«أصرت الوالدة أن تعاملني يوم عيد الأضحى كما يعامل الأطفال، الذين لم تتجاوز أعمارهم بضع سنوات، فأحضرت كيساً مليئاً بالنقل وجمعت عدداً من الأطفال الموجودين في المخيم ثم نثرت ذلك عليّ، وهي تصيح ضاحكة هازجة «جو جو.. حجو وجو». هذا مقطع من رواية «سقيفة الصفا» لحمزة بوقري رحمه الله، التي يحضر فيها الحج، وهي رواية صدرت قبل أكثر من ثلاثين عاماً، لكن يبقى حضور الحج في الرواية المحلية قليلاً وخجولاً، الأمر الذي يمثل سؤالاً دائماً. «الحياة» استطلعت بعض الروائيين عن سر غياب الحج بشعائره وطقوسه، إضافة إلى المتخيل الشعبي اللصيق به وعدم استدراجه الروائيين للكتابة عنه بطريقة مختلفة، خصوصاً وأن الكثير من الروائيين جربوا اختراق المحاذير كلها، لكنهم لم يخوضوا هذه التجربة الروحية بشكل كاف. الروائي أحمد الدويحي قال: كان موسم الحج وما زال مشهداً، يثير ويذكي ذاكرة الكتاب والروائيين بشكلٍ خاص، ونعلم جميعاً كتاب السرد ما للمدينتين المقدستين مكةوالمدينة من أهمية، يتجاوز اختزالها في البعد الديني، ونغفل التراكم التاريخي، وتعدد ألوان الطيف الحياتي، وما توحي به هذه البقاع الطاهرة للذاكرة الإنسانية، وما تنطق به أركانها من فيض الذاكرة. بهذا المعنى، كانت تجربتي في كتابة رواية (ثلاثية المكتوب مرة أخرى) وتم تناول الحج من زاوية تاريخية وأسطورية وأخرى معاشة، فحج سيدنا سليمان من بيت المقدس إلى مكة، والقصة المعروفة عن هدهد سليمان، ولقائه بملكة سبأ بلقيس والتي اضطرتني إلى قراءة العديد من الكتب التراثية، ومتابعة العديد من المراجع التاريخية، وهالني أن أجد بلقيس في حضارات أخرى غير الإسلامية والعربية، وأغربها تلك الموجودة في الحضارة الصينية التي تعد المرأة (شيطان) وجعلت بلقيس نموذجاً لذلك، وتناولت من الزاوية الأخرى، الحياة المعاصرة المعاشة لإنسان الجنوب، يعبر القرى والجبال في طريقه إلى مكةالمكرمة للحج، وحاجته للعمل لكي يكتسب قوت ومؤنه السفر، وطبيعة الحياة في مكة قبل نصف قرن من الزمان». وأشار الدويحي إلى أن كتاب الرواية في المدينتين المقدستين، مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، «يحضون بكنوز عظيمة لا تحتاج إلا إلى نبشها، والكتابة اليومية عن هذا العالم الغزير والمتنوع الذي نتشرف به كركن من أركان ديننا الحنيف، وأذكر أنني حضرت محاضرة قبل سنوات بمركز الملك فيصل، وكانت المحاضرة لباحث عراقي يعيش في هولندا وقد قضى سنة من حياته في جامعة الإمام محمد بن سعود، وكانت محاضرة ذلك الباحث حول مستشرق هولندي أسلم وعاش في مكة ثلاث سنوات ثم يعود إلى وطنه، ليؤسس مركز معلومات وينقل التراث العربي والإسلامي، ويقيم جامعة في بلاده لدراسة هذا التراث العظيم». ويقول الشاعر والروائي سعود الصاعدي «تسألني عن الكتابة عن الحج بشكل مختلف، وهنا - في رأيي - تكمن الصعوبة، ذلك أنّ كتابة من هذا النوع له ثلاثة أبعاد: بعد روحي، وبعد مكانيّ، و بعد زمانيّ، وهذه الأبعاد الثلاثة هي خلفية العمل، إن صحّ تصوّري، ولذلك فهي تحتاج إلى قدرة عظيمة توازيها تجربة عظيمة لإنتاج عمل عظيم بعيد عن الكتابة من أعلى، أو لنقل: كتابة متعمّقة تستدرج المتخيّل الشعبي من جهة، والواقع من جهة ثانية، وفي الوقت نفسه لا تغفل خصوصيّة المكان و الزمان. وفي رأيي أنه يمكن للروائي أن يقوم بعمل كهذا إذا ما حفر في كتب الرحلات التي عبرت مكّة وسجّلت انطباعاتها عن الحج و شعائره وذاكرة المكان فيه، ليس ليعيد ما أنتجه الآخرون، وإنما ليستدعي الذاكرة الثقافية من جهة، وليصنع البطل من خارج المكان المقدّس، ليكتب بروحيّة أكثر»، لافتاً إلى أن المكيين «وإن كانوا أكثر ثراءً من جهة البعد المكاني والمتخيّل الشعبي، إلا أنهم يفتقدون التجربة الروحية العميقة بحكم أنهم من حاضري المسجد الحرام، وغالباً ما تكون الكتابة ذات الجانب الروحي أعمق حين ترد على لسان وافد من خارج مكة. طبعاً هذا لا يمنع أن يكون السارد الحاكي مكيّاً، وربما كان من المهم أن يكون مكياً، لكن بالشرط الفني الذي ذكرته قبل قليل، أي أن يكون البطل من خارج المكان المقدس الفكرة عميقة ومن الصعب إنتاجها، إلا على يد تجيد النسج ويمدها خيال مدرّب ومجرّب». أما الروائي محمود تراوري صاحب رواية «ميمونة» التي قاربت بشكل ما الأجواء المكية وما يتعلق منها بالحج، فهو يطرح مفارقة أن الحج برز في عمل روائي عربي هو رواية «البلدة الأخرى» لإبراهيم عبدالمجيد كما برز في رواية عربية أخرى هي «حج الفجار» للموريتاني موسى ولد ابنو، «فيما خلت الأعمال المحلية من تناول الحج إلا بشكل عابر وغير مركز». ويستشهد تراوري بقول للناقد حسين بافقيه عن أن المعاصرة حجاب، على اعتبار أن الحج وطقوسه هي من الأمور المعتادة بحيث لا تستوقف الروائيين. أما الروائي طاهر الزهراني فقد اكتفى بتعداد بعض الروايات، التي يرى أنها لامست الحج بشكل أو بآخر، مثل رواية «فتنة جدة» لمقبول العلوي التي تدور احداثها في القرن الماضي. وتتناول ما عرف بفتنة جدة عندما قصفت البحرية البرتغالية هذه المدينة. أيضا يتذكر طاهر الزهراني رواية «فتنة» لأميرة القحطاني، وإن كانت كما يرى «لم تلمس الأجواء الروحانية بطريقة ملفتة».