كاد المراقبون أن يجمعوا على استبعاد أي دور لجماعات محلية في افريقيا في انفجاري تنزانياوكينيا. غير أن شواهد عدة تثير علامات استفهام كثيرة حول احتمالات تورط جماعات اصولية افريقية. إذ إن القارة تشهد تحالفات جديدة على أساس العداء لأميركا في مقابل معسكر يتودد اليها. وأبرز معالم تلك التحالفات ما بدأ يبرز أخيراً في خطاب متشدد في غضبه وعتابه لواشنطن. دعامتا هذا الحلف بوروندي واريتريا اللتان تقفان بصلابة مع الرئيس الكونغولي لوران كابيلا. وفي المقابل برز حلف ثنائي دعامتاه يوغندا ورواندا والكونغو زائير سابقاً يتهمهما بشن الحرب الاخيرة في شرق البلاد التي يقودها "البانياموليرغي" - توتسي يوغندا، وهم أجيال منحدرة من توتسي رواندا. ونجم التوتر في العلاقات بين اريتريا والولاياتالمتحدة وبين اريتريا ورواندا بعدما رفض الرئيس اسياس أفورقي قبول مبادرة اميركية-رواندية لحل النزاع الحدودي بين اريتريا واثيوبيا. وتلت ذلك اتهامات اريترية لواشنطن بالوقوف الى جانب الاثيوبيين في نزاعهم الحدودي مع اسمرا. ولما كانت واشنطن القوة الاساسية وراء محاولة إقامة التحالف الاريتري-الاثيوبي لتقديم نموذج جديد للقيادة في القارة السمراء، فقد كان طبيعياً أن تبادر دول المنطقة الى إعادة بناء الترتيبات الاقليمية على أسس جديدة. ويفسر ذلك مبادرة القوى المتضررة من سياسات الولاياتالمتحدة الى خوض نزاع مكشوف ضد واشنطن. ويعتقد أن التيارات الاصولية المتشددة نشأت في اثيوبيا منذ الستينات، نتيجة التعسف الذي مارسه الامبراطور الراحل هيلاسيلاسي ضد مسلمي بلاده. وقد فرّ عدد من الطلبة المسلمين من اثيوبيا وعادوا اليها ليكونوا سراً "اتحاد شباب مسلمي اثيوبيا". ومثلما حدث نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في مناطق أخرى في العالم منها أفغانستان، كان الغرب هو المسؤول الأول عن تعزيز نشاط منظمة الشباب المسلم في اثيوبيا، إذ إن إطاحة الامبراطور وتولي الشيوعيين الحكم بقيادة الكولونيل مانغستو هايلي مريام حمل الغرب على دعم الاصوليين لدرء مخاطر الإلحاد ومظاهر الشيوعية التي أحكمت سيطرتها على الساحة الاثيوبية نتيجة التحالف الوثيق مع الاتحاد السوفياتي السابق. غير أن نفوذ الجماعات الأصولية في اثيوبيا تضاءل كثيراً بعد سقوط نظام مانغستو في مستهل التسعينات. وتحول خطرهم الى الصومال المجاورة، حيث تفيد تلك الجماعات من عدم وجود دولة مركزية، ومن عدم وجود فصيل صومالي قادر على السيطرة على جميع أو معظم أرجاء البلاد. ويعتقد أن معقل الاصوليين الافارقة يوجد في غرب الصومال بمحاذاة الحدود مع اثيوبياوكينيا، وتحديداً في مدينة العَدَيْ محافة جيدوا. إذ توجد هناك منظمة "الاتحاد الاسلامي" التي تعد أكبر التنظيمات الاصولية في الصومال. وكان لافتاً أن نحو 700 مندوب يمثلون تنظيمات اصولية صومالية وشيوخ العشائر اجتمعوا منذ ثلاثة اسابيع في غرب الصومال وقرروا توحيد جماعاتهم، وتطبيق الشريعة الاسلامية في غرب بلادهم. وتشير معلومات لم يتسن التحقق منها الى وجود جماعات من "الأفغان العرب" في مدن غرب الصومال. وطبقاً للثقافة السياسية السائدة هناك فإن كل شيء يتعلق بأميركا "قبيح وتجب محاربته" حسبما ذكر ل "الوسط" ناشط اسلامي صومالي. وتعتبر المنطقة الغربية من الصومال الوحيدة في هذه الدولة الممزقة التي توجد فيها خدمات صحية وتعليمية منتظمة. ويسود اعتقاد على نطاق واسع هناك بأن أموال اسامة بن لادن هي التي تسيّر نشاطات الحياة اليومية. وكانت اثيوبيا سباقة الى التحذير من خطر "الجماعة الصومالية" الى درجة الزج بقوات اثيوبية في غرب الصومال مطلع العام الماضي لتعقب عناصرها. وكان الاصوليون الصوماليون قد نفذوا سلسلة تفجيرات في فنادق العاصمة اديس ابابا في آب أغسطس 1996. ومثلما حدث في اثيوبيا، فإن نشأة الجماعات الاصولية في الصومال أتت نتيجة لوقوع نظام الرئيس الراحل محمد سياد بري تحت براثن الماركسية وسياسات الاتحاد السوفياتي السابق. وتتهم فصائل صومالية معتدلة السودان بتنظيم عمليات تهجير أكثر من 1200 من "الأفغان العرب" الى الصومال حيث ينشطون في قيادة "حركة الاتحاد الاسلامي"، الى جانب نحو 700 من "أفغان القرن الافريقي". ويرى مراقبون أنه لولا المواجهات بين اثيوبيا والاصولييين الصوماليين لكانت خطتهم على المدى البعيد الزحف على العاصمة مقديشو. أما القسط الاوفر من الاتهامات والريبة فهو من نصيب السودان الذي أدرجته الولاياتالمتحدة في لائحة الدول التي ترعى الارهاب منذ العام 1993. وعلى رغم النفي المتكرر من جانب الحكومة السودانية التي تهيمن عليها "الجبهة الاسلامية القومية" فأن الاتهامات بقيت قائمة، خصوصاً بعد اتهام مصر واثيوبياالخرطوم بالتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا صيف 1995. وتتهم الحكومة الاريترية "الجبهة الإسلامية القومية" التي يتزعمها الدكتور حسن عبد الله الترابي بأنها كانت وراء إنشاء "منظمة الجهاد الاريتري" . وعلى رغم أن الخرطوم لجأت الى إبعاد قادة "الجهاد الاريتري" أثر تولي الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا الحكم في اسمرا في 1991، فإن تدهور العلاقات بين البلدين أعاد التنظيم الى السودان لينطلق من نحو 16 مكتباً في مختلف المدن، ويشرف عملياً، وإن بشكل غير معلن، على شؤون أكثر من 400 ألف لاجئ أريتري. ويتهم سياسيون صوماليون السودان ببناء تحالف وثيق مع الجنرال الراحل محمد فرح عيديد، ومع ابنه حسين الذي خلفه في زعامة الفصيل الذي يحتل الشطر الجنوبي من مقديشو. وفي ظل الاتهامات المستمرة التي تزعم بأن الترابي يخطط لدولة أصولية كبرى في القرن الافريقي ووسط القارة وشرقها، أخذ اسم السودان يقفز تلقائياً الى الواجهة كلما انفجرت قنبلة أو قتل سياسي في أي من دول تلك المنطقة. ولم يكن مستغرباً أن يتجه المحققون في تنزانيا الى اعتقال 6 سودانيين للتحقيق معهم في شأن الانفجار، ولم يشفع لهم عرض سخي قدمه وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل للمساعدة في التحقيق ووضع خطة محكمة لتجفيف منابع الارهاب في القارة السمراء. وفي كينيا يبلغ عدد المسلمين 7 ملايين من مجموع السكان البالغ عددهم 30 مليوناً. ويتزعم تنظيمهم السياسي الشيخ خالد بُلالا. ويمثل المسلمون كتلة اقتصادية ذات وزن كبير. وقد استبعد المراقبون تورط فصيلهم السياسي في تفجير السفارة الاميركية في نيروبي بسبب تشابك مصالحهم الاقتصادية، وحرصهم المعلن على عدم إثارة فتنة بين أصحاب المعتقدات الاخرى في البلاد. غير أن محللين أشاروا الى أن المحققين أبدوا اهتماماً باحتمال تورط إحدى الجماعات المحلية التي ربما قدمت تسهيلات الى منفذي الهجوم بسبب حنقها على الولاياتالمتحدة إثر المناورات العسكرية المشتركة بين قوات أميركية وكينية وتنزانية في نيسان ابريل الماضي. وترى تلك الجماعات أن واشنطن عمدت الى تعزيز سلطة الرئيس دانيال أراب موي