من كان يتوقع للنزاع بين اثيوبيا واريتريا أن يتفجر بمثل هذه السرعة،ويصل الى حد قصف العواصم والمدن الاقليمية؟ هل هو محض خلاف حدودي ؟ أم هو نتيجة تراكمات تاريخية؟ ومن سيكسب في هذه الحرب التي وصفتها ايطاليا، القوة الاستعمارية السابقة، بأنها جنون ؟ وماذا سيربح الرئيس اسياس افورقي وخصمه رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي؟ تحاول "الوسط" في هذا التحقيق أن تغوص الى أعماق النزاع بين الطرفين لترسم السيناريو المحتمل - بوجوهه المتعددة - لما قد يحصل في القرن الافريقي الذي لاتنقصه النزاعات. بدا تفجّر النزاع بين دولتي القرن الافريقي غريباً لكثيرين، وأثار دهشة عدد أكبر، خصوصاً الذين لا يعرفون شيئاً عن طبيعة التركيب الاثني والقبلي في تلك المنطقة التي تكثر فيها المرتفعات والسهول الوعرة. والدهشة مما يحصل هناك قابلة للزيادة لأن تعقيد الوضع الديموغرافي وظهور التحالفات السريعة واختفاءها الاسرع واحتمال فتح مزيد من الجبهات في المعارك، قد يخلق واقعاً جديداً يجعل التكهن بمستقبل النزاع والمنطقة أمراً في غاية الصعوبة. كما أن دخول عناصر اقليمية في النزاع قد يمضي به الى متاهة أكبر، خصوصاً اذا قرر السودان مؤازرة طرف ضد آخر. لم يكن أبناء المنطقة يتوقعون أن يتحول الخلاف الذي حدا بالاريتريين الى وقف التعامل بالعملة الاثيوبية البر - يعادل نحو 7 دولارات وإصدار عملتهم الوطنية النكفا حرباً تؤجج الضغائن وتثير الأحقاد بين قوميتين من أشرس القوميات التي تعمر منطقة القرن الافريقي. ولم تكن ملكية مثلث باديمي نحو 400 كيلو متر مربع سوى الشرارة التي أشعلت نار الحرب بعد خمس سنوات من الوئام والتحالف بين الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا سمت نفسها لاحقاً الجبهة الشعبية للديموقرطية والعدالة بزعامة الرئيس اسياس أفورقي، والجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا بزعامة رئيس الوزراء ملس زيناوي الذي ينتمي الى الاريتريين من جهة والدته. فقد بدا واضحاً أن ثمة تياراً متشدداً داخل الجبهة الحاكمة في اثيوبيا التي تسيطر عليها أقلية التيغراي يرفض أن تقدم اثيوبيا كل تلك التسهيلات التجارية والنقدية التي ظلت تحظى بها أريتريا منذ استقلالها. ويشمل تقديم المحاصيل بالعملة المحلية لتعيد اريتريا تصديرها من موانئها وتجني بذلك مزيداً من العملات الصعبة. ويُعتقد بأن من أبرز رموز هذا التيار الاثيوبي التيغراوي المتشدد سيوم ميسفين وزير الخارجية الحالي وقبري أسيرات حاكم اقليم تيغراي المجاور لاريتريا حيث تدور المعارك والمواجهات حالياً. وتعرض رئيس الوزراء زيناوي لانتقادات مستمرة تزعم أنه شديد "الرأفة" بالنظام الاريتري. ولم تكن أحداث أيار مايو الدموية الاخيرة الاولى من نوعها منذ استقلال اريتريا العام 1993. فقد وقعت صدامات عدة على مناطق حدودية، وتوغلت القوات الاريترية بضعة كيلومترات في الاراضي الاثيوبية مرات عدة خلال العام الماضي. غير أن عقلاء التيغراي سعوا الى التقليل من شأن تلك المواجهات. بيد أن تفجر النزاع بشكله الأخير اضطر زيناوي الى الانخراط في الخط التيغراوي المتشدد ضد الاريتريين. ونجح المتشددون العام الماضي في وقف التسهيلات التي كانت تحصل عليها اريتريا. وكانت الدوائر المقربة منهم تصف ذلك بأنه استنزاف اريتري لموارد اثيوبيا وتجييرها لمصلحة الجبهة الشعبية الحاكمة في اسمرا. ولم يعد خافياً أن العلاقة التيغراوية-الاريترية تجاوزت موانع قرابة الدم والجوار لتتردى الى مرحلة القطيعة والحرب، وهي أسوأ مرحلة يمكن أن تصل اليها العلاقات حسب الاعراف الديبلوماسية والعلاقات الدولية. ولا بد أن ثمة خلافات عميقة وراسخة في النفوس لدى الجانبين لم تتكشف بعد بسبب عدم إحاطة المراقبين والقوى الكبرى بطبيعة بيئة المنطقة. يندفع رئيس الوزراء الاثيوبي الى حافة العداء المستحكم بعدما تعرضت مقلي عاصمة اقليم تيغراي الذي ينتمي إليه للقصف الاريتري، الذي أودى بنحو 40 قتيلاً معظمهم من الاطفال والمسنين. وقال - إثر الغارة - إنه لم يكن يتوقع أن يأتي شخص بعد الرئيس السابق مانغستو هايلي مريام ليقصف المدارس والمستشفيات. لقد أمضى الاثيوبيون السنوات الخمس الماضية في اعادة تنظيم جيشهم الذي يتكون معظمه من مقاتلي جبهة التيغراي التي تحكم البلاد حالياً. وبعد اندلاع القتال الاخير اعلنت السلطات في مقاطعة تيغراي أن 200 ألف من مواطنيها تطوعوا لمقاتلة الاريتريين. ويبدو أن التيغراويين مدفوعون الى القتال لأنهم لا يريدون لأي قومية في المنطقة أن تتطاول عليهم. وهم مقاتلون يتسمون بالعناد والفظاظة، فلاحون في الاصل، ويعرفون جيداً تضاريس المنطقة، ويجيدون ممارسة فنون القتال في أرجائها. والأكثر إثارة للخوف أنهم يعرفون جيداً الاساليب القتالية لخصمهم اللدود الذي كان حتى نيسان ابريل الماضي حليفاً لهم. وأفادت اثيوبيا خلال السنوات الماضية من الخواء الحاصل في الصومال حيث لا توجد دولة منذ انهيار نظام الرئيس محمد سياد بري العام 1991. ومع أن اثيوبيا لا تزال تحتل أراضي صومالية لمحاصرة تنظيم الاتحاد الاسلامي الاصولي الصومالي، إلا أن عملياتها هناك لا تكاد تشكل عبئاً على مؤسستها العسكرية. غير أن مشكلة زيناوي وأعوانه من التيغراي تتمثل في ضرورة حشد التأييد الكافي من القوميات الرئيسية الاخرى في البلاد، خصوصاً الامهره والارومو، ليبقى قوياً بوجه المتغيرات المحتملة وفرص استمرار النزاع مع اريتريا. هل يمكنه عملياً استقطاب ذلك التأييد؟ يقول مساعدوه إن تظاهر القوميات الاثيوبية في معظم المدن الكبرى خلال الايام الماضية تأييداً للسيادة الاثيويبة على المناطق التي تحتلها اريتريا يؤكد أنها تقف وراء الجيش الاثيوبي في أي حرب مع اسمره. غير أن تأييد الامهره والارومو لن يكون بلا ثمن، ذلك أن هاتين القوميتين حانقتان أصلاً على التيغراي الحاكمين، لمنحهم اريتريا حق تقرير مصيرها الى درجة اختيار الاستقلال، وقد ذهب معها الميناءان الرئيسيان اللذان تعتمد عليهما اثيوبيا - عصب ومصوع على ساحل البحر الاحمر. ولذلك نادت افتتاحيات الصحف الامهرية أخيراً بأن "تكفّر" حكومة الاقلية التيغراوية عن "غلطتها التاريخية" بالدخول في مفاوضات مع اريتريا هدفها استرداد السيادة الاثيوبية على مرفأيْْْ مصوع وعصب الاستراتيجيين. ويرى قطاع كبير من القوميات الاثيوبية أن بلادهم ستظل رهينة لاريتريا إذا بقيت بلا منفذ بحري، وأن تأثير ذلك سيظهر على الاقتصاد الاثيوبي على المديين المتوسط والطويل. ولا بد أن تتجلى براعة التيغراويين في محاولة الحفاظ على تماسك القوميات بأي ثمن. إذ إن أي ضعف في مركز الدولة الاثيوبية يعني عملياً تفجير الصراع الداخلي بين القوميات التي تملك أصلاً حق تقرير المصير بموجب الدستور الاثيوبي. وستكون محاولات كسب ولاء الامهره والارومو بمثابة حقل ألغام خطير بالنسبة الى زيناوي وقوميته، على رغم أن الامهره لا يزالون في حال ضعف منذ الانقلاب الذي أطاح نظام الامبراطور هيلا سيلاسي العام 1974 بزعامة الكولونيل مانغستو. بيد أن الارومو الذين يشكلون وحدهم ثلث سكان البلاد لا يسهل تعايشهم مع التيغراي. تلك هي تركيبة المنطقة وخصائصها الانثروبولوجية. والواقع أن مشكلة اثيوبيا تتمثل أساساً في أن كل قبيلة فيها تتحدث لغتها أو لهجتها الخاصة بها، ولا توجد ثمة لغة مشتركة لتوحيد الاثنيات، كما هي حال العربية - مثلاً - في جنوب السودان. وهكذا فإن التماهي مع الذات العرقية في اثيوبيا يأتي في المرتبة الاولى قبل الولاء للدولة، خصوصاً أن تلك الذات العرقية ليس لها تمثيل كاف في مؤسسات الدولة التي تحكمها أقلية عرقية أخرى. واذا حصل انهيار في توازن القوميات وكان له تأثير سلبي على المركز فسيتحول الجيش الاثيوبي الراهن الى جيش فصيل فحسب، لأن القوميات الاخرى مسلحة ومدربة جيداً، وهي موسوسة على الدوام إزاء مصيرها . الى جانب ذلك فإن زيناوي سيسعى من دون شك الى الزج بالعوامل الخارجية لتكون في مصلحة دولته. وتكشف "الوسط" هنا أن وزير خارجية اثيوبيا التقى - على هامش مؤتمر وزراء الخارجية الذي سبق افتتاح القمة الافريقية في واغادوغو عاصمة بوركينافاسو الاسبوع الماضي - نظيره السوداني الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل لمدة ساعة ونصف الساعة. ولم يدل الجانبان بأي ايضاحات عما بحثاه. غير أن اثيوبيا تسعى - في ظل ظروفها الحالية - الى إصلاح علاقاتها مع الخرطوم، حتى لو كان ذلك على حساب قوات فصائل المعارضة السودانية التي تحتل حاميات رئيسية في جنوب النيل الازرق. وتريد اديس ابابا أن يسفر تحسن علاقاتها مع الخرطوم عن تحالف يتيح استثمار العداء التقليدي بين النظامين السوداني والاريتري في معركتها مع اسمره. وتذهب الحسابات النهائية للحكومة الاثيوبية الى أن العداء مع اريتريا وصل نقطة اللاعودة، وأنه حتماً ماض الى تصعيد. غير أن العاصمة الاثيوبية آمنة من مخاطر القصف الاريتري، إذ تبعد نحو ألف كيلومتر من القاعدة الجوية الرئيسية في اسمره التي دمرها الطيران الاثيوبي، رداً على قصف عاصمة تيغراي. ويشعر الاثيوبيون باطمئنان وهم يفرضون - بشكل غير معلن - حصاراً برياً وجوياً على اريتريا. ولوحظ أن القوى الغربية نشطت في اغلاق سفاراتها في اسمرا، بعدما خفضت عدد ديبلوماسييها وأعادت أسرهم . فقد تكشف أن اثيوبيا أنذرت البعثات الديبلوماسية المعتمدة لديها بأنها لن تكون مسؤولة عن سلامة الديبلوماسيين الاجانب في اسمره بعد اليوم العاشر من حزيران يونيو الجاري. وتنطلق استراتيجية العسكريين الاثيوبيين من تفوقهم الجوي والبري والبحري على اريتريا. غير أنهم يدركون أيضاً أن المقاتل الاريتري لا يقل شراسة وصلابة عنهم، إذ ظل يقاتل الجيش الاثيوبي 30 عاماً حتى نجح في كسر شوكته، وإرغام أكبر شريحة من قواته على تسليم أسلحتها الى الحكومة السودانية ايذاناً بانتهاء حرب التحرير في مستهل التسعينات. غير أن الفلسفة السياسية للقيادات التيغراوية الحاكمة تنطلق أيضاً من الاعتقاد بأن البندقية وحدها هي التي تدير السياسة في اريتريا وليس العكس، ويعني ذلك عملياً أن عقلية حرب التحرير لا تزال تسيطر على الادارة الاريترية، مما يتطلب رداً عسكرياً مهما طالت حرب الاستنزاف المرتقبة. اريتريا وحسابات أفورقي يعول الرئيس الاريتري افورقي على عوامل عدة مهمة، يعتقد بأنها سترجح الكفة لمصلحة بلاده في نزاعها الحالي مع اثيوبيا. فهو يعتمد على جيش صمد بوجه الاثيوبيين 30 عاماً حتى ألحق بهم الهزيمة، وكبدهم عشرات الآلاف من القتلى. وهو يتزعم دولة يقطنها نحو اربعة ملايين، معظمهم مسلح ومدرب تدريباً جيداً، بمن في ذلك النساء. كما أن الاريتريين يتميزون بالولاء الشديد لوطنهم الى درجة تتقلص فيها الخلافات بينهم حين يتعلق الامر بالتحرير والاستقلال. وينظر الاريتريون - بوجه عام - الى الاثيوبيين باعتبارهم مستعمرين سابقين لبلادهم. وعلى رغم ذلك التاريخ الطويل من العداء والدماء، فقد فشل الجيش الاثيوبي في اختراق ارض اريتريا التي أضحت مقبرة للدبابات الاثيوبية ابان سنوات حرب التحرير. فيما نجح الاريتريون بذكاء في اختراق المؤسسة الاثيوبية الى درجة تولي الجنرال الارتيري أمان عندوم قيادة الجيش في مستهل العهد الذي أطاح الامبراطور هيلاسيلاسي. ويشعر الاريتريون بالمرارة نتيجة خذلان جهات عدة لهم ابان حرب التحرير: الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة وفرنسا وغيرها. لكنهم مع ذلك لم يسمحوا لليأس بأن يملأ نفوسهم ليتخلوا عن استقلال بلادهم. وتعد هذه إحدى خصائص الثورة الاريترية التي تختلف عن ثورات التحرير التي اندلعت في مناطق أخرى في افريقيا، لكنها سرعان ما خمدت، وأصاب نضالها الاجهاد، وطوته التسويات، مثلما حصل في بيافرا نيجيريا، وفي جنوب السودان إبان التمرد الذي قادته حركة "أنيانيا" بزعامة اللواء جوزيف لاغو. ويرى الخبراء أن الحرب الاثيوبية-الاريترية لن تكون نزهة بالنسبة الى القوات الاثيوبية، على رغم تفوقها العددي والنوعي. إذ إن اريتريا متمسكة باستقلالها الى درجة تزعج الدول المجاورة لها والمتحالفة معها من خارج المنطقة، ويعزى ذلك الى أن الذات الاريترية تحولت ذاتاً ثورية على مر العقود. ويشعر كثيرون من المقاتلين الاريتريين بأنهم لن يشهدوا أسوأ مما شهدوه إبان سنوات الثورة الثلاثين. فقد خبروا التضاريس القاسية وأساليب حرب العصابات في الاراضي المكشوفة الى درجة كونت لديهم خبرات قتالية فريدة. وهم يدركون أنه مهما كان تقدم تقنية سلاح العدو، فإن عنف الطبيعة في منطقتهم قادر على قهر التكنولوجيا. ومع أن ميادين القتال مكشوفة ووعرة، فإن الاريتريين ظلوا قادرين على الدوام على التسلل خلف خطوط الاثيوبيين لينفذوا هجمات تخريبية ويعودون الى قواعدهم دون خسائر في صفوفهم. ويدرك الرئيس أفورقي - بحكم تحالفه الوثيق سابقاً مع زيناوي والتيغراي - أنه يستطيع بدهائه أن يشجع قوميات اثيوبية على إثارة حقها في تقرير مصيرها ما دام ذلك الحق مضموناً في الدستور الاثيوبي. ولا شك في أنه قد يسعى الى تحسين علاقاته مع السودان على أمل أن يشجع الخرطوم على حض قومية الارومو الاثيوبية على النهوض ضد التيغراي. وقد لا يهمه أن يكون ثمن أي صفقة محتملة مع الخرطوم إلقاء المعارضة السودانية في مهب الريح. ويقول معارض اريتري بارز في لندن: "السياسة ليس فيها ضمان ولا ثوابت، خصوصاً مع شخص مثل افورقي يتسم بالغموض الشديد". غير أن افورقي ليس طليق اليد ليمضي في نزاعاته مع الدول المجاورة له الى ما لا نهاية. فاريتريا ليست دولة عظمى. ويستحيل عليها أن تتحول شرطياً للقرن الافريقي، لاسباب منطقية، منها أنه ليست ثمة دولة عظمى لا يفوق عدد سكانها 4 ملايين نسمة. إذ إن المعادلة البشرية مهمة في بناء الدولة العظمى. كما أنها ليست في مساحة تتيح لها أن تكون دولة عظمى. ويبدو أن أفورقي ينظر الى تاريخ الحروب الطويلة التي خاضتها بلاده، والى انكسارات الجيش الاثيوبي بوجه الاريتريين. كما أنه قد يشعر بقدر من الاطمئنان الى أن اسرائيل الحريصة على الأهمية الاستراتيجية لاريتريا والاشد حرصاً على ابعاد نفوذ العرب من المنطقة يمكن أن تساعده ليكون قوة مضادة للثقل الاثيوبي، خصوصاً أنه يدرك أن هشاشة العامل القومي والتعدد الاثني يجعل اثيوبيا غير قادرة على تحمل الدخول في نزاع طويل المدى. غير أن أفورقي يدرك أيضاً عمق الريبة المزروعة في النفوس تجاه نظامه في المنطقة العربية. وهي ريبة وشكوك لم تنشأ مع استقلال اريتريا وقرارها عدم الانضمام الى الجامعة العربية، بل بدأت منذ اختلافه مع المناضل الاريتري الراحل عثمان صالح سبي. وزادها عمقاً دخول افورقي في نزاع مع اليمن على ملكيةارخبيل جزر حنيش. ولا شك في أن اريتريا - على رغم الزيارات التي يقوم بها أفورقي ووزراؤه الى عواصم المنطقة - تعيش عزلة على الصعيد العربي. وهي عزلة نابعة أصلاً من الشكوك العربية في الحركات الناشطة عسكرياً في أطراف العالم العربي، ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها العقيد جون قرنق. ومهما تعددت زيارات افورقي للعواصم العربية فهي لن تكفي لطمأنه العرب حيال نياته الحقيقية. لكن آمال افورقي في الدعم الاسرائيلي ستصطدم بصخرة مهمة: ان العلاقات بين اسرائيل واثيوبيا أقدم وأقوى من العلاقات بينها وبين اريتريا. وكانت الدولة اليهودية - في نطاق مساعيها الى ابعاد النفوذ العربي من سواحل البحر الاحمر - قد نجحت منذ عهد الامبراطور هيلاسيلاسي في اختراق القرن الافريقي تحت ذريعة نقل يهود الفالاشا، في عملية استمرت حتى سقوط نظام الرئيس السوداني جعفر نميري. والسؤال الاهم: هل سيقبل الاريتريون، الذين لا يمكن القول بأنهم جميعاً موالون للجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة الحاكمة، أن تبقى طاقاتهم مستنزفة الى ما لا نهاية بعد الاستقلال لمواجهة اليمن واثيوبيا والسودان وجيبوتي؟ ألا يريدون أن يعيشوا في سلام بعد كل هذا الكفاح المسلح الذي استمر عقوداً؟ معادلة القوى الاخرى الحرب بين اريتريا واثيوبيا حرب لا غالب فيها. تلك هي قناعة القوى المجاورة للدولتين المتحاربتين، والقوى التي تتهافت على القرن الافريقي من الخارج بزعامة الولاياتالمتحدة. ولا شك في أن الخاسر الاكبر من هذه الحرب الولاياتالمتحدة التي رأت كيف انهارت سياستها الافريقية الجديدة في غضون عامين أو نحو ذلك من اعتمادها استراتيجية جديدة لواشنطن تجاه القارة السمراء. وها هي الحرب تثبت لواشنطن أن القادة الذين حرصت على تصويرهم للآخرين باعتبارهم نموذجاً للقيادة الجديدة في افريقيا، حولوا ما حصلوا عليه من مساعدات اميركية لتنفيذ بنودهم الخاصة بهم. كما أن الخسارة الكبرى لواشنطن تتمثل في أن النزاع الراهن يؤجل عملياً احتمالات إطاحة النظام السوداني بضغوط اثيوبية واريترية تقف وراءهاالولاياتالمتحدة. ولا شك في أن الحكومة السودانية هي المستفيد الاوحد من النزاع بين جارتيها الشرقيتين. وحتى إذا وقف النظام السوداني يتفرج على جارتيه وهما تتقاتلان، من دون أن يذكي نار الخلاف بينهما، فستبقى مكاسبه أكبر، خصوصاً أن واشنطن ستكون مشغولة بالاصلاح بين اسمره واديس ابابا، وبالتفكير في مبادرات جديدة للسلام. ويدرك النظام السوداني تفاصيل الوضع ودقائق تشابكاته الاثنية أكثر من أي نظام سوداني سابق، فهو يستمد أهليته للتعامل مع متغيرات القرن الافريقي من الحقيقة التي تتمثل في أنه في حال حرب معلنة مع اريتريا. أمام الحكومة السودانية خيارات عدة، وستستغل الارتباك الذي وجدت اميركا نفسها فيه لتتنفس الصعداء ريثما تحدد خيارها الذي ستسلكه. ويرجح الخبراء أنها ستعمد الى المضي في تحسين علاقاتها مع اثيوبيا التي ستجد نفسها مرغمة على قبول السودانيين على رغم أصولية نظامهم، لأنها بذلك ستضمن استمرار العداء السوداني-الاريتري. وسيضمن النظام السوداني على الاقل تحييد اثيوبييا في نزاعه مع الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يحتل الكرمك وقيسان وحاميات في ولاية النيل الازرق. وفي السياق نفسه ستسعى اريتريا الى استكشاف فرص تحسين العلاقات مع السودان. وذكرت معلومات أن وزير خارجيتها هايلي ولد تينسي التقى في واغادوغو نظيره السوداني في جلسة محادثات مغلقة لم يتسرب شيء عن مضمون ما دار فيها. ومع أن المعارضة السودانية التي تنطلق من الاراضي الاريترية، وتحظى بمساندة القوات الاريترية حسب اتهامات الحكومة السودانية، مطمئنة الى أن النزاع الحالي لن يمسها بضرر، إلا أن كلا من البلدين اللذين يقدمان تسهيلات لفصائلها لن يقبل حلفاء محايدين في هذه الازمة المحتدمة. وسيصبح التنسيق - من ناحية عملية - عسيراً بين الفصائل السودانية التي تنتشر في اراضي البلدين. كما أن احتمالات التهافت الارتيري-الاثيوبي على خطب ود الحكومة السودانية في سياق هذا النزاع سيبقى مصدراً دائماً لاثارة القلق في نفوس أقطاب المعارضة السودانية في الخارج، خصوصاً أنهم يدركون أن حليفهم الرئيسي العقيد قرنق لا يزال يعاني حتى الآن من ذيول قرار حكومة الرئيس زيناوي طرد مقاتلي الجيش الشعبي من الاراضي الاثويبية إثر اطاحة نظام مانغستو العام 1991 اثيوبيا واريتريا : ميزان القوى اريتريا عدد السكان 3.7 مليون تيغراي مسيحيون 50$، تيغري وكوناما مسلمون 40$، عفر 4$ القوات المسلحة 48 ألف جندي قواعد بحرية: مصوع/ عصب/ دهلك قوات بحرية: - فرقاطة سوفياتية الصنع - سفينتان مساعدتان، 7 زوارق دورية وسفينة صواريخ، 6 زوارق لخفر السواحل، 7 سفن برمائية. سلاح الجو: 8 مقاتلات و6 لم تسلم بعد اثيوبيا عدد السكان 8 5 مليوناً أرومو 40$، امهره وتيغراي 32$، سيدامو 9$، صوماليون 6$، عفر القوات المسلحة 120 ألفاً معظمهم تيغراي قواعد بحرية: جيبوتي قوات بحرية: زوارق دورية، فرقاطات، سفن امداد، كاسحة ألغام القوات الجوية: 40 مقاتلة ميغ-21، 20 ميغ 23، 5 ميغ 27، 20 ف-5، 2 سي-130، 4 انتونوف-12، 18 مروحية هجومية ميغ-24، 21 مروحية نقل. اسرائيل ... والقرن الافريقي اعتبرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية أن التعليمات التي أصدرتها وزارة الخارجية في تل أبيب لسفيرها لدى اريتريا رافي والدان بالتزام الصمت تجاه ما يحصل بين اريتريا واثيوبيا دليلاً على الارتباك الذي تواجهه اسرائيل نفسها التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع دولتي القرن الافريقي المتنازعتين. ونسبت الى مصدر في الوزارة القول إن الوضع يتسم بحساسية شديدة، "وأي شيء يقال يمكن أن يعود بالضرر على علاقاتنا الخارجية". وكانت الاسابيع السابقة لاندلاع الحرب بين اسمره واديس ابابا شهدت محادثات مكثفة أجراها خبراء اسرائيليون في العاصمتين بهدف تعزيز التعاون العسكري وزيادة المساعدات التي تقدمها الدولة العبرية الى الجيشين الاثيوبي والاريتري. وتخشى اسرائيل أن ينشأ وضع - اذا استمرت المواجهات - تشعر فيه بالخوف من أن يتهمها أي من الطرفين بمساعدة الآخر. وكان الرئيس افورقي اختار في مستهل التسعينات الذهاب الى اسرائيل حيث عولج من الاصابة بالملاريا الدماغية التي يمكن أن تؤدي الى الوفاة إذا لم تعالج سريعاً. ونجح الاسرائيليون في إنقاذ حياته. وقرر - شعوراً منه بالامتنان تجاه الاسرائيليين - أن يهدي اسرائيل طائرة اثيوبية من طراز ميغ-21 سوفياتية الصنع كانت قوات الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا قد استولت عليها من القوات الاثيوبية. واستطاعت المؤسسة الاسرائيلية لصناعة الطائرات التابعة للدولة اليهودية أن تفيد منها في بناء نموذج عرضته على الدول التي يعتمد سلاحها الجوي على المقاتلات السوفياتية والروسية الصنع لابرام صفقات تهدف الى تحديث تلك الطائرات وإدخال تعديلات جوهرية فيها تتيح الافادة منها بقدر أكبر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وتوجه خبراء اسرائيليون الى اديس ابابا قبل عامين ليعرضوا على الاثيوبيين صفقة في هذا الشأن، غير أنهم فوجئوا بأن شركة "ألبِت" الاسرائيلية - المنافس الرئيسي لشركة صناعات الطيران الحكومية - سبقتها الى الاتصال بالاثيوبيين. ولم تنجح وزارة الدفاع الاسرائيلية في التوصل الى اتفاق بين الشركتين على اقتسام سوق المقاتلات الاثيوبية. ومع أن اثيوبيا لم تبرم اتفاقاً مع أي من الشركتين الاسرائيليتين، إلا أن سوق الاستثمار الاثيوبية تعج بالمستثمرين الاسرائيليين في مجالات مشاريع البنية الاساسية والاتصالات والزراعة والطاقة. وحصلت إحدى الشركات الاسرائيلية "تيلتراد" على عقد لانشاء شبكة هواتف نقالة هناك. فيما تقوم شركة اسرائيلية بانشاء محطة للطاقة. غير أن اسرائيل لم تجد ما يغريها بالاستثمار في اريتريا، وبقيت تنتظر متى سيطلب منها افورقي تحديث الطائرات التي يملكها. وتحدثت مصادر عن وجود اسرائيلي في جزيرة دهلك الاريترية حيث يعتقد أن الدولة العبرية أقامت محطة للاتصالات والتنصت هناك. غير أن افورقي ومعاونيه دأبوا على نفي تلك الانباء.