جرت في باريس على مدى عشرة أيام متواصلة عروض الأزياء الجاهزة لربيع وصيف 1997، ورافقتها في الوقت ذاته عروض ميلانو في ايطاليا. وهذه وتلك لحقت بعروض أزياء لندنونيويورك. عجقة موديلات هائلة لاحقها اكثر من ألفي صحافي، لكن ليس من دون إحساس بأزمة الابتكارات التي تعاني منها فرنسا حالياً، وأمام منافسة لندنونيويوركوميلانو وآسيا الباسيفيكية التي تمثلها تقريباً المبتكرة "ري كواكيبو" صاحبة ماركة "كوم دي غارسون" الشهيرة. في ميلانو، لوحظ ان الايطاليين هذه المرة فضلوا "الأقل لكن الأفضل". وعادوا الى الشفافية والسحر. ولوحظ ايضاً ان شبح الازمة شبه غائب، وان اريج النشاط الموضوي عابق بكل قوته. ذلك ان كل صاحب دار أزياء جاهزة، كان يعلن في بداية العرض، عن احتلال جديد لجادة مونتينيه في باريس او جادة ماديسون في نيويورك. موضة ميلانو فعند "أرماني"، تميزت مجموعة موديلاته بالسحر التي سادها الحرير والموسلين والشفافية خصوصاً في الأثواب التي تنزلق فوق البنطلونات. وبالنسبة الى جيانفرانكو فيري، عشية تركه دار كريستيان في باريس بعد انتهاء عقده معها، فقد أتى بمجموعة أزياء هي خياطة راقية اكثر منها أزياء جاهزة. وبدا ان موهبته التي تغذت من باريس لمدة ثماني سنوات، قد تجمعت كلها في معاطف ربيعية بيضاء فوق بنطلونات وكعوب بعلو خمسة عشر سنتمتراً. وكذلك من جلاليب من الاورغنزا التي أضاف فيري شفافيتها شعراً من الأناقة، وبعد ان رفض القصير لأثوابه رفضاً باتاً. كل اثوابه توقفت عند منتصف الساق وتحتها البنطلون من دون منازع، خصوصاً في ألوانها الزهرية الرقيقة. وافتتحت "ناومي كامبل" عرض فيرساس بثوب رمادي من الكريب مُعلنة عن اتجاه هذا المصمم الايطالي بالنسبة الى الموضة الربيعية والصيفية المقبلة. لقد اطلق فيرساس الثوب بكل اشكاله، كأمر حتمي لموضته المقبلة وجعله يتوقف تحت الركبة. وهذا بخلاف عرض "غوتشي وفيراغامو" الذي خيَّب الآمال باللون الكستنائي الطاغي على موديلاته، وببعض التقشف في اختيار عارضات مناسبات. إذ لا يمكن تخيل ربيع ب "البوط" وبلون كستنائي من الصباح الى المساء، وفي بنطلونات نحيلة على القامة وتجبر على الريجيم الذي اعترضت عليه عارضات "ايليت". لكن "فيراغامو"، اعتنق مذهب الحرير وليس الجلد هذه المرة، وإن بقي الحرير بلون كحلي او دراقي او موزي. وتميز "تروساردي" في عرضه بفرض الجلد الخفيف جداً في موديلاته التي سارت بها العارضات امام ألف مدعو في داره الجديدة: "قصر مارينو ألا سكالا". ففي هذا الصرح العائد الى القرن التاسع عشر، عرض تروساردي مئة وستاً وخمسين لوحة كان تركها بابلو بيكاسو لسائقه، وجعل من ابتكاراته شبهاً لرسومها. وجاءت مجموعة "ألبرتا فيريتي" على شاكلة "دايفيد هاملتون" في أثواب الموسلين، وكأن الشمس على موعد دائم مع القمر في الربيع والصيف المُقبلين. وفي عرض "دولتشي وكابانا"، جلس المدعوون على كراس مخداتها من جلد النمرة، وأربعون عارضة تمايلت على الخشبة وهن يحملن حقائب يد الجدات الكبيرة، ويرتدين اثواباً طويلة. ولوحظ تدخل "المعلوماتية" في ابتكارات "ميسوني"، بحيث كانت الاجواء اجواء أصفهان بنوافيرها وزقزقة عصافيرها، وعودة الى الثوب في مجموعة "جيني"، والى التايور - البنطلون عند "كريزيا"، وحيث جاء تألق العرض في "السموكنغ" من الموسلين الرائع. "ماكسمارا" من هؤلاء الذين سيملأون خزانة الثياب الربيعية والصيفية بالتايور - البنطلون، كل مجموعة هذه الدار انطلقت من فكرة "البيع البيع فقط"، في جميع انحاء العالم. وكانت دار "لوريل" الالمانية عرضت مجموعتها في ميلانو للمرة الأولى: الأبيض لمعاطف طويلة، وتزاوج بين الزهري والفستقي، وللأمسيات كثير من الجرسية الحريري والموسلين المُطَعَّم بالمخمل، في اثواب كأنها صُممت خصيصاً لبطلات "سانتا برباره". وأتت المصممة "رينا لانغ" من ميونيخ الالمانية لتعرض في ميلانو، وهي التي حققت عشرة ملايين دولار من مجمل اعمالها الازيائية سنة 1995. كلاسيكية جداً، لكنها عملية جداً، وأنيقة للغاية، تايراتها الكحلية بأزرار ذهبية وياقات بيضاء، وأثوابها القمصانية الطويلة التي يمكن استخدامها فوق بنطلونات - سيجارة. أزياء باريس اما في باريس فقد جرت عروض الأزياء الجاهزة، حيث كان لهاث أهل الاعلام كبيراً في ملاحقتها نظراً لتباعد امكنة العروض هذه المرة وتناثرها في كل بقعة من العاصمة الفرنسية. متحف اللوفر، حيث اربع قاعات حديثة خُصصت لعروض الأزياء فيه، لم يعد المكان المُفضل للعارضين. ضجة موسم العروض الباريسية الجاهزة لربيع وصيف 1997، كان وداع جيانكوفيري لدار ازياء كريستيان ديور وحلول جون غاليانو الانكليزي، الذي صمم لجيفنتشي قبلاً، محله. وكان في عرض فيري كل سيّدات أهل السياسة حالياً: السيدة ليز طوبون زوجة وزير العدل، السيدة دوست بلازي زوجة وزير الثقافة، السيدة دوبريه زوجة وزير الداخلية. ثم كلير شازال وآن سان كلير من التلفزيون الفرنسي، القناة الأولى. وبدأ العرض - الاستعراض باطلالة العارضة الشهيرة كارين شيريل، وبعدها أليس ايفانس خطيبة اوليفييه بيكاسو، وماري جوزيه نات. وأتت لاييتيليا هوليداي مع والدتها الى العرض. وكان جوني زوجها جاء ليصفق لها في اثناء عرضها عند ليونار. وفي العرض ظهرت كل عبقرية جيانكوفيري الوداعية في تايور يعكس صيت كريستيان ديور وفي أثواب طويلة على الرغم من قماشها الشفاف فهي لا تكشف عن أي عري. وفي نهاية العرض حملت ثماني عارضات يمثلن سنوات جيازكوفيري عند ديور، زهرات الموغة، ورمينها على الجمهور تحية وداع له. عرض إيساي ميكاي كان لوحات متتالية في الأثواب الطويلة التي واكبتها مستطيلات على طريقة بيكاسو. اربعون عارضة كنّ على خشبة العرض في لونين أبيض وأسود وفي حركات تشابه عرضاً لراقصات بيجار. وعرض كريستوف لومير في قاعة بيضاء في شقة كانت غرفها مشغولة بعارضات كأنهن من أهل البيت ببساطتهن. تايور يشبه لباس رحلات الصيد في افريقيا وأثواب سهرة طويلة تهبط خصورها. وكل هذا امام جمهور محدود جداً، وأكثره اعلامي وبعض النجوم الاجتماعية والفنية، ولوحظ في عرض مارتين سيتبون اختيارها للون الأسود ولعارضات نحولهن قياسي، ولأثواب من الموسلين المطرز بالخرز. وعند تارلازي لم يكن هناك اكثر من موديلات بسيطة قماشها من النسيج المحبوك والمطاط: بنطلون وثوب قميص فوقه يطول حتى الرسغ. تحول "اوسيمار فيرسولاتو" في موديلاته نحو الشرق الاقصى، وحط على الكيمونو واستوحى منه اثوابه الطويلة الموسلينية. و"دومينيك سيروب"، التي كانت والدته اشهر عارضة ازياء، عرض فقط عشرين موديلاً لأثواب سهرة طرزها لوساج، وذلك في دارته الخاصة. وطلب كارل لاغرفيلد تغيير ديكور احدى قاعات اللوفر كشرط لعرض مجموعة "كلويه" التي يصمم لهذه الدار الشهيرة. اربعون عارضة مشين بين الازهار المنثورة على خشبة العرض، وعودة في اثوابه الى الثلاثينات. طويلة ومخصورة وموسلينية ومطرزة تموج بها العارضات بكعوب علوها خمسة عشر سنتمتراً. اما نينا ريتشي فعرضها جاء مهرجان جاكيتات من كل نوع، وفقط لفرض فكرة التايور بكل موديلاته. جاكيت طويلة ومخصورة فوق بنطلون او تنورة. على بعد عشرة كيلومترات من باريس، في محطة منطقة سانت وان، عُرضت مجموعة "دري فان نوتن". ساحة العرض رملية على الطبيعة كما الموديلات البسيطة التي سادها البنطلون وفوقه ثوب طويل وفتوح. ولا تسريحة إلا وتشبه تسريحة الخادمات وقد لففن رأسهن بمنديل. وعودة الى الثوب عند "كورين كوبسون"، والى تايور السبعينات عند "بربارة بوي"، والى القماش المحبوك كالحبال عند "مارسيل مارونغوي". لكن يبقى الكبار هم "المستأثرون بالأضواء. جون غاليانو الذي صمم لجيفنتشي لآخر مرة قبل ان ينتقل الى دار كريستيان ديور ليصمم له مجموعة كانون الثاني يناير 1997، لم يقدم إلا أزياء راقية في صيغة الأزياء الجاهزة. أثواب طويلة حتى الرسغ او قصيرة حتى الركبة، أنيقة جداً، لكن ذهنية تجارية ترافقها. موسيقى الغجر تهادت عليها العارضات. رياح التغيير كل شيء كان متحركاً في مجموعة "لوليتا لامبيكا": تايور - البنطلون والثوب الطويل وتنانير طويلة وجاكيتات واسعة وألوان بنفسجية وصفراء. كأن لوليتا نقلت الحضور الى احدى طرقات الكاتموندو في الصين البعيدة. تألقت كلوديا شيفر كالعادة في عرض شانيل الذي حافظ فيه كارل لاغرفيلد على ذهنية صاحبة الدار العتيدة الراحلة كوكو. موديلات شانيلية بأزرارها المذهبة المعروفة لكن بذهنية عصرية. كارل لاغرفيلد أدرك روح التغيير التي ستهب على داري جيفنتشي وكريستيان ديور وقد تغير المصمم في كل منهما. هكذا اضفى التغيير قبل سواه حين فرض القميص الابيض والكرافات السوداء تحت تايور شانيل المحافظ على كلاسيكيته، وفرض الاثواب تحت معاطف رقيقة وبألوان بنفسجية وحمراء وبرفقة احذية ملوّنة. وكان ختام عرض شانيل بأربعين عارضة ارتدين أثواب السهرة من الأورغنزا وجميعهن بألوان الباستيل. كانت السيدة بومبيدو زوجة الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو وأنوك ايميه وأوليفيه بيكاسو، بين حضور عرض سيلين. السموكنغ كان السيّد للنهار كلاسيكي وللأمسيات ساتاني. لكن اربعة اسابيع من عروض الأزياء الجاهزة بين ميلانووباريس، واكثر من مئة وخمسين عرضاً تنافس عبرها المصممون، تتلخص في عودة الثوب لربيع وصيف 1997، ومن دون منازع