سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حميد البليهد :المكان التاريخي حاضر في روايات التسعينيات والثمانينيات وغائب عن الروايات التي يكتبها الشباب الرواية التاريخية.. مفاهيم ملتبسة في السرد وفي الرؤى
كل روائي هو مؤرخ هكذا يعتقد البعض.هذا الاعتقاد يأتي من باب أن كل ما يسرده الروائي هو شاهد على زمنٍ ما على حياة ما.لكن النقاد ينظرون إلى الرواية التاريخية بمفاهيم مختلفة ولذا لا يوجد فهم محدد لما يجب أن تكون عليه الرواية التاريخية. فالبعض يحصرها في جانب التوثيق التاريخي. التخييل التاريخي. الرواية ذات البعد التاريخي. مفهوم الرواية التاريخية الروائية والقاصة ميّ خالد العتيبي والتي يطغى على سردها اللمحة التاريخية ترى مفهموم الرواية التاريخية :(الرواية عمل فني تخييلي لا يتعامل مع الوثائق الرسمية سواءً كانت وثائق اجتماعية أو تاريخية تعاملاً خارج إطار المجاز والشك والتأويل وإعادة البناء وترميم مايمكن أن يكون قد تعرض للهدم بمعاول الناس والمؤرخين والزمن، كما يعيد إنتاجها وفهم ماكان غامضًا منها أو مسكوتٌ عنه. لذا استغرب أحيانًا من مطالبة النقّاد للروائيين بلزوم الحقيقة وكأن إعادة إنتاج نفس التاريخ المدون بصوت فردي هي الهدف، ولكأنه يغيب عنهم أيضًا أنّ كتابة التاريخ تعني تدوين ماحدث بالفعل، وهذا عمل المؤرخ والباحث، بينما الرواية التاريخية تشتغل على منطقة مالم يثبت حدوثه فعلا، لكن هناك احتمال أنه حدث ولم يدوّن في حينه. وهذا لايعني ألايعمل الروائي بمجهود بحثي متواصل كي يلم بكامل الظروف والملابسات والأدوات للعصر الذي تدور روايته فيه لأنه حين يمزج الإيهام بالحقيقة سيكون عمله أقرب لقناعة المتلقي وأكثر إثارة لحماسه وأكبر تأثيرًا. بينما يرى الروائي والقاص حسن الشيخ والذي تجلى همه الروائي في روايته (الفوارس) رؤية أخرى :يمكن فهم التسميات النقدية للرواية، من خلال رغبة النقد لمعرفة النوع الروائي لمساعدة القارئ في فهم النص الروائي و لتلمس طبيعته. ومن خلال تلك الرغبة النقدية تحديدا، ظهرت تسميات الرواية التاريخية، والعلمية، و الواقعية.و انا ارى ان تلك الرغبة النقدية، هي نزعة إنسانية، موجودة في مختلف المجتمعات الإنسانية. أي انها ليست مختصة بأدبنا العربي. لذلك فان تلك التسميات النوعية للرواية موجودة في معظم الثقافات النقدية لمختلف الشعوب. الا انني لا انسجم مع تلك التسميات، و تلك التصنيفات النوعية للعمل الروائي. ربما صحت هذه التصنيفات النقدية، على العمل الادبي قبل نصف قرن من الزمن او اكثر قليلا، الا ان العمل النقدي اليوم قطعا، قد تجاوز تلك النظرية التصنيفية. و لعل السبب الرئيس في تجاوز، هذا المفهوم النقدي، هو رؤية النقد للعمل الإبداعي اليوم. و بحكم التطور الذي دخل الى تقنيات العمل السردي طوال قرن من الزمن. باختصار شديد. لقد ماتت الرواية التاريخية العربية، بموت من كتبوها يوما قبل قرن من الزمن. فلا عادت روايات عبد الحميد السحار، ولا روايات باكثير تثير فضولنا. بل ان روايات تاريخية أخرى قد تثير سخطنا، كما هي روايات جرجي زيدان. وأخرى تثير شفقتنا كما هي روايات نجيب محفوظ التاريخية. أنا شخصيا لا أرى أن هناك - اليوم - بما يسمى رواية تاريخية. الروائي يكتب عن أحداث الزمن الماضي كما يكتب عن أحداث زمنه الحالي. ومن هذا المفهوم فكل الروايات هي روايات تاريخية. إلا أن ذلك ليس صحيحا. تشويه التاريخ : يعتقد حسن الشيخ أنه يشوّه التاريخ فيما يكتبه روائيا :كتبت الكثير من الأحداث روائيا، وكان همي ان اشوه التاريخ. او أعيد كتابته كما يحلو لي. لست مؤرخا. المؤرخ يهتم بنقل الحقيقة، و التوثيق لها. وما يهم الروائي هو نقل الأحداث روائيا الى عالمه الروائي كما يراها من الناحية الإبداعية. لا يوجد اليوم الا مؤرخ اتخذ من أسلوب الحكاية، شكلا للكتابة، او روائي اتخذ من الأحداث التاريخية مادته الروائية. حتى الكتابات الروائية المتأخرة انظر إليها من هذا المنظار. أي اننا اذا رغبنا ان نعود الى منهج النقد التصنيفي القديم للنوع الروائي، فانا ارى كل زيادة او نقصان في الأحداث التاريخية يمكن ان يطلق عليه عملا روائيا ليس له علاقة بالتاريخ. وكل نقل دقيق و أمين للأحداث - في أي عصر و مكان - هو عمل تاريخي ليس له علاقة بالعمل الروائي. ويبقى السؤال الأكبر. هل نحن بحاجة اليوم للرواية التاريخية ؟ اعرف ان البعض من الروائيين العرب مازالوا يكتبونها. رغم ان التاريخ الشفوي الذي كان شفويا بالأمس لم يعد كذلك. فالصحافة و وسائل الإعلام الأخرى، حولته الى تاريخ مكتوب. و عدد من الجريدة ليوم واحد، هو تاريخ الكون بأكمله لهذا اليوم. الرواية التاريخية الحديثة : ترى القاصة والروائية ميّ خالد بأن لها مفهومها الخاص عن الرواية التاريخية الحديثة والذي يجب أن تكون مغايرة لما تم كتابته في مراحل سابقة :أقف في صف الرواية المضادة للتاريخ وأولع بها كتابةً وقراءة أكثر من الرواية التي تنهل أحداثها وشخصياتها من التاريخ الحقيقي المدوّن.لا تهمني حياة القصور وجدرانها الباردة ولا تعنيني مشاكل الخليفة مع محظياته ولا أهتم لتفاصيل الغزوات على البلاد البعيدة ولا إلى مكائد البلاط السلطاني ولا البيانات الصادرة بمرسوم سلطاني.وكل ماتقدم هي موضوعات التاريخ، حتى أنّ أغلب التاريخ العربي المدوّن كان أصحابه من سكّان العواصم، بينما أهملوا تمامًا تدوين حياة القرى والمدن البعيدة إلا في أدب الرحلات، أهملوا حياة الناس العاديين، حياة ربات البيوت، حياة الأطفال، حياة أصحاب الحرف، لم يكتبوا عن الجواري في سوق النخاسة لكنهم كتبوا عنهن حين صرن خلف جدران القصور. المؤرخون لا يكتبون عن الحياة إنهم يدونون حياة السياسة فقط، لذا على الرواية التاريخية الحديثة أن تعمل ضد الروايات الرسمية وتكتب عن هم الإنسان عن أفراحه الصغيرة وعن دموع بؤسه، عن النساء العاديات عن الأطفال عن الأحياء الفقيرة عن سطوح البيوت الساهرة تحت قناديل الزيت، عن العلماء والطبيبات، عن المشعوذات والمجانين، هذا ما أكتب عنه. المكان كدلالة تاريخية : الدكتور حمد البليهد والذي اشتغل على جماليات المكان في الرواية السعودية..يقدم هذه الرؤية الشمولية والمتفحصة لبعض من ملامح المكان كدلالة تاريخية في الرواية السعودية : بداية لا يمكننا أن نتصور مكاناً مجرداً من المرجعية التي ارتبط بها حضوره في النصوص الروائية وظهر خلالها بشكل فاعل تأثراً وتأثيراً في الشخوص، هؤلاء الذين لا يمكن عزلهم - بوصفهم نماذج موازية للواقع - عن التشريح الواقعي لفئات المجتمع بما لديهم من ثقافات متباينة، ونوازع ورغبات مختلفة، ومن ثم فإن ورود اسم المكان في النص الروائي يستدعي في ذهن المتلقي حضور ما يمثله اسم هذا المكان من دلالة تاريخية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو أسطورية. ويبدو لي أن فكرة التاريخ في مجملها وكأنها فكرة ملتبسة بالزمن لا تفارقه أبداً، وإذا كان الزمن على اتساعه يشمل الأحداث التي تتم في الحاضر والماضي والمستقبل، فإن الدلالة التاريخية تكاد تنحصر في الأحداث الماضية، سواء بمعناها الطبيعي خارج حدود الأعمال الأدبية كما تجسده - تحديداً - الرواية الواقعية ليشكل الزمن الماضي سمة بارزة من سماتها المميزة، حيث اهتمت بالزمن التاريخي لتجعله مقابلاً للعالم المتخيل، أو الحدث الماضي بمفهومه الخاص داخل إطار النص الروائي وهو زمن كتابة النص حين يصبح تاريخاً ماضياً بعد الانتهاء منه لتغدو أحداث النص الروائي كاملة هي أحداث تاريخية، وكأننا أمام زمنين تاريخيين : - زمن تاريخي يمثل تجارب البشرية على خط الزمن الطبيعي. - وزمن تاريخي يتجسد من خلال المقابل الخارجي لعالم متخيل تصنعه مخيلة الروائي. ولأن الواقع بصفته تاريخاً وأحداثاً مضت لا يمكن وضعه على الورق، فإن الكتابة في حد ذاتها تصبح دلالة عليه، وليس تجسيداً له، ومن هنا يمكننا أن نعد النص الروائي - تحديداً -على أنه دلالة تاريخية كبرى متعددة المستويات. وكأن الروائي حين يستلهم أحداث روايته من حياة مجتمع ينتمي إلى طور تاريخي منصرم، أو يستقي من مرحلة مضت وانقضت، ربما ينحاز إلى تاريخية أحداثه، مازجاً بين الواقع الفعلي المتعين في الذاكرة الجماعية وبين الجانب التخييلي، وكأنه يحاول إعادة إنتاج أحداث تاريخية وفق رؤية جديدة، قد تكون رؤية الراوي مشحونة ببعض القيم الرمزية والفكرية. والمتأمل في بعض الأعمال الروائية السعودية التي احتفت بالمكان يستطيع وضع يده بسهولة على كثير من تفاصيل هذه العلاقة القائمة بين المكان ودلالته التاريخية ؛ ففي رواية عبده خال (الموت يمر من هنا) تنتسب الأحداث إلى حقبة تاريخية ماضية يختلط فيها الأسطوري بالتراث الشعبي، وينُسج المتن الحكائي من حياة مجتمع ينتمي إلى مرحلة تاريخية غير محددة، في بقعة جغرافية لها طابع الخصوصية ؛ فقرية (السوداء) مكان تاريخي متعين في متن النص من خلال أحداثه وشخصياته، ولكنه لا يمتلك مرجعية واضحة في الواقع مثله مثل الزمن التاريخي الذي هيمن على مسير السرد كله، كذلك حضر المكان التاريخي في (الأيام لا تخبئ أحداً) من خلال رصد الرواية في كثير من أحداثها لبعض أحياء جدة القديمة بشوارعها وعاداتها وتقاليدها وتراثها الشعبي، كذلك سعى عبد العزيز مشري - رحمة الله عليه - في مجمل أعماله الروائية إلى إبراز بعض الأمكنة التاريخية في سياق رصده ملامح التحولات الكبرى التي طالت بيئة الريف والقرية بكل متغيراتها، إلا أن التحولات الاجتماعية بحكم صلتها المباشرة بالإنسان كانت أبرز الملامح التي ركزت عليها أعماله. وفي رواية (الحفائر تتنفس) يرسم الروائي بطريقة فنية تاريخاً موازياً يقوم على بنى إنسانية متداخلة ومعقدة يمتزج فيها التاريخ البعيد بجغرافية المكان وحكاياته الشعبية الموروثة، لقد صور التعزي بكل دقة وبطريقة فنية حياً قديماً من أحياء مكة، من خلال مشهد مأساوي لمنظر العبيد وهم يساقون إلى البيع، مسلطاً بذلك الضوء على مرحلة أصبحت من ذكريات التاريخ البشري، ومؤكداً من جانب آخر على ارتباط الحفائر / المكان بالتاريخ والحركة الإنسانية. وفي رواية (طريق الحرير) لرجاء عالم تحتشد الأمكنة ذات الأبعاد التاريخة بوصفها ممثلة لتاريخ قديم يتضمن مشتركاً اجتماعياً وروحياً. تبرز مكة / المكان بوصفها المدينة المقدسة ذات الأبعاد التاريخية والحضارة العريقة، وأول مكان ظهر من الأرض على وجه الماء. تتداخل الأحداث التاريخية القديمة داخل متن الرواية معتمدة على أسلوب (التناص / تداخل النصوص)، فتحتفي رواية (طريق الحرير) بشعاب مكة وطرقها ومنحدراتها ومعالمها التي تكثر فيها السيول الأكثر حضوراً في الذاكرة الجمعية مشيرة إلى أسمائها الموغلة في القدم، كذلك حضر المكان التاريخي في رواية (وجهه البوصلة) لنورة الغامدي بصورة رمزية، وقد كان حضوره في سياق تلك التحولات الحضارية ضمن ثنائية الريف والمدينة التي سبق وأن رأيناها في أعمال مشري. ومن الأعمال الروائية التي صدرت مؤخراً رواية (طنين) لسيف الإسلام بن سعود المحملة بالعديد من الإشارات والتأويلات والتمثيلات الحضارية لتاريخنا العربي القديم والحديث والراهن، فقد اختار الكاتب لعمله واحدة من لحظات التحول الكبرى ليس في التاريخ المحلي فحسب بل الإقليمي والعالمي أيضاً، ومن ثم فقد وقع هذا التحول على الأمكنة التاريخية التي رصد الكاتب في فضائها حيوات الشخصيات عبر تقنية روائية شهيرة "الرسائل أو ما يسمى بأدب المراسلات"، وتكاد أيضاً رواية (حكومة الظل) لمنذر قباني تتقاطع مع رواية (طنين) في بعض جوانبها من حيث المرحلة التاريخية، ومن حيث البعد التاريخي الذي تحكم في سير الأحداث والشخصيات ضمن أمكنة بالتأكيد لها دلالاتها التاريخية. فأنت ترى معي أن دلالة المكان التاريخي، أو المكان التاريخي كما تحب أن تطلق عليه حاضر بقوة في نصوص الرواية المحلية، ولا سيما في مرحلة الثمانينات والتسعينات، بينما نجده يسجل غياباً جلياً في نصوص الرواية المحلية في مرحلتها الراهنة، كما غاب المكان بشكل عام أيضاً عن نصوص هذه المرحلة، لسبب يرجع في نظري إلى أن أغلب كتاب الرواية في هذه المرحلة مواهب شابه لم تضج بعد، ولم تمتلك أدواتها الفنية كاملة، إضافة إلى أن مجمل نصوص هذه المرحلة هي أشبه ما تكون بمحاولة بوح ذاتي يمتاح تفاصيله من الداخل، أو هي حديث عن رؤية خاصة تمت صياغتها وتقديمها بشكل نصوص سردية لضمان قبولها لدى المتلقي الشغوف دوماً بكل ما هو ذاتي ليطل من خلاله على تجارب الآخر المغيبة أو المسكوت عنها لاعتبارات كثيرة، أما الاهتمام بالفضاء الروائي بشكل عام والتاريخي تحديداً من خلال كيفية حضوره، وتقنية تمثله، وشحنه بشتى الدلالة، كل ذلك يحتاج إلى نضج التجربة الفنية لتبدو أكثر غنىً وعمقاً، عن طريق استشرافها الأبعاد الإنسانية الرحبة، دون الركون إلى هموم الذات فحسب، وهو أمر لمَّا يتوافر في مجمل المواهب الجديدة. لا أعتقد بأن هناك توقيتاً محلياً يضبط زمن الرواية من حيث البداية والنهاية، والزمن هو عامل فني محدود داخل الهيكل الروائي يندرج ضمن أدوات متعددة تتحكم في الرواية وتفاصيلها،وكلما اتسعت المساحة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية،امتلك الروائي المزيد من المرونة الفنية في المراوحة بين الأزمنة أيابا وذهابا ليلم خيوطها في النهاية لإبرازالجمالي والخالد في المؤقت والآني، كما أن عجينة الزمن المرنة لها العديد من العوامل الايجابية على البناء الفني للرواية فهو من ناحية يمنحها الرؤية الواسعة الشمولية القادرة على الاستبصار لما خلف المؤقت المرتبط بالجيشان الشعري للقصيدة. هذا من ناحية من ناحية أخرى نجد أن العديد من الروايات التي صدرت في السعودية مطاردة بتهمة أنها بيان تمرد ورفض لبعض من الواقع الاجتماعي المحيط،لكن المسافة الزمنية قد تنقذ أجواء الرواية هذة التهمة، أي من المؤقت الانفعالي وتمنح الروائي آفاق أوسع للحركة والتعبير والرصد الفني. بالنسبة لتجربتي مع البحريات، فقد كنت اثناء كتابتي للرواية في حالة مواجهة مباشرة مع ثقافة الرمل، حيث كل الموجودات مهددة بالاندثار والفناء، عندها يشهر الفن سيفه في وجه الفناء.شعرت أنه لابد من رصد تجرية إنسانية عميقة وثمينة ومكتنزة بالتجارب التاريخية الثمينة التي تعكس إنسان هذا المكان.هذا المكان المتواري خلف صراعه اليومي للبقاء والمتناسي الفن عدا أبيات شعرية يرصفها كخيمة فوق ترحاله.كان لابد من رصد وتوثيق تاريخي لمرحلة انتقالية كبرى في تاريخ الأرض، شرط أن لاتثقل هذة التجربة بالتاريخي والأيدلوجي.