اتصلت "الوسط" بالرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني في مقره في مدينة فيض آباد في اقليم تخار شمال أفغانستان، بواسطة الهاتف الدولي، وسألته عن التطورات الأخيرة ومشاركته في الحرب ضد "طالبان"، وتشكيل حكومة ائتلافية بمشاركة الملك السابق محمد ظاهر شاه. لماذا قررتم الانضمام الى الائتلاف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة لشن حرب على بلادكم؟ - أولا نحن لا نعتبر أميركا عدوة لشعبنا الأفغاني فهي قدمت لنا المساعدات والدعم أثناء فترة الجهاد لتحرير البلاد من الاتحاد السوفياتي السابق. وأود أن أنوه هنا الى أن الشعب الأفغاني نفسه لا يعتبر أميركا عدوة له ويقوم كل يوم بتوزيع منشورات في المدن الخاضعة لسيطرة "طالبان"، تتحدث عن هذه المسألة وترحب بضرب أميركا ل"طالبان" وليس لأفغانستان. كذلك فان الحكومة الشرعية التي أمثلها أنا لم تنضم الى التحالف الدولي بقيادة أميركا لضرب أفغانستان، لكننا نتعاون مع التحالف ومع أميركا للتخلص من "طالبان" ومحاربة الارهاب، وإقامة حكومة ائتلافية من جميع الفصائل والإثنيات الأفغانية ولا نستثني أحداً من المشاركة فيها، وذلك بعد تشكيل مجلس أهل الحل والعقد من كبار الشخصيات ورؤساء القبائل "لوري جركا". نحن لا نوافق على احتلال أفغانستان من أية قوة اجنبية، ولو كانت أميركا التي تضررت من ارهاب "طالبان" واسامة بن لادن، وقلنا للأميركيين اننا نوافق على ضرب "طالبان" فقط ولا نوافق على سقوط أبرياء من أبناء شعبنا، وحددنا موقفنا في طريقة التعاون بواسطة بيانات أصدرناها، واتصالات تمت بيننا، وأيضاً في روما أثناء لقاء مبعوثنا مع ممثل الاممالمتحدة وأعضاء الكونغرس الأميركي مع الملك السابق محمد ظاهر شاه. إذن أنتم لا توافقون على اجتياح أميركي - بريطاني وربما من دول أخرى؟ - بالتأكيد لا نوافق، وقلنا لهم إن طبيعة الشعب الأفغاني ترفض دخول الأجنبي غازياً إلى بلاده حتى لو كان بهدف التحرير والمساعدة على التحرير. وأعتقد بأنهم تفهموا هذه المسألة، وأدركوا اننا وبقية فصائل الجهاد الأفغاني سننحاز الى الشعب في القتال إذا اتجهت البوصلة نحو الغزو والاحتلال وضرب الشعب. المعلومات تؤكد أن دخول قوات كوماندوس أميركية وبريطانية الى أفغانستان تم عن طريقكم. - لا، هذا ليس صحيحاً. نحن لم نسمح في منطقتنا بمرور أية قوات اجنبية ودخولها الى أفغانستان. نعم عندنا مجموعة كبيرة من الصحافيين والمراسلين الأجانب وبينهم أميركيون وبريطانيون، وهم ينسقون مع ممثل "طالبان" في اسلام آباد لتسهيل دخولهم الى داخل أفغانستان. أما نحن فلم نفعل أي شيء يخدش بالسيادة الأفغانية وبالكرامة. لكنكم وافقتم على ضرب أفغانستان واعتقال ابن لادن وتفكيك تنظيم "القاعدة" والمعسكرات، وهذا الأمر لن يتحقق بسهولة من دون مساعدتكم، هل توافقون على القيام بدور الدليل والمرشد ، أي العميل والمرتزق؟ - هناك فرق كبير بين العميل والمرتزق، وبين الدليل والمرشد، وأيضاً بين ما نقوم به وأعلنا عنه. نحن نريد تحرير أرضنا ووطننا من حركة "طالبان" العميلة لباكستان، والتي دمرت بلادنا وشوهت الاسلام وأضرت بالمسلمين في كل أنحاء العالم، ولنا كل الحق في التعاون مع أميركا وغيرها، ولكن في حدود السيادة الوطنية والكرامة الاسلامية. وإذا شعرنا أن ذلك يضر ببلادنا فإننا سنتخذ موقفاً مغايراً تماماً مهما كانت النتائج سلبية علينا. لنتكلم بصراحة، أنتم عندما كنتم في كابول، لم توفروا الأمن للشعب الأفغاني، ودخلتم في صراع دموي مرير مع رئيس وزرائكم قلب الدين حكمتيار، حتى ظهرت حركة "طالبان" التي جعلت الأمن مستقراً في نحو 90 في المئة من الأراضي الأفغانية، بغض النظر عن كل سلبياتها الأخرى، فالشعب لم يحس بالأمان الا بعد مجيء "طالبان". - هذا الذي تقوله غير صحيح اطلاقاً، لأن الاستقرار والأمن لم يعودا الى الشعب الأفغاني، والقتال استمر بين الحكومة الشرعية وأنصارها في الداخل، وبين حركة "طالبان". كما أن الشعب لا يشعر بالأمن داخل كابول نفسها، من خلال ممارسات "طالبان" وتفسيرهم للدين بطريقة غريبة وبائسة. وأفضل دليل على ما أقول هو هذا الوضع الراهن الذي نمر به. من أوجده للأفغان، أليس "طالبان" بدعمهم وايوائهم لاسامة بن لادن؟ نحن لم نقاتل "طالبان" حباً بالقتال وإنما لأننا نعتقد بأنهم خطر على الاسلام وعلى أفغانستان، وعلى المنطقة والعالم الاسلامي وحتى على العالم اجمع كما يتأكد هذه الأيام. كيف تحكمون أن ابن لادن وراء الهجمات على نيويورك وواشنطن، وأنتم لا تملكون دليلاً ولم تقدم الولاياتالمتحدة أي دليل يثبت ذلك حتى الآن؟ - نحن أولا متأكدون أن ابن لادن و"طالبان" وراء اغتيال وزير الدفاع السابق أحمد شاه مسعود، كما أن ابن لادن لم يخف معارضته لأميركا طوال السنوات الماضية. وثانياً نحن لا ندعي أنه بالفعل يقف وراء تلك الهجمات الارهابية، لكن لماذا لا تسلمه حركة "طالبان" لكي يمثل أمام المحكمة وتجنب افغانستان والمنطقة أهوالاً خطيرة ونتائج يصعب التكهن بها؟ يعني أنتم تريدون تسوية حساباتكم مع "طالبان" مستفيدين من التطورات الاخيرة؟ - ولماذا لا نفعل ذلك، ألا يحق لنا استثمار الظروف لتخليص الشعب المظلوم من سياساتها الخطرة وغير المنطقية؟ أليس هذا صراعاً عرقياً بين الطاجيك والأوزبك والهزارة وغيرها وبين البشتون؟ - لا ليس الأمر كما تقول، فلدينا مقاتلون من البشتون، كما أننا لا نعارض تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها البشتون حتى من حركة "طالبان" نفسها. أنتم مستعدون لتشكيل حكومة مع "طالبان"؟ - موقفنا هذا ليس جديداً، وكنا ندعو الى حوار مع "طالبان" واجتمعنا بالفعل واجرينا مفاوضات فشلت كلها لأن "طالبان" دمية بيد الاستخبارات العسكرية الباكستانية. إذا كان ما تقوله صحيحاً، فلماذا لم تستجب حركة "طالبان" لنداءات ووساطات اسلام آباد بتسليم ابن لادن؟ - هذه كلها لعبة باكستانية، وأؤكد لك إذا أرادت اسلام آباد اعتقال ابن لادن لفعلت ذلك في ساعات. اسلام آباد تريد أن تحصل على كل البيض في سلتها، وهي تريد الحفاظ على "طالبان" مفصلا لها في أفغانستان، وفي الوقت نفسه، لا تريد أن تخسر الأميركان، وقد تحرك البعض داخل "طالبان" للقيام بانقلاب إذا أن ذلك يخدمها. كيف تنظر الى الحل المطلوب لإنهاء هذه الأزمة؟ - قلنا للأميركيين وللبريطانيين، أن عليهم تسليحنا ودعمنا لوجيستياً، ومن ثم يتركوا الأمر لنا لكي نسقط حكومة "طالبان"، وأن يتجنبوا التدخل المباشر. هل هذا الاقتراح له صلة بمشروع الاممالمتحدة الرامي الى عودة الملك السابق ظاهر شاه، وبتحرككم الأخير الذي لم يستثن الملك؟ - نعم، الأممالمتحدة كانت منذ البداية وبعد اندلاع الحرب التي شنها حكمتيار على كابول، اقترحت عودة ظاهر شاه ونحن رفضنا لأن المجاهدين لم يقاتلوا السوفيات والشيوعيين من أجل هذا الهدف وإنما لكي نقيم دولة أفغانستان الاسلامية. وأخيراً في روما طرح اقتراح من الاممالمتحدة وتدعمه اميركا وينص على تشكيل ظاهر شاه حكومة ائتلافية موسعة تحت قيادته وهو ما يرفضه كل المجاهدين، وحتى "طالبان" رفضت، على رغم أن ظاهر شاه أعلن أن لهم دوراً في مستقبل أفغانستان. وماذا كنتم تريدون من لقاءاتكم مع الملك السابق؟ - يعجبني أنك تستخدم كلمة "السابق". نعم كان ملكاً والآن هو مواطن أفغاني له الحق في ابداء رأيه والمشاركة في الحكم. نعم أقول المشاركة وليس عودته ملكاً من جديد. نحن نرى أننا لا نزال حكومة شرعية والاممالمتحدة تعترف بنا، وقلنا لهم إدعمونا بالسلاح لنحرر مزار شريف ونعلن حكومة ائتلافية، ونتحرك باتجاه كابول ونسقط "طالبان"، ثم نقوم بنزع السلاح من افراد الشعب والمليشيات، وكل ذلك يجب أن يتم باشراف الاممالمتحدة فيستتب الأمن ويعود السلام. واقتراحنا ينص على تشكيل "لوري جركا" أي مجلس "أهل الحل والعقد"، بمشاركة الجميع بمن فيهم ظاهر شاه، وأن ينتخب هذا المجلس الحكومة الجديدة. لكن زعيم "طالبان" الملا محمد عمر هدد بشن حرب عصابات إذا سقطت حكومة "طالبان"، ما يعني ان القتال سيستمر. - هذا صحيح، ستستمر الحرب وفق هذا السيناريو، إلا أننا قلنا في الاجتماع في روما عبر ممثلنا، ان على الاممالمتحدة وأميركا منع باكستان من تسليح "طالبان"، ونحن في الداخل سننزع أسلحتهم ونبسط الأمن للجميع ونقيم حكومة يشارك فيها الجميع. حتى "طالبان"؟ - حتى "طالبان"، لأنهم ليسوا كياناً واحداً، وبينهم من يرفض سياسة الملا عمر، كما أننا نتوقع أن يحصل انقلاب داخل الحركة نفسها، والقضاء على الفئة المتطرفة، وتسهل بذلك مهمتنا في إعادة الشرعية الى كابول. وأود أن اشير الى أن الفئة المتطرفة تستعين بالشيوعيين السابقين وهم يقودون ل"طالبان" طائراتها ومفاصل أسلحتها الأخرى، لكننا نعول على المجاهدين داخل الحركة للقيام بتحرك لمصلحة الشعب. واسامة ابن لادن من يعتقله؟ - إما نحن بعد اسقاط حكومة "طالبان"، وإما أثناء الزحف على كابول، أو بضغط أميركا على اسلام آباد لكي تنهي هي هذه المسرحية، مع ملاحظة انني قد لا أصدق رواية "طالبان" أنها تخضع ابن لادن لسيطرتها في مكان ما داخل أفغانستان، وربما يكون غادر بالفعل الى جهة غير معلومة، او انه سيقتل بعملية اغتيال مفبركة للتخلص منه إذا سارت الامور على غير ما تشتهي "طالبان". كيف تقوّم الموقف الايراني، وهل ايران مرتاحة لموقفكم من التعاون مع أميركا؟ - ايران لها ظروفها التي نقدرها وأعتقد أن موقفها حتى الآن متوازن ويقترب من موقفنا، فهي تريد حلاً تحت خيمة الاممالمتحدة ونحن أيضا نريد ذلك، وهي تؤيد إقامة حكومة موسعة شاملة وهو ما نريد تحقيقه.