تتفق المعلومات التي تجمعت لدى "الوسط" من مصادر ديبلوماسية عربية ودولية على ان مفاوضات السلام التي اجراها الجانبان السوري والاسرائيلي على مدى جولتين في منتجع واي بلانتايشن في ولاية مريلاند الاميركية "لم تتمكن من احراز التقدم الذي كان منشوداً". وتضيف المعلومات انه خلافاً للتصريحات المتفائلة التي صدرت عن رئيس الحكومة الاسرائيلية شمعون بيريز خلال زيارته للعاصمة البريطانية قبل اسبوعين، والتي عاد ورددها في اعقاب اجتماعه بوزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر الأسبوع الماضي في اسرائيل، فإن الاجواء الناشئة عن مفاوضات الجولتين "لا تشير الى امكان احراز المسار السوري - الاسرائيلي ما يكفي من التقدم للوصول الى اتفاق هذا العام، ولا حتى الى تفاهم مبدئي على النقاط الأساسية التي لا تزال تفصل بين المواقف الثابتة التي اعتمداها في المفاوضات حتى الآن". خيبة امل اميركية وقالت المصادر ل "الوسط" انه على رغم ان مسؤولي وزارة الخارجية الاميركية لا يزالون يحرصون على التحدث عن نتائج المفاوضات بقدر من "الايجابية الواقعية" في تصريحاتهم العلنية، فإنهم يعربون في المقابل عن "خيبة امل شديدة" حيال هذه النتائج في احاديثهم الخاصة. ويتجنب المسؤولون الاميركيون الانحاء باللائمة على ايّ من الجانبين، لكنهم يشيرون، من جهة، الى "اصرار الجانب الاسرائيلي على تقديم سورية تعهدات خطية توضح فيها بالتفصيل البنود التي تقصدها في مفهومها للسلام الشامل"، وهو ما ترفضه دمشق تماماً، ويشيرون، من جهة ثانية، الى "إصرار الجانب السوري على تقديم اسرائيل تعهدات خطية باستعدادها للانسحاب الكامل من الجولان حتى حدود 4 حزيران يونيو 1967"، وهو ما يرفضه الاسرائيليون بدورهم. وتحدث مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الاميركية عمّا سمَّاه "هذه الحلقة المفرغة" التي باتت المفاوضات تدور فيها، وقال في شيء من المرارة: حاولنا مراراً دفع الجانبين الى تجاوز الوقوع في فخ البيضة والدجاجة، لكن من دون جدوى. فسورية لا تريد الكشف عن اوراقها قبل ما تعتبره الوقت المناسب. وبالتالي، لا يزال المفاوضون السوريون يشدّدون على عدم امكان البحث في جوهر الموضوع قبل حصولهم على تعهد اسرائيلي صريح بالمدى الذي سيصل اليه الانسحاب من الجولان. وهم يعتبرون ان أي انسحاب اسرائيلي لا يشتمل على الأراضي كافة التي احتلتها اسرائيل العام 1967 لن يفي بالغرض المطلوب. بل ينظرون الى الانسحاب الشامل باعتباره امراً لا يقبل للتفاوض. وفي المقابل، فان اسرائيل لا تريد الافصاح عن نيّاتها الحقيقية في شأن الانسحاب، قبل ان يشرح الجانب السوري صراحة وخطيّاً مفهومه للعلاقات السلمية الطبيعية. وأضاف: "الواقع ان المشكلة تكمن في انه لا الجانب السوري واثق من عزم اسرائيل على الانسحاب الكامل، ولا الجانب الاسرائيلي واثق من رغبة سورية في تطبيق بنود السلام الشامل. وبين هذين الموقفين تراوح المفاوضات مكانها دون ما يشير، حتى الآن، الى ان اياً من الجانبين بات مستعداً للدخول فعلياً في بحث جوهر القضية العالقة بينهما، وهو باختصار عدم توافر الثقة اللازمة لانطلاقة فعلية في المفاوضات". مطالب اسرائيلية تعجيزية يمثل حديث المسؤول الاميركي تقويماً متبايناً الى حدّ كبير مع ذلك الذي أعرب عنه رئيس الحكومة الاسرائيلية في تصريحاته العلنية، اذ ذكر الأخير في لندن ان مفاوضات مريلاند احرت "نتائج مثيرة للاعجاب"، وأعرب في اسرائيل عن "رضائه التام" على ما حققته المفاوضات حتى الآن. كما ان هذا التقويم الاميركي يصبّ في عكس ما حاول وزير الخارجية كريستوفر تصويره باعتباره "تقدماً دؤوباً" تمكنت المفاوضات من احرزه. على رغم تشديده المتكرّر بأن احداً لم يكن يتوقع ان تؤدي جولتا مريلاند الى انفراج حقيقي او اتفاقٍ ملموس. وعلى عكس الاجواء التي حاول الجانبان الاسرائيلي والاميركي نشرها علانية، فإن مصادر "الوسط" تقول "ان التقويم السوري كان هو الأدق والأقرب الى الواقع" في تعبيره عن سير المفاوضات ونتائجها، اذ اتسم - سواء في التصريحات التي أدلى بها رئيس الوفد السوري السفير ولد المعلم في واشنطن، او في تعليقات وسائل الاعلام السورية الرسمية في دمشق - بقدر ملحوظ من التحفّظ، كما تضمن انتقادات حادة للموقف الاسرائيلي من خلال الحديث عمّا اتسم به من "شروط تعجيزية" و"مبالغة في المخاوف الامنية" و"تراجع من جانب اسرائيل" عن التفاهم الذي تم التوصل اليه خلال اجتماع رئيسي اركان جيشي البلدين العماد حكمت الشهابي والجنرال امنون شاحاك في واشنطن في حزيران الماضي في شأن المبادئ التي يفترض ان تقوم عليها اي ترتيبات امنية يتوصل اليها الجانبان في مراحل المفاوضات اللاحقة. وتقول دمشق ان ذلك التفاهم قام على أساس "ورقة اهداف مشتركة" تم التوصل اليها في أيار مايو الماضي، واتفق الجانبان بموجبها على ان تكون الترتيبات الأمنية مبنية على اسس "التكافؤ والمساواة وعدم المساس بسيادة اي طرف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف". وذكرت مصادر ل "الوسط" ان الموقف السوري بعد جولتي مريلاند يتمثل في التالي: "لا تعتبر دمشق ان مفاوضات الجولتين كانت عقيمة او في غير محلّها، بل ادت قسطاً من غرضها، خصوصاً توضيح المواقف وتحسين اجواء التفاوض والمساهمة في تمكين كل جانب من فهم الهموم والأولويات الكامنة في مواقف الجانب الآخر. لكن هذه المفاوضات فشلت في احراز اي تقدم جوهري على المستوى الشامل نظراً الى امتناع الجانب الاسرائيلي عن الاعراب صراحة عن عزمه على الانسحاب الكامل وعن خطط الانسحاب ومراحله، وهذا ما جعل امكان الدخول في بحث جوهر القضايا السياسية مستحيلاً عملياً. اما بالنسبة الى الترتيبات الامنية، فبدأ البحث فيها بصورة ايجابية نسبياً، خصوصاً في ضوء تراجع الجانب الاسرائيلي عن مطلبه السابق المتعلّق بمحطات الانذار المبكر الأرضية التي ترفضها سورية تماماً. لكنّ هذا البحث ما لبث ان اصطدم بتقديم الاسرائيليين مطالب مثيرة للدهشة تتعلق بتوسيع رقعة المنطقة المعزولة من السلاح على الجانب السوري من الحدود، وبمناطق انتشار القوات السورية وخطوطها الدفاعية، ونوعية الاسلحة والمعدات التي في حوزتها، والى ما هنالك من امور اعتبرها الجانب السوري مطالب غير معقولة تمسّ جوهر الامن الاستراتيجي السوري والسيادة الوطنية. وهذا بطبيعة الحال مرفوض بصورة قاطعة، فإما الأمن على اساس التكافؤ، وإما العودة الى نقطة البداية". في انتظار الانتخابات وبات في حكم المؤكد ان امكان التوصل الى انجاز حقيقي على المسار السوري - الاسرائيلي خلال ما تبقى من هذا العام اضحى ضئيلاً جدّاً. وهذا ما بات يتفق عليه العديد من المراقبين الذين ينطلقون في تحليلهم لدعوة رئيس الحكومة الاسرائيلية بيريز الى انتخابات نيابية مبكرة في أيار المقبل عوضاً عن موعدها المحدد في تشرين الثاني نوفمبر من فرضية ان بيريز كان يتريّث منذ تسلّمه رئاسة الحكومة في اعقاب اغتيال اسحق رابين قبل تحديد موعد الانتخابات ليرى ما اذا كان احتمال الوصول الى اتفاق، او حتى مجرد تفاهم مبدئي عام مع سورية، ممكناً في غضون اسابيع أو أشهر، ليخوض الانتخابات عندئذ على اساس ذلك الاتفاق. وعندما ايقن ان ذلك لن يكون متاحاً، فضّل الدعوة الى الانتخابات الآن على أمل الفوز فيها، ومن ثمّ التمتع بهامش اكبر من المناورة وحرية الحركة في المفاوضات مع سورية في مراحلها اللاحقة التي ستلي الانتخابات. طبعاً، تظل المفاجآت واردة دائماً، لا سيما في السياسة الاسرائيلية الداخلية المعقّدة. ونجاح بيريز وحزب العمل في بيريز الانتخابات ليس مضمونا، وان كان مرجحاً. لكنّ الثابت ان مسار التسوية بين سورية واسرائيل عاد الى مرحلة الجمود، او التجميد، في انتظار اتضاح ما سيرسو عليه الوضع الحكومي الاسرائيلي بعد الانتخابات التي يصفها ديبلوماسي اميركي بأنها "ستكون الأكثر أهمية ومصيرية في تاريخ الدولة العبرية". وقد تستمر المفاوضات بين الجانبين في هذه الأثناء، لكن ذلك سيكون "من باب رفع العتب وإثبات استمرارية المسار" على حدّ تعبير الديبلوماسي الاميركي، فيما ستكون النتائج الحقيقية التي سيصل اليها المسار السوري - الاسرائيلي رهناً بالوضع في اسرائيل والمنطقة والولايات المتحدة نفسها خلال النصف الثاني من هذا العام.