تبدأ خلال الاسبوع الجاري في جيبوتي اجتماعات قمة دول "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" إيغاد التي تتصدر جدول اعمالها مناقشة احدث مبادرة لانهاء الحرب الاهلية في الصومال، اطلقها الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر غيللي في ايلول سبتمبر الماضي. وجاء إعلان هذه المبادرة ليبلور مشروع حلف جديد في منطقة القرن الافريقي يضم اثيوبياوجيبوتي والسودان لتطويق اريتريا التي تخوض حرباً حدودية مع الاولى منذ 18 شهراً، ولا تقيم علاقات ديبلوماسية مع الثانية منذ سنة، وقطعت علاقاتها مع الثالثة منذ نحو ست سنوات. وكشفت الحكومة الاثيوبية هذا التحالف بوضوح عندما اعلن الناطق باسمها هايلي كيروس السبت: "ان اريتريا تفرض على كل دول الجوار المتضررين منها أن يتفقوا ضدها لحماية مصالحهم المشتركة". وتبدو اهداف الحلف الجديد المعلنة وغير المعلنة واضحة في محاولة إطاحة النظام الاريتري بعد تصفية او شل حركة كل من تنظيمات المعارضة المسلحة الاثيوبية والسودانية والجيبوتية، التي تتهم دولها اريتريا بتقديم الملجأ والدعم العسكري لها. فاثيوبيا المكلفة رسمياً من "إيغاد" ايجاد حل للحرب الاهلية في الصومال، أيدت بقوة مبادرة الرئيس غيللي في هذا البلد، وذلك في مقابل تفعيل الاتفاقات الامنية بين البلدين لتصفية المعارضة الاثيوبية المسلحة الاورومو والجبهات الاوغادينية بما في ذلك الاتحاد الاسلامي التي تنطلق من الصومال او تتخذه معبراً لتموينها العسكري والغذائي، إضافة الى إحكام الحصار على "جبهة استعادة الوحدة والديموقراطية" العفرية الجيبوتية المعارضة. الى ذلك، انجذب السودان الى هذا الحلف بحكم مصلحته في ضرب المعارضة السودانية التي تتخذ من اسمرا مقراً رئيسياً لها وتنطلق عملياتها العسكرية من المناطق الحدودية الاريترية الى الاراضي السودانية. واتضح الموقف السوداني في مقايضة صريحة اعلنتها اثيوبيا اول من امس بعد يومين من زيارة الرئيس السوداني لاديس ابابا، إذ قالت انها تخلت عن مطالبة الخرطوم بتسليم الثلاثة المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك التي جرت العام 1995 في العاصمة الاثيوبية. وزادت بإعلان استعدادها لشراء النفط السوداني المستخرج حديثاً، الذي تقول المعارضة السودانية ان عائداته المالية تُستخدم في المجهود العسكري لسحقها. وجاء التنسيق الجيبوتي - الاثيوبي بعد تصاعد العمليات العسكرية للمعارضة الجيبوتية في شمال جيبوتي، والاثيوبية في شرق البلاد وغربها، وكان آخرها في 13 من الشهر الجاري عندما انفجرت عبوة ناسفة في قطار على خط السكة الحديد الذي يربط جيبوتي بأديس أبابا. وحصل الانفجار الذي قُتل فيه سائقا القطار وحدهما، استناداً الى وكالة الانباء الاثيوبية، على مسافة 12 كيلومتراً من مدينة ديرداوا الاثيوبية قرب الحدود مع جيبوتي. وتوسعت اخيراً دائرة الحرب الحدودية المندلعة بين اريتريا واثيوبيا منذ أيار مايو 1998 لتشمل معظم دول منطقة القرن الافريقي. إذ بعدما استطاع كل من البلدين استقطاب الجماعات المسلحة المعارِضة للبلد الآخر الى جانبه، امتدت رقعة الاستقطابات وعملياتها الجغرافية الى خارج حدود البلدين المتنازعين لتشمل مناطق الحدود الكينية والجيبوتية. وتكمن خطورة هذه الاستقطابات في وصولها اخيراً الى الصومال الذي يعاني حرباً اهلية منذ حوالي عشر سنوات. فالفصائل الصومالية التي كانت منقسمة قبائلياً ويُدين كل منها بالولاء الى قبيلته، زاد انقسامها حالياً بين موالية لاثيوبيا وأخرى موالية لاريتريا. وتحوَّل هذا الولاء الى حرب وقودها صوماليون يقاتلون على ارضهم دفاعاً عن اسمرا وأديس أبابا. وعلى رغم نفي اثيوبيا واريتريا دعمهما اياً من الفصائل الصومالية، إلا أن قادة الفصائل الذين تحدثت اليهم "الحياة" يؤكدون تورط البلدين في الصومال. وكان الرئيس غيللي عرض في كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 24 ايلول سبتمبر مبادرة جديدة ترتكز على تحجيم قادة الفصائل الصومالية في مقابل إعطاء دور اكبر لاعيان القبائل وفاعليات المجتمع المدني. وبعد عودته من نيويورك عقد غيللي سلسلة اجتماعات مع المسؤولين الامنيين في بلاده قبل ان يتوجه مطلع الشهر الجاري الى أديس ابابا حيث عقد اجتماعات عدة على مدى اربعة ايام مع رئيس الوزراء الاثيوبي ومسؤولين امنيين، بحث خلالها في تفعيل المبادرة الجيبوتية التي اطلقها في الاممالمتحدة. ووافق الاثيوبيون المكلفون رسمياً من "إيغاد" الملف الصومالي، على دفع المبادرة الى واجهة المبادرات الكثيرة في هذا الشأن، وذلك في مقابل مشاركة الجيبوتيين مباشرة في ملاحقة المعارضة الاثيوبية المسلحة في مناطق الحدود المشتركة وداخل الصومال. لكن لماذا تخلت اثيوبيا عن دورها موقتاً في إدارة الملف الصومالي المكلفة به رسمياً؟ يقول ديبلوماسيون في المنطقة ل"الحياة"، ان دخول الجيش الاثيوبي مرات عدة الى الاراضي الصوماليةاديس ابابا اعترفت بدخولها مرة واحدة في آب/ اغسطس 1996 وضع اثيوبيا في موقع حرج امام الاعيان الصوماليين الذين لم يعودوا ينظرون الى دورها كوسيط محايد بعدما "اجتاحت" بلدهم بالقوة العسكرية. والى جانب ذلك، فإن الدور الذي لعبته مصر في جمع كل الفصائل المتنازعة للمرة الاولى في القاهرة نهاية العام 1997 اضعف دور اديس ابابا التي لم تستطع جمع اكثر من نصف الاطراف المتنازعة خلال مهمتها الرسمية للمصالحة بين الصوماليين. ويعتقد مراقبون لهذه التطورات بأن تسليم اثيوبيا الملف الصوماليلجيبوتي ووضعها في واجهة المبادرة، يبعد مصر عن هذا الملف وفي الوقت نفسه يورط جيبوتي في التدخل ميدانياً لمصلحة اثيوبيا ضد اريتريا، خصوصاً داخل الصومال.