افتتح أرماني موسم عروض الأزياء لشتاء 95 - 96 في مدينة ميلانو الايطالية الحالمة بثلاثمئة موديل تهادت بها خمس وستون عارضة جميلة امام الف ومئتي مدعوة ومدعو. وكان العرض غريباً على صورة ما يجري في ايطاليا الآن. مستودع لاستخراج المعادن يعود الى أوائل القرن الحالي، مساحة أربعة آلاف متر، استأجره أرماني لعرض مجموعته امام الحشد الضخم الذي تصدره كل من اورنيلا موتي، كلوديا كاردينالي، ايزابيل هوبر، كريستوف لامبير وأيريك ملامبتون. ومن التصميم الأول تعرف الحضور الى الموضة الشتائية المقبلة القائمة على الجاكيت الذي يعتبر ارماني خياطها الاشهر في العالم، وفوق تنورة او بنطلون بكل قصاتهما المختلفة. وأدهش ارماني خياطها الاشهر في العالم، وفوق تنورة او بنطلون بكل قصاتهما المختلفة. وأدهش ارماني الحضور في اثواب السهرات المطرزة الطويلة حتى اضفاء الحذاء الفخمة في قماش المخمل والأورغنزا. لكن بقية المصممين الايطاليين، كما أرماني بالذات، مع محاولتهم لاضفاء عمق الازمات التي تعصف في بلدهم الجميل، فهم لم يتمكنوا من ذلك كثيراً. هكذا ظهر المبتكرون الايطاليون خجوليين في عرض موديلاتهم بألوانها الرمادية والسوداء الطاغية على الألوان الأخرى. ففي عرض جياني فيرساس تهادت العارضة الشهيرة كلوديا شيفر في تايور أبيض. وتنورة ضيقة حتى الركبة وجاكيت "كروازية" بسيطة بستة ازرار وتسريحة كأن صاحبتها خرجت من الحمام للتو ومثلها كانت زميلاتها في تايورات مختلفة يؤكدن على شتاء أناقته كلاسيكية صارمة، وان عقصت بعضهن خصيلاتهن من الوراء على شكل شينيون. التايور سيد الساحة وفي جميع عروض المبتكرين الايطاليين في ميلانو، كان التايور سيد الساحة يحمل ياقة الستينات الكبيرة. وبالنسبة الى المعاطف فقد قدم ماكس مارا اجملها فعلاً وفي ستة الوان هي الابيض والأسود والكحلي والأحمر والرمادي والرملي. معاطفه طويلة استعاد عبرها اناقة الثلاثينات. وكذلك الأمر عند فيراجامو الذي قدم تايوراته لامرأة جدية كثيراً لكنها مضطرة للتنازل عن جديتها اذا ما أرادت اعتناق اثوابه الطويلة الحالمة. وما عرضته جيني كان يدور في حلقة البساطة ذاتها لكن بالتأكيد على القصات الرجالية في تايورها الذي مال مع زملائه الى الوان البنفسج والخضرة. واختارت جيني اللون الرمادي يعم اثواب الدانتيل الطويلة بأكمامها الطويلة ايضاً من اجل عشاء فخم. كذلك بانت الامسيات رمادية عند ألما. معاطفها سوداء وياقاتها كبيرة. وللنهار فرضت ألما التايور برفقة حزاء بكعب عال وحقيبة مستطيلة تحمل باليد فقط ونزل الموسلين الى الساحة عند فيراجامو الذي بدأ عرضه بتايورات لون جاكيتاتها مخللي وتنانيرها بنفسجية فاتحة لحقت بها الجاكيتات من نوع الرادنجوست الذي وصل طولها حتى الركبة. ولوحظ في عرض كوكشي ان أنيقته الشتائية ستكون في العام 1996 كإبنة العشرين. وهذا ما اعجب عارضتيه الشهيرتين شيلا وفرانسواز هاردي اللتين كانتا تنزلقان في موديلاته نحيلتني كالإبر. فبنطلونات كوكشي ضاقت كثيراً وطالت حتى غطت الحذاء بكعبه العريض جداً. كثير من الجورسيه والموهير عند تروساردي والقصات مثل قصات القفطان. لكن اللون السائد بقي رمادياً وان ضحك بعض الشيء في لون الزرقة الشاحبة الذي سرقته تنورة من الأورغنزا تحت جاكيت من الجلد. وكان تروساردي ورث حبه للموديلات الجلدية من جده صانع القفازات الشهيرة. وفرض جيانفرانكو فيري حمايته الفعلية على الموضة الشتائية المقبلة التي عرضها في ميلانو قبل ايام من نزوله الى ساحة العروض الأزيائية الابتكارية في باريس. وكل موديل من موديلاته كان ينافس الآخر في الفخامة وحصر الخصر والطول حتى الاقدام. أولوانه كانت الاسود والابيض وقصاته كأنها مسروقة من جاكيتات الموسيقيين الكبار في الأوبرا الشهيرة. من جهة اخرى وعلى مدى عشرة أيام احتلت القاعات الاربع في مختلف اللوفر الجديد في باريس عروض الأزياء الجاهز التي كانت بمثابة استعراضات فنية بحد ذاتها. ومع ان فيلم روبرت التمان يعرض حالياً في قاعات السينما الفرنسية بعنوان "الموضة الابتكارية الجاهزة"، فهو يبقى. تحت المستوى الذي هو حقيقة عروض الازياء الابتكارية التي يقام مهرجانها مرتين في السنة، والاستعداد لكل منها يبدأ قبل ستة اشهر على الموعد المقرر. وها هي بعض اللقطات منها: 25 ألف متر من القماش غير القابل للاحتراق، 50 كيلومتراً من الكابلات الشريطية، 7 آلاف مسمار، 500 متر مكعب من الخشب، 900 بروجكتور، 300 داعمة، 240 مرآة، ومن دون نسيان الاربعين شاحنة لنق الثمانية وثلاثين طناً من الديكورات. وهذه الترتيبات هي مهنة بحد ذاتها تبرر اجرة القاعة التي تتروح بين 100 و250 ألف فرنك والتي تتسع لتسمئة الى ألفي مقعد. هذا كله يدخل في حساب المصممين الذين يعرفون ايضاً ان مهنتهم تشغل مئات الأيدي العاملة من كل مهنة وفن. ولأنها هكذا فهي لها مكافأتها. ففي اثناء العروض كان الرئيس فرنسوا ميتران يعلق على صدر لوي فيرو وسام الشرف في حفلة اقيمت في الايليزيه، ولشدة الاقبال على عروض الازياء الجاهزة هذه، فالفوضى تدب احياناً في قاعات العرض ويحدث تأخير كبير في تقديم العروض عن المواعيد المقررة لها. وهذا ما جعل مجلات فرنسية من امثال ايل وماري كلير وفوغ ومجلة الفيغارو وصحف اخرى تقدم انذارات الى المصممين لمنع التأخير. وكان المصمم الكبير يوجي يماماتو هرب ثلاث مرات من اللوفر ليعرض ازياءه في قاعات جامعة السوربون، لكنه حرب عليه ذلك بعد القاء كارل لاغرفيلد محاضرته فيها وسبب كثيراً من الفوضى. وقد فضل أنريكو كوفيري فندق الريتز لعرض مجموعة ازياءه ودفع مئتين وثلاثين الف فرنك عن يوم عرضه. ومن المعروف ان يتم حجز الفنادق الكبيرة قبل ستة اشهر من موسم عروض الأياء، ولأشهر المشترين من اليابان والولايات المتحدة الاميركية ولرئيسات تحرير ومحررات من انحاء العالم وللعارضات اللواتي يتقاضى بعضهن مئة ألف فرنك من العرض الواحد، ومنهن كلوديا شيفر التي ابدلها كارل لاغرفيلد هذه المرة بفيرونيكا بائعة الاسطوانات في ميامي. وهذه عمرها تسعة عشر عاماً، ولن يلزمها اكثر من سنتين لتصبح مليونيرة. ويبقى الحديث يدور ايضا عن المصورين الذين يبلغ عددهم ثلاثمئة في عرض لإيف سان لوران اومونتانا. وكم يتمركز هؤلاء في امكنتهم ساعات ليحافظوا على المكان الافضل لالتقاط الصور، وحيث يبلغ ثمن الريبورتاج الواحد لأجمل اللقطات وأغربها خمسة آلاف فرنك. في هذه الاجواء المثيرة افتتح ديور موكب التسعة وثمانين مصمماً اظهروا تشابههم في الخطوط الموضوية العريقة غير البعيدة عن خطوط الايطاليين، الا وهي العودة الى الكلاسيكية لكن الفخمة التي لوحظت في المئة موديل التي قدمها ديور والذي جعلها عبر المصمم جيانكو فيري تناسب الفرنسية كما الشرقية. لقد اعاد ديور جلد النمر الى الساحة في ثوب ضيق ترتديه امرأة ترفع شعرها بشكل شينيون. ومثله جاء عرض كريستيان لاكروا يعكس في موديلاته نفحة الموضة الراقية. وهو على خلاف الايطاليين جعل الانيقة تتفجر الواناً في عز النهار الشتائي لسنة 96. وللسهرات اعاد تطريز القرن الثامن عشر لسابق عهده. وجاءت دانيال ميتران تحضر عرض موغلر وجلست بين الوزير السابق جاك لانغ وزوجته. وما عدا التيايورات التي بدأ بها عرضه، فهو احيا شخصية مارلين مونرو عبر اثواب السهرات المتلألئة والضيقة التي لم يستطع ان يخطف الانوار عن المصممة سونيا ميكيل. اذ كان لا بد لهذه المصممة من ان تلفت الانظار بكيلومترات فراء للثعلب الاصطناعي الذي جعلته يطغى على موديلاتها. بالأبيض انزل كاستلبا جاك مجموعة موديلاته من التايورات التي احتلتها البنطلونات بالاجماع. وعادت المصممة ان دومولستر الى تنانير طالبات المدارس وفوقها جاكيتات تقفل من الوراء. وكان انتظار الجمهور طويلاً لعباقرة الموضة ممن يجمعون بين الراقية منها والجاهزة. وهؤلاء هم: غولتيه وشيروتي وكارل لاغرفيلد وكنزو ومونتانا وأونغارو ولانفان وإيسي ميناكي. وهذا الأخير الذي يصمم للأنيقات في العالم منذ خمس وعشرين سنة، بدا في عرضه انه لا يزال يعتقد ان الثياب هي وسيلة تواصل صامت. بالنسبة اليه، وعلى عتبة نهاية قرن، ان العمر لا يهمه وان العالم سيرتدي في الغد ما هو خفيف وجميل. وكان مونتانا مهندس موضة حين عرض موديلاته في قصر شايو على مرأى من برج ايفل وأصر في هندسته على التايور الجلدي. واختار جان بول غولتيه قاعة التريانون في منطقة البيغال الساخنة دائماً ليقدم مجموعته التي بالغ فيها بالجاكار والليكرا وبالاكسسوار من الشرائط والفراء والقفازات. وقدم جون غاليونو 23 ثوباً تحت الثلج، وحيث ان عرض موديلاته في مستودع تابع لادارة السكك الحديد وبدأه بتايورات بحرية وختمه بالأثواب المذكورة للسهرات التي تلقت الثلج الاصطناعي لإضفاء جو خاص على المكان المتقشف الذي عرضت فيه. أناقة المرأة المثالية برزت بكل خصوصيتها عند اونغارو. فقد احد ازدواجية التايور بالتنورة الايكوسية الواسعة بالجاكيت بلون واحد. ولعب لعبة الثوب وتحته بنطلون بازدواجية جلد النمر بتعاكس طبعاته الكبيرة والصغيرة، وجاء كارل لاغرفيلد بتايورات عاقلة هذه المرة جاكيتاتها بجيوب لاصقة عسكرية. وبرزت الياقة الفرائية الكبيرة جداً في جاكيت شيروتي، وفي حين زاوج هيرمس بين المعطف الكلاسيكي المخصور وثوب السهرة من التفتا وجعل جاكيت التايور مثل جاكيت الجوكي على ظهر جواده. وحول كنزو الأوبرا التي عرض فيه الى قصب شمالي او جنوبي حيث جاءت جميع تايوراته بلون ابيض تنورتها ضيقة لامعة وجاكيتاتها تحمل كثيراً من الفراء الابيض. اما لانفان فتايوره رجالي تماماً خصوصاً ان البنطلون طغى على جيع موديلاته. والجاكيت مستعارة من القرن التاسع عشر. الموضة الانكليزية المتمردة قاطع ثلاثين حافياً عرض الانكليزية فيفيان ويستوود بسبب تأخر عرضها أربعين دقيقة عن الموعد المحدد. وفات هؤلاء استعراضاً مثيراً، الألوان من كل نوع في اثواب مخصورة انتفخت تنانيرها من الخلف كما كانت اناقة ملكات وأميرات البلاطات الفرنسية، والقبعات تنافست فيها الازهار والريش تزييناً. وكأن هذه الانكليزية تتحدى اقطاب الموضة الابتكارية في عقر دارهم. ولعب المصمم هيلموت لانغ لعبة القصات في الجاكيت المخصورة، وكان الخصر الدقيق بارزاً في اثواب ايضاً. ونافس بذلك الفرنسية مارتين ستبون التي طغت الفراشات من التول الابيض على تصاميمها. اما المصمم الشاب روبرت ميرلوز فقد كان باعه طويلاً في جعل موديلاته قطعاً صغيرة، وكأنه يداعب الموضة ويخرجها عن اية جدية ممكنة. عقلنة الموضة اليوم الخامس لعروض الأزياء اكد على العودة الى العقلنة وابتكار موضة من السهل تطبيقها. عند شانيل ابتكر لاغرفيلد تايوراً جاكيتته كأنها قميص للعمل. وفعل ذلك بوقوعه على صورة لكوكو شانيل التقطت لها سنة 1937. وفاجأ كوريج جمهوره بإحيائه الستينات واستخدامه البلاستيك بدلاً من القماش. والمرأة في تايوره لونها فضي لامع. بالانسياغا جعل التنورة تقف عند الرسغ وقماشه كان من الموهير. وللسهرة ابتكر مصمم روشا، بيتر اوبريان، التنورة الطويلة، الواسعة والمخصورة. وودع هوبير جيفنتشي عروض أزياءه الجاهزة بأناقة فخمة وبسيطة جعل الأكف تصفق لكل تايور من تايوراته بتنورتها القصيرة والجاكيت التي تنزلق الى ما تحت الخصر. لقد قرر جيفنتشي الذي يظهر دائماً بعد كل عرض بصدرية عمله البيضاء، ان يتقاعد، ويا للأسف. ومزج جاك فات التويد بالقول وجعل ياقة التايور عريضة للغاية. وأصرت شانتال توماس على الثوب الضيق من دون ياقة، وكذلك جعل روميو جيجلي موضته تدور حول الجاكيت. وهكذا انتهت عروض الأزياء الجاهزة، التي ركز فيها المصممون على التايور كأساس واختلفوا عن بعضهم في التفاصيل التي تعكس شخصية كل منهم.