراعية. وتدرج الهمة عبر مسؤوليات إدارية وسياسية شملت رئاسته بلدية بن جرير، مسقط رأسه، ومدير ديوان ولي العهد، ثم وزيراً منتدباً في الداخلية، واستقال من منصبه عام 2007 للتفرغ للعمل الحزبي، إذ ترشح كنائب مستقل في بلدته بن جرير ورأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. إلى ذلك، وصف رئيس الحكومة المعيّن عبدالإله بن كيران مشاوراته مع الزعامات السياسية لتشكيل الحكومة بأنها «شبه متعبة ومجهدة» لكنها تدور في أجواء ودية ومشجعة، بخاصة في ضوء اكتمال عقد بناء غالبية نيابية يُرجّح أن تضم «العدالة والتنمية» و «الاستقلال» و «الحركة الشعبية» و «التقدم والاشتراكية»، ما يفيد باستبعاد «الاتحاد الدستوري» الذي أبدى رغبته في الانضمام إلى الائتلاف الحكومي المرتقب الإعلان عنه في ختام جولات قادمة من المشاورات. وعاود بن كيران التأكيد على احترامه الموقف الذي التزمه حزب «الاتحاد الإشتراكي» لناحية الانتقال إلى صفوف معارضة الحكومة، ما اعتبرته أوساط بداية تموقع جديد بين الموالاة والمعارضة، وإن كان حزب «العدالة والتنمية» راهن على إشراك كافة مكونات «الكتلة الديموقراطية» (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية) في سياق «تحالف تاريخي» كثيراً ما عوّل عليه الحزب الإسلامي. وبعدما حسمت «الحركة الشعبية» ذات المرجعية الأمازيغية موقفها عبر الإعلان عن المشاركة في الإئتلاف الحكومي المقبل، بدا أن ذلك التحالف الذي لم يكن يستبعد الأحزاب التقليدية عوّض مكان «الاتحاد الإشتراكي» حزب «الحركة الشعبية» بقيادة محند العنصر الذي أنهى الجولة الأولى من المشاورات معه بعناق بن كيران. وفسّر مراقبون حرارة ذلك العناق بأنه إيذان بتفكك «التحالف من أجل الديموقراطية» الذي كان يقوده «تجمّع الأحرار» بزعامة وزير المال صلاح الدين مزوار. وكان العنصر أول من تلقى رسالة الانتخابات الأخيرة، إذ أعلن بوضوح أن تراجع نفوذ حزبه في اقتراع 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي سيدفعه إلى ممارسة النقد الذاتي والاعتراف بتداعيات الهزيمة التي أنقذه منها «حبل النجاة» الذي رمى به عبدالإله بن كيران في اتجاه الحزب المترنح. وصرّح العنصر بأن نتيجة مشاوراته مع زعيم «العدالة والتنمية» كانت ودية وايجابية وعرضت إلى متطلبات المرحلة التي تجتازها البلاد، في إشارة إلى تشكيل الحكومة المقبلة والمهمات المنوطة بها. وبدا بن كيران، في المقابل، مرتاحاً إلى حظوظ حيازته غالبية حكومية، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام إمكان الانفتاح على حزب آخر على الأقل في حال قررت قيادة الحزب الإسلامي هذا التوجه. وبهدف صون السلم الاجتماعي وحيازة دعم المركزيات النقابية الأكثر نفوذاً، اجتمع بن كيران إلى زعامات نقابية عدة. لكن الاعتقاد السائد أن الفيديرالية الديموقراطية للعمل القريبة إلى «الاتحاد الإشتراكي» ستتخذ موقفاً ينسجم والتزاماتها السياسية مع الحزب المعارض. ومن المقرر في غضون ذلك أن يحسم حزب «التقدم والاشتراكية» موقفه ازاء المشاركة في الحكومة في اجتماع لجنته المكزية اليوم الخميس، بخاصة في ضوء ارتفاع أصوات تحبّذ الاصطفاف في المعارضة من منطلقات أيديولوجية في تبدد أمام حظوظ قيام الاتئلاف الحكومي. وتقول مصادر «العدالة والتنمية» إن الحزب سيواصل مشاوراته وفق الرؤية التي أقرتها قيادته، وانه يفعل ذلك بكل حرية وقناعة بخاصة أن الدستور الجديد يمنح رئيس الحكومة المعيّن صلاحيات اختيار واقتراح فريقه الحكومي من دون أي تمييز في القطاعات، عدا عن أن اختصاصاته في تعيين كبار موظفي الدولة تضبطها مقتضيات دستورية واضحة. ويذهب محللون إلى أن فوز «العدالة والتنمية» ذي التوجهات المعتدلة أضفى بُعداً إضافياً على مفهوم الشرعية الديموقراطية المنبثقة من صناديق الاقتراع، كما عزز مجالات الحضور الروحي لإمارة المؤمنين في المغرب.