على مدى ستة أيام متتالية تنافس واحد وعشرون مصمماً من دور أزياء راقية في قاعات العرض في اللوفر الجديد وبعض الفنادق الفخمة في باريس، على أجمل مبتكرات الموضة لربيع وصيف 1995. وجاءت العروض المتنافسة على عارضات صرن تقليديات حتى الساعة، مع غياب بعض الوجوه منهن، تطرح موضوع عودة الى الأنوثة مع تلبية بعض المتطلبات الموضوية التي تُبقي على الطابع الخاص لكل مصمم. وباختصار، ان مفتاح الجاذبية في الموضة الصيفية الجديدة هو التقنية. لقد ولدت الجاذبية من التقنية، وهذه التقنية هي تقنية الخياطة، يقول جياني فيرساس الذي طبق نظريته على موديلاته. انها الستينات العائدة أناقتها بقوة الى الساحة وعند جميع المصممين من دون استثناء. وليس فقط في التايور ذي الجاكيت المخصورة والكم القصير، بل أيضاً في التسريحة التي تذكر بشهيرات السينما حينها. جاكيت جياني فيرساس لا تترك الهواء يدخل بين القماش والبشرة. أزرارها متقاربة، تحصر الوركين فوق تنورة مشقوقة وضيقة تهبط تحت الركبة. ثوبه من دون ياقة ولا أكمام وبلون أسود. والموسلين للأثواب الطويلة حمل فرانسواز ساغان الكاتبة الفرنسية الشهيرة في الستينات، التي حضرت عرض فيرساس، على القول: "انها أناقة أعيد اعتبارها وتثير ذكريات الأوقات السينمائية الكبيرة". ودائماً تعتمد الدور الكبيرة على وجود شخصيات نسائية معروفة، على الساحة السياسية خصوصاً، في الصفوف الأولى. ومن أفواه هؤلاء تُلتقط التعليقات على العروض وتضاف الى التعليقات الشخصية. وهذه المرة غيّرت دار نينا ريتشي استراتيجية عروضها، فغيرت قاعة الفندق الكبير التاريخية المعجوقة بالتماثيل والرسوم الجميلة التي كانت تعرض فيها عادة، واختارت قاعة ديلورم في متحف اللوفر الجديد. وهذا ما سمح برؤية برناديت زوجة المرشح العتيد لرئاسة الجمهورية، جاك شيراك، الى جانب زوجة جاك توبون وزير الثقافة الفرنسي، في الصف الأول المواجه تماماً لمنفذ خروج العارضات على خشبة المسرح الذي أحيط بما يشبه الشاشة السينمائية لاضفاء مزيد من الجمالية الاخراجية على جو العرض. وما قالته السيدة شيراك بعد انتهاء تهادي العارضات بالموديلات الشاعرية: "هذا جميل جداً لكنني لا أحب تنانير المساء المفتوحة من الخلف". لكن مع عودة نينا ريتشي الى السنوات الميسورة، فقد بقي المصمم جيرار بيبار محافظاً على أبهة الدار مغيراً فقط الألوان التي لم تعد أزهاراً كما السنة الماضية، بل حلَّ محلها التنقيط والمقلم والتداخل، وألوان الشمس وخضرة الطبيعة ومشتقاتها. ياقات مجنحة وخصور دقيقة وتنانير فضفاضة بأبهة للسهرات، وتايورات وأثواب تنانيرها تأخذ في الاتساع قليلاً وتسقط الى حد الركبة. وزيرات في العروض كذلك كانت اديت كريسون رئيسة الوزراء السابقة، مع زوجها في عرض تورنت. فهي لا ترتدي تايوراتها إلا من هذه الدار. ومثلها وزيرة الشباب والرياضة الحالية ميشيل أليوت ماري التي كانت في العرض أيضاً وقالت معلقة: "إن جاكيتات تورنت تناسبني وتريحني". وعروض تورنت بالاجمال عكست استراتيجية جعل الشابة أكثر شباباً لكن مع كثير من الرصانة والتعقل. ثوب قصير بياقة كبيرة وتايور طالت جاكيتته. قوس القزح للأمسيات وعروس سنة 1900 جاءت تفرض أناقتها على عروس سنة 2000 بتنورتها الكارو أبيض وأسود وبلوزونها المطرز كثيراً في الأكمام والياقة. ولعلّ هذه الجمالية الشابة والرصينة ما حمل المغني داني بريان، الشهير بأغنية "ليست الا الصبايا ما يهمني"، على الصعود الى خشبة العرض وتهنئة العارضات. في الوقت ذاته كان الشاب الايطالي الوسيم موريزيو غالانت يعرض مجموعة أزيائه في أحد الغاليريات في ساحة فوغ التاريخية في باريس. موديلات نافست التماثيل واللوحات دقة عمل. وقد قال غالانت أن بعض أثوابه تطلب الواحد منها ثلاثة أسابيع عمل وخمسين متراً من الشرائط الحرير. وشابهه في الفخامة جيانكو فيري مصمم كريستيان ديور الذي خطفت ألوان أثوابه الخضراء والصفراء والزرقاء الفاقعة الأنظار. جيانكو استوحى الرسام سيزان باختصار، على الموسلين والحرير اللذين توهجا عبر التنانير المنفوخة. وتصاميم ديور تميزت بإنزال الرادنجوت الى الساحة فوق بنطلون متسع. ولم تقل موديلات جان لوي شيرر أبهة تطريزية عن ديور، وهذه المرة عبر برنار بيريس الذي بدأ يصمم للدار الشهيرة. وبرع بيريس في تقديم البنطلون والبلوزون وقبعة المستقبلين لنزلاء الفنادق الشهيرة. وللسهرة استوحى أثواب مارلين مونرو بكل بساطة. ولأن أوليفيه لابيدوس صار اختصاصياً بأناقة أميرات الشرق، وصار يستوحي الكثير من ذهنية رفيقة عمره اللبنانية، فقد صمم موديلاته بطابع التقنية العملية والجميلة، خصوصاً في التايورات المطرزة التي تتغير ألوانها عند الحركة وعبر أثواب السهرة المعلقة على الكتفين بتهدل. ثم كان دور كارفن التي نقلت الحضور الى السماء السابعة. سماء زرقاء تجتازها غيوم بيضاء مرسومة كلوحة على قامة تطول تحت جاكيت قصيرة. وكارفن اختارت الزنار المطرز ليحيط بخصور أثواب السهرة، وألوانها تنهل من الربيع خضرته ومن الصيف شروق ألوانه الوردية. كل هذا مع تغيير بعض الشيء في روزنامة العارضات الشهيرات من أمثال ليندا ايفانجيلستا وناومي كامبل وكريستي تورلانكتون. وهذه الأخيرة، رفض ديور أن يدفع مبلغ الخمسة وعشرين ألف دولار التي طلبتها أجراً لعرضها، اضافة الى ثمن تذكرة طائرة الكونكورد وغرفة بملحقاتها في أوتيل الريتز. ولهذا لم ترفع كلوديا شيفر أجرها عن المئة ألف فرنك خشية أن تفقد كزميلاتها المجيء الى باريس ولا تعود تتمتع بالتهادي بآخر صرعات المصممين الكبار. ولهذا ربما حطت الأنظار عليها كثيراً في عرضها لموديلات شانيل التي صممها لاغرفيلد. بدت رشيقة كعادتها، وغناجة بشعرها الأشقر، لكن ليس هذا بالذات سبب لفت الأنظار اليها، بل التايورات"الشانيلية" المعتادة التي عرفت كيف تبرزها ببعض التغييرات التي حصلت فيها للربيع والصيف المقبلين. والحق ان موديلات شانيل قطعت الأنفاس بكلاسيكيتها، بالطابع الذي يميزها وبمواكبتها التجديد الذي يستعد له لعام 2000. وبعضه برز في البلوز المعجوق تحت الجاكيت القصيرة بأزرارها المعروضة على الأكمام والصدر، ثم بأثواب السهرة الموسلينية الكحلية الشفافة. وكانت كلوديا هي التي أنهت حكاية الحب الفنية بثوب العرس حيث تهادت به وسط ست وصيفات شرف، كان لا بد من شهقة حلم وغيرة. وفي عرض أونغارو تهادت العارضات ب 44 تصميماً أمام أنظار السيدة بالادور. الخصر نحيف والورك مستدير، وفكرة المصمم أن يجعل القامة أجمل منحوتة. وهذا بخلاف هوبير جيفنتشي الذي شدد على التايورات الكلاسيكية والثوب - القميص بياقته المثناة وبألوان الأبيض والكحلي، وللمساء جعل التنانير منفوخة ومرسومة بأزهار كبيرة، وكان العرض فعلاً كمهرجان رقص الفالس. ولفت لوكانيه هيمانت الأنظار بأثوابه البلاستيكية وحتى في القبعات جعل البلاستيك يتحول الى قطع فنية. عناوين أخرى طرحها مصممون شهيرون على الساحة الموضوية، وجميعها هذه المرة مسروقة من الخمسينات. من زمن هوليوود الأول. غي لاروش استوحى هيتشكوك خفية، جرى عرضه في فندق الريتز، وكان لا بد للحضور من تذكر غريس كيلي، ايف سان لوران راجع موديلات تايوراته الكلاسيكية، لكنه أدهش الجميع بأثواب سهراته المخصورة والملونة. بيار بالمان أنزل الى الساحة سيدة جميلة جداً في أناقتها، مع بعض اتساع في الياقة الكبيرة والموروبة وبعض عرض في الزنار الذي يحمل عقدة. هناي موري جاءت موديلاتها بعنوان السمكة هذه القادمة من اليابان قبل أن يقضي زلزال كوبي على الكثير من حلم الأسماك. وواكب باكو رابان زميلته اليابانية - الفرنسية في حبه للأبراج وتوقيع موديلاته ببصمة برج الدلو، وهذا البرج يعني أن المرأة تتفوق على الرجل، لكن بنظر رابان تتفوق أناقة عبر أثوابه المعجوقة بثنيات بلاستيكية. أما كريستيان لاكروا فكعادته جعل الأكف تصفق وربما لفخامة أقشمته وألوانه التي طغت على دقة مقصه. هذا هو قانون التجديد.