في الاجتماع الذي عقده منسق محادثات السلام في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية دنيس روس مع الرئيس حافظ الأسد قبل بدء وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر جولته الثالثة عشرة في الشرق الأوسط، التي شملت كلاً من دمشق وعمان والقاهرة، والقدسالمحتلة وأريحا، تساءل الرئيس السوري أمام ضيفه الأميركي عن سبب اصرار اسرائيل على المطالبة ببناء محطة انذار في جبل الشيخ، وقال "ليتنصتوا علينا، إننا نرفض هذه المطالب لأنها تمس سيادة بلدنا". وأضاف ان مطالبة اسرائيل بمراقبة حركة كل دبابة سورية على الجانب الآخر من الحدود "أمر سخيف"، وقال ان "المهم البحث فيه، لا هذه ولا تلك، بل خط الحدود الذي ستكون الترتيبات الأمنية على جانبيه". وهو ما يرفض رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين الحديث عنه حالياً. ولم يَحُل ذلك دون إعلان الوزير كريستوفر قبل مغادرته العاصمة الأردنية، يوم الأحد قبل الماضي، ان يكون حقَّق الأهداف المحددة لجولته، بالاعلان عن اتفاق على جدول زمني للمفاوضات السورية - الاسرائيلية في شأن الانسحاب من الجولان، ورعاية مصالحة بين مصر واسرائيل في القاهرة. ويلمس المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمهم الرئيس بيل كلينتون ووزير الخارجية كريستوفر، من خلال الاتصالات التي تمت مع الرئيس الأسد، ان الأخير حريص حقاً على احراز تقدم في عملية السلام، بدليل موافقة سورية على التوصل الى اتفاق في شأن الترتيبات الأمنية مع اسرائيل. ولا شك ان ما ستسفر عنه لقاءات رئيس الأركان الاسرائيلي أمنون شاحاك ونظيره السوري حكمت الشهابي في 27 حزيران يونيو الجاري، في واشنطن ستمهد للقاءات في منتصف تموز يوليو المقبل، على مستويات عسكرية وديبلوماسية بين الجانبين. وتولي الادارة الأميركية أهمية ملحوظة لانجاح المحادثات العسكرية السورية - الاسرائيلية، لأن من شأن ذلك ان يمهد السبيل أمام عقد اجتماعات اخرى في آب اغسطس وايلول سبتمبر لمناقشة قضايا تتعلق بالانسحاب الاسرائيلي من الجولان، ومساحته، وقضية المياه والأمن. ومع ان المسؤولين السوريين أكدوا صراحة رفضهم لأي انسحاب اسرائيلي رمزي، الا ان المسؤولين الاسرائيليين يقولون ان وضع جدول نهائي للانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة لم يتم اقراره بعد. تحريك القنوات الأميركية ويقول ديبلوماسيون أميركيون رافقوا كريستوفر في جولته الأخيرة ان تشرين الأول اكتوبر المقبل سيشهد بداية العد العكسي للمفاوضات الثنائية بين سورية واسرائيل، اذ سيضاعف المسؤولون الأميركيون ضغوطهم على رابين وحكومته، من خلال تحريك قنواتهم داخل اسرائيل، لدفعه الى تقديم تنازلات أساسية، قد تكون كافية لعقد اجتماع على مستوى رفيع بين مسؤولين سوريين واسرائيليين برعاية أميركية. وقال جبران كوريه المستشار الاعلامي للرئيس السوري "إن سورية احترمت كل تعهداتها التي قطعتها في السابق في شأن جديتها في التفاوض مع اسرائيل للتوصل الى سلام، بدأت خطواته في مؤتمر مدريد، لكن المطلوب من اسرائيل ان تلتزم الجدية في هذه المسيرة، وتتخلى عن المماطلة، والتلاعب بالألفاظ، لأنه لن يكون هناك سلام حقيقي من دون عودة الجولان الى السيادة السورية". ويرفض المسؤولون السوريون سياسة المفاوضات السرية مع اسرائيل لاعتبارات عدة. ويقولون: "تولدت لدينا قناعة بأن اسرائيل كانت الاداة الرئيسية في كل المفاوضات السرية التي أجرتها مع العرب، ولهذا فإن الكثير من المسؤولين الاسرائيليين وحتى الأميركيين باتوا على قناعة بأن الرئيس الأسد لن يسمح بفتح قنوات سرية. وعلاوة على ذلك فإن لدى هؤلاء المسؤولين، سواء في واشنطن أو تل أبيب، قناعة بأن الرئيس السوري لن يسمح مطلقاً باللجوء الى هيئة دولية للتحكيم، تفادياً للدخول في دوامة شبيهة بالتي صادفتها مصر إبّآن التفاوض لحل أزمة طابا". وينظر المسؤولون السوريون الذين تحدثت اليهم "الوسط" الى الاجتماع المقبل بين رئيسي الأركان السوري العماد الشهابي والاسرائيلي شاحاك بشيء من الحذر والترقب، خصوصاً انهم يعتبرون ان اللقاء الأول الذي عقد في كانون الأول ديسمبر الماضي في الولاياتالمتحدة لم يحرز أي تقدم. لكن المسؤولين في عدد من العواصم الغربية يتوقعون ان يكون الاجتماع السوري - الاسرائيلي المقبل اختباراً للثقة، يراهن فيه الجانب السوري على قدرة الولاياتالمتحدة على القيام بدور ألزمت نفسها القيام به عشية مؤتمر مدريد في العام 1991. ولا يقلل المسؤولون السوريون من أهمية الخطوات التي تحققت حتى الآن. وهم، من دون شك، يعتبرون التصريحات التي يطلقها المسؤولون الاسرائيليون من حين لآخر، وتتحدث عن الجولان باعتبارها أرضاً محتلة وسورية، يجب الانسحاب منها بعد الحصول على ضمانات، يمثل تراجعاً عن مواقف اسرائيلية بلغت ذروتها في السابق باعلان ضم الجولان، وعدم التنازل عنها باعتبارها عمقاً استراتيجياً لأمن اسرائيل. ولا تحظى دعوات زعيم حزب ليكود المعارض بنيامين ناتنياهو الى الاحتفاظ بالجولان بقبول يذكر، بدليل أن أكثر من وزير في الحكومة الاسرائيلية، بل رابين نفسه، أدلوا بتصريحات تزامنت مع تصريحات ناتنياهو المذكورة، وحرصت على الاشارة الى المفاوضات الخاصة بالجولان، والغمز من قناة المفاوضات الجارية للتنازل المشروط عنها، الأمر الذي تنظر اليه وسائل الاعلام السورية على انه "عمل مسرحي"، يعكس عدم جدية الجانب الاسرائيلي في التوصل الى سلام واعتبار عملية التفاوض على الجولان امتحاناً ومؤشراً لتوجهات الرأي العام الاسرائيلي في الانتخابات المقبلة. وأشار شمعون بيريز وزير الخارجية الاسرائيلي، في كلمة القاها أمام مؤتمر لحزب العمل عقد الاسبوع الماضي، الى ان أمام حزب العمل 7 أشهر يجب ان يحقق خلالها على مائدة المفاوضات، ما لم يتم احرازه خلال 40 سنة من النزاع العربي - الاسرائيلي و4 سنوات من المفاوضات الشاقة. وما لم يقله وزير الخارجية الاسرائيلي في ذلك اليوم ان أمام اسرائيل والولاياتالمتحدة جدولاً زمنياً يستدعي التحضير للانتخابات العامة. واذا لم ينجح الطرفان في التوقيع على اتفاق مع سورية خلال فترة الأشهر السبعة المقبلة، فمعنى ذلك ان الاتفاق مع سورية لن يحصل مطلقاً. وقال مسؤول أميركي يتابع ملف المفاوضات بين سورية واسرائيل إن المسؤولين الاسرائيليين يتلهفون للحصول على موافقة الكونغرس الأميركي على تخصيص بليون دولار لدعم مسيرة السلام، تحصل اسرائيل منها على حصة الأسد. كما ان برنامج الرئيس كلينتون اعتباراً من أول شباط المقبل سيكرس تماماً لحملته لاعادة انتخابه، وما له علاقة بالأمن القومي للولايات المتحدة. وأشار المسؤول الأميركي الى ان كلينتون الذي تحادث مع الرئيس الأسد هاتفياً، نقل الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد ساعات كلاماً مشجعاً. وذكر كريستوفر شيئاً من ذلك وهو يهم بمغادرة العاصمة الأردنية. فقد قال: "الآن تلوح أفضل فرصة للسلام منذ عامين ونصف، أي منذ توليت منصبي وزيراً للخارجية على رغم المصاعب التي ما زال يتعين عليّ تجاوزها". ولم يجد أحد مستشاري الرئيس ياسر عرفات تعبيراً يصف به اجتماع كريستوفر بالرئيس عرفات بأنه كان مناسبة حاول خلالها المسؤول الأميركي ان يشجع عرفات على قبول الاقتراحات الاسرائيلية حول برنامج الانسحاب من الضفة الغربية. وقال المسؤول الفلسطيني لپ"الوسط" ان كريستوفر أراد ان يوضح لعرفات ان قبوله الخطوة الاسرائيلية قد يعجل بتدفق الأموال الدولية الموعودة. ومع ان تصريحات كريستوفر إثر اللقاء مع عرفات ورابين لم تشر الى تباين وخلاف في الرأي، الا ان المقربين الى عرفات لاحظوا ارتياحاً على وجه كريستوفر للطريقة التي تتعامل بها السلطة الفلسطينية مع الأوضاع. موعد غير مقدس ولا يبدو ان وعود كريستوفر بالتدخل لدى الطرفين لتذليل العقبات التي تعوق التزام موعد الأول من تموز لاتمام الانسحاب الاسرائيلي، والسماح باجراء انتخابات عامة في الضفة والقطاع، تبدو مؤثرة، لا سيما ان رابين خرج بعد اجتماعه مع كريستوفر والرئيس مبارك في القاهرة ليقول ان الأول من تموز ليس "موعداً مقدساً"، وفهم الفلسطينيون ان الولاياتالمتحدة لن تضع ثقلها خلف مطالبهم، وأن قضية الانسحاب من بقية أنحاء الضفة الغربية، الذي سرب المسؤولون الاسرائيليون انه سيتم في مرحلة أولى من مدن رئيسية لا تشمل الخليل ورام الله ونابلس، باتت خاضعة لاعتبارات تتصل بالانتخابات الاسرائيلية، واستفتاءات الرأي العام التي تضع رابين وناتنياهو على قدم المساواة. ويعتبر كريستوفر ان ما حققه على صعيد الجمع بين الرئيس حسني مبارك ورئيس الوزراء الاسرائيلي في القاهرة انجازاً هدف الى تأكيد مكانة مصر، ومحاولة ازالة التوتر الذي ساد العلاقات بين مصر واسرائيل في شأن البرنامج النووي الاسرائيلي، والذي وقفت فيه الولاياتالمتحدة الى جانب اسرائيل. لكن اللقاء لم ينجح في اقناع الرئيس المصري بتحديد موعد لزيارة اسرائيل. وقبيل انعقاد الاجتماع الثلاثي كاد خلاف حول جدول أعمال الاجتماع ان يفسد اللقاء. اذ أعلن رابين انه لن يزور القاهرة اذا لم يكن هناك جدول أعمال يسفر عن نتائج معينة، سواء على صعيد عملية السلام، أو العلاقات الثنائية. ووافقت مصر على ان يتضمن جدول الأعمال نقطتين رئيسيتين، الأولى عملية السلام بوجه عام، والثانية العلاقة بين البلدين. وخلال الاجتماع الثنائي الذي عقده مبارك ورابين في مقر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة، بحثا العلاقات الثنائية، وأبدى رابين قلقه من سير خطوات التطبيع مع مصر. وأشار الى ان المدى الزمني الذي مر على اتفاقية السلام المصرية - الاسرائيلية منذ العام 1977 لا يتناسب مع حجم التطبيع الحالي بين البلدين. ورد الرئيس المصري بأن العلاقة بين البلدين تسير بشكلها الطبيعي، ووعد بدرس المشاكل التي تكتنف سير التطبيع. ووصف مبارك اللقاء بأنه كان ايجابياً ومثمراً. ويشكو الاسرائيليون من المواقف الأخيرة لوزير الخارجية المصري عمرو موسى وتصريحاته ضد اسرائيل، خصوصاً في ما يتعلق بالبرنامج النووي، والاجراءات التي اتخذتها اسرائيل في القدسالمحتلة، ومصادرتها أراضٍ فلسطينية في نيسان ابريل الماضي. ورد المسؤولون المصريون بأن الوزير المصري مسؤول عن تنفيذ السياسة المصرية، وأن هناك تنسيقاً بين وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية، وان المواقف المصرية على الصعيد السياسي، خصوصاً التي تهم العالم العربي، انعكاس لمواقف شعبية، وان السياسة تعبر عن الرأي العام الداخلي. وبالنسبة الى زيارة الرئيس المصري لاسرائيل، قال رابين ان مبارك سيجد كل ترحيب في اسرائيل في حال قيامه بالزيارة. وعقّب الرئيس المصري بأنه لا يمانع في زيارة اسرائيل، وأنه سيقوم بالزيارة في الوقت المناسب، وعندما يضمن انها ستكون في مصلحة عملية السلام. فصل المسارين وقالت مصادر ديبلوماسية مصرية لپ"الوسط" انه يمكن النظر الى نتائج اجتماعات القاهرة المصرية - الاسرائيلية - الأميركية من خلال النقاط الآتية: - تأكيد الأطراف الثلاثة ان عملية السلام عبرت نقطة اللاعودة، وان الحوار المباشر أفضل الطرق للوصول الى اتفاقات على مسارات السلام العربية - الاسرائيلية. - اعلان الادارة الأميركية الفصل الكامل بين المسارين السوري واللبناني في عملية السلام، وضرورة التوصل الى اتفاقين منفصلين مع اسرائيل. - التعاون الاقليمي لمواجهة ظاهرة الارهاب، والتطرف، وارساء قواعد اقتصادية لدعم الخطوات السياسية المبذولة. - موافقة اسرائيل على اعادة نشر قواتها في الضفة الغربية على مرحلتين، الأولى لتسهيل انتخابات المجلس التشريعي والتنفيذي الفلسطيني، والثانية بعد نقل الصلاحيات، وتأكيد رابين الأول من تموز موعداً لاعادة الانتشار وأنه موعد مستهدف. - اتفاق الأطراف الثلاثة على دعم المفاوضات السورية - الاسرائيلية للتوصل الى اتفاق. - فتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية - الاسرائيلية. ولوحظ ان القاهرة أصبحت مركزاً لكل التحركات على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، وأنها تشارك بصورة شبه كاملة في المفاوضات على هذا المسار، ويتضح ذلك في الزيارات التي قام بها الرئيس عرفات للقاهرة، ولقاءاته مع الرئيس مبارك قبل الاجتماع الثلاثي وإثره مباشرة، ولقاءات المسؤولين المصريين المتكررة مع المفاوضين الاسرائيليين. كما لم تتردد الديبلوماسية المصرية من إبداء انزعاجها أمام كريستوفر من خطوة يعتزم المسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية الاقدام عليها، وتتعلق بالغاء الدائرة الخاصة بمصر في الوزارة، وضمها الى دائرة شمال افريقيا، الأمر الذي اعتبره مسؤولون في القاهرة انتقاصاً من موقع مصر وأهميتها في العالم العربي والقارة الافريقية.