أكد الرئيس حافظ الاسد رفض سورية فكرة محطات الانذار الأرضية التي تطالب بها اسرائيل حتى ولو أدى ذلك الى انهيار عملية السلام، وزير خارجيته فاروق الشرع أعلن ان دمشق لا يمكن ان تقف مكتوفة حيال المساس بأمنها ومصالحها، وأنها قد تعيد النظر في سياستها التي اقتصرت حتى الآن على عدم تأييد الاتفاقات الاسرائيلية الثنائية مع العرب... ولكن من دون عرقلتها، فيما أعاد رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي التذكير بأهمية القوة العسكرية مؤكدا ان الخيار العسكري في المواجهة لم يسقط. كل ذلك في الوقت الذي اعلن اسحق رابين انه لا يستبعد حرباً جديدة مع سورية اذا فشلت الجهود السلمية. فهل عاد "خيار الحرب" الى الواجهة ليحدد مسار الصراع العربي - الاسرائيلي ومستقبله؟ "الوسط" تنشر ما توافر لديها من معلومات عن تجدد سباق الحرب والسلام في الشرق الأوسط: "اما اتفاق، أو أقلّه اعلان مبادئ على مفاهيم مشتركة في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية والاطار السياسي العام للتسوية يكفل دفع مسار المفاوضات الى الأمام قبل الغوض في حملتي الانتخابات العامة في اسرائيل والانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، واما تزايد احتمالات مواجهة عسكرية سورية - اسرائيلية سيكون من الصعب التكهن بحجمها أو بنتائجها". هكذا تلخص مصادر ديبلوماسية غربية على صلة مباشرة بالمفاوضات على المسار السوري - الاسرائيلي المرحلة الحالية التي بلغها الوضع إثر توقيع اتفاق طابا الفلسطيني - الاسرائيلي. وإذا صحت المعلومات التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر عدة، عن احتمالات تطور الموقف بين سورية واسرائيل، فانها تبدو حساسة وخطرة، لأسباب عدة أهمها: - ان هذه المعلومات مصدرها اوساط ديبلوماسية معروفة بعدم التهويل بل كانت تعرب حتى الماضي القريب عن تفاؤلها بأن الموقف بين دمشق وتل أبيب يسير في الاتجاه الصحيح على رغم التعقيدات الكثيرة. لكنها تتحدث الآن بلهجة مختلفة، وتبدي قلقاً شديداً مما تصفه ب "وضع جديد" طرأ على ذلك الموقف وبات ينذر باحتمالات لم تكن واردة. - ان مصادر هذه المعلومات ليست جهة واحدة، بل عواصم غربية وعربية عدة، وبينها مسؤولون سياسيون وديبلوماسيون ومحللون عسكريون وخبراء في شؤون الشرق الأوسط عموماً، والشؤون السورية والاسرائيلية تحديدا. كما ان قسما من هذه المعلومات نسب الى أوساط اسرائيلية رسمية وشبه رسمية. وكان لافتاً ان هذه المصادر اتفقت على اعتبار "ان المسار السوري - الاسرائيلي يمر حاليا في مرحلة حرجة جداً، بل لعلها الأكثر حراجة منذ بدء عملية السلام في مؤتمر مدريد عام 1991". - اتفاق المصادر، بغض النظر عن هويتها، على أن ما كان يشكل حتى الآن "عوامل استقرار" تضمن عدم تجاوز الموقف بين سورية واسرائيل ما يمكن تسميتها "خطوطاً حمراً" معينة، وتتيح للطرفين هامشا معقولاً من المناورة، بدأت تضعف لمصلحة "عناصر ضغط وعدم استقرار" يمكن أن تهدد بدفع الموقف الى خارج نطاق السيطرة والدخول في "مفاجآت غير مضمونة العواقب" ليس على الصعيد السوري - الاسرائيلي فقط واللبناني - الاسرائيلي بطبيعة الحال، بل على مستوى المنطقة كلها. مفصل حيوي والخلاصة الأساسية التي تصل اليها المصادر هي ان "المسار السوري - الاسرائيلي بات أمام مفصل حيوي. فاما أن يتم احراز تقدم يكفي لضمان استمرار العملية السلمية، واما ان يصبح الموقف عرضة لضغوط سياسية ومفاجآت أمنية قد تدفعه الى التدهور سريعاً. فالأمور تأخذ أحياناً وجهات خاصة بها، لتصبح السيطرة عليها صعبة، اياً كانت الحسابات الكامنة وراء المواقف دقيقة وحذرة". ويقول ديبلوماسي غربي وثيق الصلة بالمفاوضات في معرض شرحه لهذا التخوف: "كان في مقدور كل من الجانبين السوري والاسرائيلي حتى الآن اللجوء الى الجمود في المفاوضات كعامل ضغط يوفر له هامش مناورة اضافياً في كل مرة كان يرى ذلك ملائماً لمصالحه وحساباته التفاوضية. والفضل في هذا كان مرده ثقة كل جانب بدقة حساباته ومعرفته الجيدة بالحدود الاستراتيجية التي تحكم مواقف الآخر وتصرفاته. اما الآن، وبسبب مجموعة من الظروف الجديدة، فإن الجمود لم يعد مثل هذا العامل المساعد، بل أصبح مصدر ضغط متزايد يتشارك في تحمل أعبائه السوريون والاسرائيليون ومعهم الأميركيون في صورة متساوية تقريباً". ويمضي الديبلوماسي في شرحه قائلاً: "لا تزال هناك نافذة يمكن التحرك من خلالها لعمل شيء ما يكفل اعادة احياء المفاوضات. وتمتد لفترة قد تصل الى ستة أشهر، وقد تقل عن ذلك أو تزيد قليلا... لكنني مقتنع تماماً بأن المسار التفاوضي بين سورية واسرائيل سيدخل بعد ذلك التاريخ مرحلة تخرجه من الجمود الى غموض سيكون بالغ الخطورة لأنه سيأتي في خضم الحملتين الانتخابيتين في كل من اسرائيل والولاياتالمتحدة، حيث تكون المواقف السياسية في البلدين عرضة لجميع أنواع التقلبات والمزايدات غير المرغوب فيها. ففي منطقة مثل الشرق الأوسط، وعلى مسار دقيق وبالغ الحساسية مثل المسار السوري، فإن آخر ما يحتاج اليه الوضع هو الغموض والتقلب، إذ يصبح عدم الاستقرار سيد الموقف". عوامل التأزم وبقدر ما تتفق المصادر على أنه لا يزال هناك مجال لتحريك المفاوضات خلال "نافذة الأشهر الستة" التي تحدث عنها الديبلوماسي، فانها تخشى "سباقاً بين الديبلوماسية والتأزم" يبدو ان المسار السوري - الاسرائيلي بات معرضا للدخول فيه في المرحلة المقبلة. لماذا وصل المسار السوري - الاسرائيلي الى هذا المفصل الحرج، وهل هناك بديل من استمرار العملية السلمية بالنسبة الى أي طرف؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو البديل؟ تجيب المصادر بتحليل شامل يتناول تحولات طرأت على الظروف المحيطة بهذا المسار ومواقف الأطراف المعنية به مباشرة، اضافة الى ما تصفه بتطورات ساهمت في تبديل الأجواء السياسية العامة في المنطقة. وينطلق هذا التحليل أساساً من النظرة التي كانت سائدة لدى هذه الأطراف حيال "عامل الوقت"، وكيف تغيرت أخيراً بفعل هذه الظروف. فحتى الماضي القريب كان الاعتقاد بأن الوقت يعمل لمصلحة التسوية السورية - الاسرائيلية مهما طال انتظارها، ومهما تعقّدت المساعي. اما الآن، فإن ثمة اقتناعاً شبه عام بأن هذا الوضع أصبح معكوساً، حيث "بات الوقت محدوداً ومرشحاً للنفاد بسرعة". وهناك ما يكفي من الأسباب لدى كل طرف لتعزيز ذلك الاقتناع، وأهمها: - ظهور شعور لدى أوساط عدة بأن توقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي الأخير لم يشكل حافزاً كافياً لتحريك المسار السوري، وبالتالي اللبناني، بل ربما أدى الى "اشاعة جو من الاسترخاء" خصوصاً لدى الجانبين الاسرائيلي والأميركي. وتقول المصادر ان مثل هذا الجو لا بل من أن "يزيد حدة الموقف السلبي الذي تنظر به دمشق الى ذلك الاتفاق، والى النيات الاسرائيلية والأميركية حيال المرحلة المقبلة". - استبعاد حدوث أي تعديل جذري في الموقف الاسرائيلي المتصلب من مسألة "الترتيبات الأمنية" التي كان يفترض أن تشكل الاطار العملي الذي يمهد للتسوية السياسية. وتنقل المصادر عن أوساط اسرائيلية حكومية "ان رئيس الوزراء اسحق رابين أبلغ الوسيط الأميركي رفض حكومته المطلق أي تنازل يتعلق بمحطات الانذار المبكر الأرضية التي تصر اسرائيل على الاحتفاظ بها على الجانب السوري من الحدود". فيما اعلن الرئيس حافظ الاسد رفضه المحطات الأرضية حتى وان انهارت عملية السلام. ولعل الأهم ما نقلته المصادر نفسها عن "موافقة واشنطن على الطرح الاسرائيلي"، و"وصول الجانبين الاسرائيلي والأميركي الى تقويم مشترك" مفاده ان الأوضاع "عادت الى نقطة الصفر، حيث لم يحرز أي تقدم في المسائل الجوهرية، بينما عاد النقاش ليتركز على القضايا الاجرائية المفترض ان يكون البحث فيها انتهى منذ فترة طويلة". وتضيف المصادر ان الموقف الاسرائيلي الذي أبلغ الى واشنطن هو أن "لا فائدة من عودة المفاوضات على مستوى السفراء في واشنطن، وبات على دمشق ان تختار اما العودة الى المفاوضات العسكرية على مستوى رئيسي الأركان والخبراء، واما الارتقاء بها الى مستوى وزيري الخارجية". - اتفاق المصادر على ان "أي مراهنة على تعديل في الموقف الأميركي، أو على احتمال ممارسة ضغوط أميركية على اسرائيل هي مراهنة في غير محلها". ويقول ديبلوماسي عربي في هذا المجال: "علينا ان نتذكر ان هذه الادارة هي الأكثر تأييداً لاسرائيل منذ زمن طويل، ومواقفها تنطلق دائماً من مراعاة المصالح الاسرائيلية قبل غيرها. واذا كان صحيحا ان الرئيس كلينتون يرغب في تحقيق انجاز ديبلوماسي مهم على صعيد سياسته الخارجية قبل الحملة الانتخابية المقبلة، فإن هذا الانجاز لا يمكن أن يتم على حساب العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب. كما ان الادارة قد تقرر الاكتفاء بما تحقق على المسارين الفلسطيني والأردني، وما يمكن ان يتحقق على صعيد تسوية الصراع في يوغوسلافيا السابقة، بدلاً من الدخول في ما قد تعتبره حقل ألغام على طريق التسوية السورية - الاسرائيلي". - الاحتمال المتزايد لوصول كل من الولاياتالمتحدة واسرائيل وجهات عربية الى الاستنتاج ان "المسار السوري قابل للانتظار"، وان المطلوب الآن هو "ترسيخ ما تحقق من اتفاقات اسرائيلية - أردنية واسرائيلية - فلسطينية، وتوسيع نطاق الانفتاح الاسرائيلي على الدول العربية الأخرى في المنطقة، لأن كل ذلك سيشكل عناصر ضغط تدفع دمشق في نهاية المطاف الى ابداء مرونة". - الانطباع الذي تنقله المصادر الديبلوماسية عن الأوساط القريبة من رابين، وتعززه تصرفات هذا الأخير، وهو "ان رئيس الحكومة الاسرائيلية عازم على الامساك شخصياً بملف التسوية مع دمشق، ولن يسمح لأي مسؤول آخر، بما في ذلك وزير خارجيته شمعون بيريز بأن يكون له دور في اتخاذ القرارات". والخطورة في ذلك تتمثل في "ان رابين يعتبر الرئيس الاسد خصمه التاريخي على المستوى الشخصي كما السياسي، ما سيدفعه الى اضفاء طابع شخصي على مراحل التسوية مع سورية، حيث لن يكون مستبعداً ان يطالب برفع مستوى التفاوض الى مستوى القمة، وهذا أمر ليس وارداً على الاطلاق في دمشق، أقله في مرحلة لم تنضج فيها بعد ظروف الحل أو شروط التوصل اليه. وبما ان ذلك لم يعد متوقعاً في الفترة القريبة المقبلة فإن كل شيء سيتأجل الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية والأميركية مع كل ما ستنطوي عليه مرحلة الانتظار من عوامل عدم استقرار". المأزق اذاً يمكن الاستنتاج ان ثمة مأزقاً يواجه المسار السوري من دون ظهور ما يشير الى رغبة الوسيط الأميركي أو قدرته، أقله حتى الآن على اخراج ذلك المسار من مأزقه. فرابين يريد تحقيق القدر الاكبر من المكاسب السياسية والحزبية والشخصية، فضلاً عما يعتبره "انجازات استراتيجية"، من أي تسوية محتملة مع سورية، ويفضل ان يتم ذلك حسب جدول زمني يتلاءم مع الاعتبارات والأهداف الاسرائيلية. والولاياتالمتحدة ليست متحمسة للغوص في "رمال متحركة" قد تهددها بالظهور مظهر الضاغط على اسرائيل عشية حملة انتخابات رئاسية لن تكون سهلة للرئيس كلينتون. وتشعر دمشق فعلاً بأنها باتت الآن "مستهدفة بعملية استفراد وضغوط" لحملها على تقديم تنازلات لا يمكنها أن تقبل بها. وقد لا يكون من قبيل المصادفة ان تتزامن هذه المعلومات مع تصريحات علنية صدرت عن مسؤولين سوريين كبار في الأيام الأخيرة، وانطوت على لهجة غير معهودة منذ بداية عملية السلام. فللمرة الأولى منذ سنوات عادت دمشق، بلسان رئيس أركان قواتها المسلحة العماد حكمت الشهابي، الى التحدث صراحة عن "اهمية القوة العسكرية"، وضرورة ان يكون أي موقف تفاوضي مدعوماً بقدرة عسكرية فعالة تكفل تحصينه وتمكينه من مقاومة الضغوط. وللمرة الاولى ايضاً يشير مسؤول سوري رفيع المستوى الى امكان اعادة دمشق النظر في موقفها الاستراتيجي من عملية السلام كلها، فقدر حذر وزير الخارجية فاروق الشرع من ان بلاده لا يمكن ان تظل مكتوفة اذا ايقنت بأن أهداف تلك العملية باتت تمس مصالحها القومية والأمنية والاستراتيجية، وانها قد لا تكتفي بعد اليوم بمجرد عدم تأييد الاتفاقات الثنائية بين اسرائيل والأطراف العربية وعدم عرقلتها... كأنه يلوح باحتمال السعي الى العرقلة. وكان لافتاً صدور تصريحات الوزير الشرع إثر اجتماعه الأخير مع نظيره الأميركي وارن كريستوفر، والذي اتفقت مصادر ديبلوماسية على القول انه "كان صعباً جداً ولم يحقق النتائج المرجوة منه". كما ان من اللافت ان محادثات وزير الخارجية السوري في الولاياتالمتحدة وما أعقبها من تصريحات أظهرت عدم نجاحها، وتصريحات العماد الشهابي، الذي نادراً ما يدلي بتصريحات علنية عن هذه القضايا المصيرية، قابلتها على الجانب الآخر تصريحات لرابين لم يستبعد فيها "احتمال نشوب حرب مع سورية اذا لم تحرز جهود السلام الحالية تقدما ملموسا". وهي المرة الأولى ايضاً منذ فترة طويلة التي يتحدث فيها رابين بمثل هذه "البساطة والصراحة"، على حد تعبير خبير بريطاني في الشؤون الاسرائيلية، عن الوجهة التي قد يتخذها الوضع في المنطقة اذا استمر الجمود الحالي على مسار المفاوضات. سيناريوات المواجهة ويظل ممكنا، طبعا، ان كل هذه الاحاديث والتصريحات ليست سوى "جزء من عملية ضغط نفسي متبادلة" لكن هذا الرأي لم يعد يحظى بتأييد غالبية المصادر التي باتت تعرب عن اعتقادها في المقابل بأن "المواقف العلنية الصادرة اخيرا عن سورية تشكل رغبة واضحة في توجيه رسالة لا تقبل التأويل عن المخاطر التي يرتبها المأزق الحالي في المفاوضات". وتؤكد هذه المصادر ان دمشق عازمة على الاظهار لجميع الأطراف، وفي مقدمها اسرائيل، انها تملك خيارات تستطيع اللجوء اليها عند الضرورة، وان هذه الخيارات مهما بلغت صعوبتها تظل أفضل من نتائج القبول بشروط تفاوضية غير ملائمة. والأكثر من ذلك - حسب هذه المصادر - هو رغبة متزايدة لدى الجانب السوري في التأكيد "ان الخيار العسكري لم يسقط"، وانه لا يزال في مقدور سورية "اعادة خلط الأوراق وقلب الطاولة على اللاعبين الآخرين، في حال كان البديل المطروح عليها خطة تهدف الى تطويقها وعزلها عن الخريطة الاستراتيجية المرسومة للمنطقة". ويعتقد محللون "ان دمشق لا تزال تمنح المفاوضات فرصة في انتظار حدوث انفراج ما. لكنها قررت في الوقت نفسه اعداد نفسها لمواجهة جميع الاحتمالات الأخرى، بما فيها الاحتمال الأسوأ". ويعترف هؤلاء بأن ذلك الاحتمال "قد لا يعني في الضرورة حرباً شاملة أو محاولة عسكرية سورية واسعة النطاق لاستعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالقوة لأن الموازين العسكرية والاستراتيجية لا تسمح بذلك". لكنهم لا يستبعدون ان "تنتقل السياسة السورية من مرحلة الانتظار الى مرحلة العمل على اسقاط الاتفاقات الأخرى التي تعتبرها ضارة جداً بمصالحها وأمنها، ما سيعني التحسب لما سيؤدي اليه ذلك من ردود فعل مضادة، ليصبح التصعيد المتبادل أمراً حتمياً". وتتداول أوساط ديبلوماسية وعسكرية سيناريوهات عدة للتصعيد، لكنها تتمحور في معظمها على شقين رئيسيين: أولهما على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية حيث لا يستبعد ان تشهد العمليات العسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي تزايداً عددياً وتصاعداً نوعياً الى "الحد الذي قد يدفع اسرائيل الى الرد على نطاق واسع، وبشكل يجعل اشتباك قواتها مع القوات السورية العاملة في لبنان محتملاً". اما الشق الثاني فسيتركز على الأراضي الفلسطينية، وربما داخل اسرائيل نفسها، بهدف "اثبات عجز الاتفاقات الثنائية الحالية عن تحقيق السلام الفعلي". السباق بين الحرب والسلام وبكلام آخر، فإن "الهدف الاستراتيجي" من هذه السياسة السورية الجديدة سيكون "الإثبات للجميع ان شعار لا سلام في المنطقة من دون سورية هو واقع فعلي وحقيقي، وان أي تسوية للصراع لا يمكن أن تفرض من منطلق الخلل في موازين القوى، بل يجب أن تنطلق من مبدأ التوازن والتكافؤ في المصالح والأهداف". ولعل المؤشر الأبرز الى الجدية التي تنظر بها العواصم العربية والدولية الى هذا التطور المحتمل في الموقف السوري، والى خطورة مأزق المفاوضات تمثل في الزيارة المفاجئة الأخيرة التي قام بها لدمشق الرئيس حسني مبارك. فهذه الزيارة، التي لم تكن مقررة جاءت عقب محادثات الوزير الشرع في الولاياتالمتحدة، وقبل القمة الاقتصادية في عمان التي تصاعدت حدة اللهجة السورية ضدها في صورة ملحوظة خلال الأيام الماضية. كما أنها جاءت قبل الجولة الجديدة التي سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي في المنطقة. فالواضح الآن ان جميع هذه التحركات باتت تصب في خانة "جهود الساعة الأخيرة" التي تهدف الى المحافظة على استمرار عملية السلام من خلال احياء المسار الأهم فيها واعادة تحريكه، قبل أن تؤدي التطورات المتسارعة الى استباق ذلك وتحويل العملية برمتها الى "حدث الأمس". فللمرة الأولى منذ سنوات، عاد السباق بين الحرب والسلام ليرسم من جديد معالم المستقبل في الشرق الأوسط.