إسرائيل تؤكد مقتل خليفة نصرالله ومرافقيه    آل زلفة: الصدفة قادتني ل 1000 وثيقة في متجر لبيع الصحون وقدور الطبخ!    اليوم العالمي للمعلم    وزير الخارجية يستقبل وزير أوروبا والشؤون الخارجية في الجمهورية الفرنسية    هل تهاجم إسرائيل إيران 7 أكتوبر؟    الأهلي يُخطط للجمع بين صلاح وفان دايك    ضبط (22094) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    زيلينسكي: سأطرح "خطة النصر" في اجتماع الحلفاء في ألمانيا    الإدارة العامة للمرور تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    ثاني أكبر روافد نهر الأمازون بالبرازيل يسجل أدنى منسوب للمياه بسبب الجفاف    "سلمان للإغاثة" يدشّن مشروع توزيع المساعدات الغذائية للأسر الأكثر احتياجًا في جمهورية قرغيزستان    يزيد الراجحي يعود إلى رالي المغرب مع طموحات الحفاظ على اللقب    جمعيتي "طويق" و"العمل التطوعي" تحتفلان باليوم الوطني بعشرة أركان تفاعلية    اليوم عرسك    رياح مثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض والمدينة    "المركزي الروسي" يرفع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    العربي يتغلّب على العين بثلاثية في دوري يلو    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    حائل: القبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أحلام على قارعة الطريق!    فِي مَرَاحِلِ الرِّوَايَةِ السُّعُودِيَّةِ    الشاهي للنساء!    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذبحة السلام في الحرم الابراهيمي

هل قتلت كل آمال السلام مع المصلين الذين استشهدوا بالرصاص الاسرائيلي في الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل؟ وماذا سيبقى من اتفاق اوسلو ومن قوة الدفع التي وفرتها المصافحة في حديقة البيت الابيض في 31 ايلول سبتمبر الماضي؟ وهل ستستطيع المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية تجاوز الانعكاسات الواسعة لهذه المذبحة حتى ولو توقفت المفاوضات لبعض الوقت بانتظار امتصاص اجواء اليأس من السلام والتي اشاعتها المجزرة البشعة؟
اسئلة كثيرة قفزت الى الواجهة في تلك الدقائق من صباح 52 شباط فبراير حين ادرك العالم حجم المذبحة والمكان الذي ارتكبت فيه7 واتفق المراقبون على ان ما حدث سيفرض على المعنيين بعملية السلام التعاطي مع بنودها بطريقة اخرى هذا طبعا بعد التأكد من قدرة العملية نفسها على تجاوز هذا الامتحان الخطير7
وتساءل كثيرون عن احتمال ان تكون المذبحة بمثابة الشرارة لانتفاضة جديدة تلهب الاراضي المحتلة وتتجه بصورة واضحة ضد جهود السلام وما انجز منها حتى الآن7
ماذا بعد المجزرة
وقال مصدر فلسطيني ل الوسط: جاءت المجزرة البشعة في وقت مؤلم فعلا7 فالمنظمة تسعى لاستكمال المفاوضات مع اسرائيل بشأن غزة وأريحا وبدأ البحث جدياً في موعد قيام السلطة الفلسطينية هناك وكذلك موعد توجه الرئيس ياسر عرفات الى المنطقة التي ستنسحب منها اسرائيل7
واضاف: كنا نحتاج في هذه الفترة الى اجراءات لبناء الثقة اي الافراج عن معتقلين ووقف الملاحقات والصدامات من اجل اقناع سكان الاراضي المحتلة بامكان التعايش دون مواجهات دامية7 ما حصل هو العكس تماماً فقد ظهر ان الفلسطينيين هم الذين يحتاجون الى ضمانات لأمنهم وليس العكس7
وقال المصدر: يصعب بعد اليوم تحريك المفاوضات او تحقيق تقدم ما لم يطرح جدياً موضوع المستوطنات والمستوطنين وكذلك موضوع توفير قدر من الحماية الدولية للسكان العزل في الاراضي المحتلة7
اثارت الجريمة موجة من الذهول والغضب في عواصم العالم العربي والاسلامي ودانتها مختلف العواصم الكبرى7 واعربت مصادر ديبلوماسية غربية عن تخوفها من ان تكون الجريمة بداية لاسقاط آمال السلام ومؤشراً على انتقال معسكر المتطرفين في اسرائيل عن مرحلة الاحتجاج على السلام الى مرحلة اطلاق النار عليه7 وبعد قليل من انتشار النبأ اقدم شاب اردني من اصل فلسطيني على طعن سائح بريطاني في عمان واصابه بجروح طفيفة7 وقالت مصادر امنية في العاصمة الاردنية ان الشاب الذي هاجم السائح كان في حالة غضب بعد سماعه نبأ المجزرة7
ناجون من المذبحة قالوا ل الوسط ان شاباً يرتدي ثياب ضابط اسرائيلي دخل المسجد وارتكب الجريمة وان شخصاً آخر كان يعاونه ويزوده بالرصاص7 وقال بعضهم ان الرصاص اطلق من مصادر عدة فانتشرت الجثث داخل المسجد وسال الدم وسادت حالة من الهلع7
وفي الساعات الأولى للحادث احاط الغموض بمصير مطلق النار الذي ذكر انه يدعى باروغ غولدشتاين وهو طبيب من مستوطنة كريات اربع المجاورة وضابط احتياط في الجيش الاسرائيلي7 فقد ذكرت انباء انه انتحر وترددت انباء اخرى بأن قتل ولكن لم يتضح مصيره تماماً على الفور7
وسارعت السلطات الاسرائيلية الى فرض حظر التجول في مدن الضفة وغزة وشهدت انحاء متفرقة فيهما صدامات عنيفة بين المصلين وعناصر الجيش الاسرائيلي7
كيف وقعت المجزرة
كانت مدينة الخليل هادئة فجر الجمعة الخامس عشر من رمضان الكريم حين ارتكبت ابشع مجزرة في تاريخ النزاع7 الساعة الخامسة صباحاً وفيما يؤدي اكثر من 0051 شخص الصلاة في المسجد فاجأهم ضابط وتردد انه كان بصحبة رفاقه وأمطروا المصلين برصاص بنادقهم بشكل عشوائي ما أدى الى استشهاد 73 على الفور وجرح ما لا يقل عن 7002 توفي بعضهم لاحقاً لترتفع حصيلة المجزرة الى اكثر من خمسين7 وعلى الاثر توجهت قوات مفرزة من الجيش ورجال الامن الشاباك واحتدمت المواجهات مع الشبان الفلسطينيين في المحيط وأطلق الجنود الاسرائيليون النار ما ادى الى سقوط اربعة شهداء وعدد آخر من الجرحى7 وهرعت سيارات الاسعاف من انحاء الضفة الغربية لنقل المصابين الذين غصت بهم المستشفيات وتجمع الاهلون امام مستشفى عاليه الحكومي للاستفسار عن مصير ذويهم7
صدامات مع الأهالي
وسرعان ما اصطدم الاهالي بالجيش الذي حاول اقتحام المستشفى ودارت مواجهات أخرى سقط فيها أربعة شهداء آخرون، وعلى أثر سماع الانباء المأسوية الدامية اضطرب الوضع الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث سقط شهيد في رفح وتم فرض حظر التجول على القطاع وطولكرم ومناطق أخرى7 السيارات المدنية جابت أرجاء مدينة الخليل داعية كل المواطنين الى التوجه الى المستشفيات للتبرع بالدم وانقاذ حياة العشرات بل المئات الذين تركوا دون رعاية7 أعلن الجيش الاسرائيلي المدينة منطقة عسكرية مغلقة منعاً لدخول وسائل الاعلام والصحافة7
وأعادت الجريمة الى الاذهان مذبحة ريشون ليبسيون ومذبحة الاقصى وغيرها من أعمال التطرف وأكدت ان المستوطنين يشكلون القنبلة الموقوتة التي تقتل الفلسطينيين دون تمييز7 وقال السكان ان ادعاء المسؤولين الاسرائيليين القدرة على توفير الحماية لكل المؤمنين خدعة لا تنطلي على أحد7
ردود الفعل الغاضبة جاءت أولاً من تونس، من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي اعتبر ان تعرض الفلسطينيين لمثل هذه المذبحة يفرض توفير الحماية الدولية لهم7 وفي هذا الاطار طلب عرفات انعقاد مجلس الأمن للنظر في التصرفات الخطيرة للمستوطنين تحت سمع وبصر السلطات الاسرائيلية7 وناشد عرفات المجتمع الدولي والرئيس الاميركي بالذات الاسراع في توفير الحماية لسكان الأرض المحتلة7 فيصل الحسيني وزياد أبو زياد عضوا الوفد الفلسطيني اكدا على ضرورة وضع حد لأعمال الارهاب والفصل بين المستوطنين والفلسطينيين وبتجريد المستوطنين من سلاحهم7 اما ردود الفعل الاسرائيلية فكانت في مجملها شاجبة للعملية لكن زعيم الليكود بنيامين نيتنياهو اضاف بأنه يخشى ان يكون الكثير أمثال هذا المعتوه في صفوف المستوطنين7 اما وزير الاسكان الاسرائيلي بن اليعازر فأكد على ضرورة تطبيق اتفاق المبادئ بشكل سريع7 احزاب أخرى قالت بأن الفعلة ربما ينتمون الى حركة كاخ العنصرية7
عقدة المستوطنات
أعادت مجزرة الحرم الابراهيمي تسليط الضوء على مشكلة الاستيطان والمستوطنين7 فعندما وصل الجنود الاسرائيليون الى مستوطنة ياميت في سيناء في ربيع العام 1982 لاجلاء المستوطنين عنها استقبلهم المستوطنون الذين كانوا يعارضون الاجلاء بالتحية المعتادة، من قبضات الايدي واللكمات وخراطيم المياه والزجاجات الفارغة7 الا ان اقوى التكتيكات التي لجأ اليها معارضو السلام مع مصر كان السلام الوطني الاسرائيلي، اذ كان المستوطنون الذين يقفون عند الحواجز التي أقاموها على الطرق والممرات يبدأون في انشاد النشيد الوطني حين يتقدم الجيش نحوهم7 وشعر مجندو الجيش الشباب بحرج شديد وحيرة: كيف يمكن لهم ان يعتقلوا مواطنين اخوة لهم يرددون النشيد الوطني؟ بل أليس من واجبهم ان يقفوا في حالة تأهب ويؤدوا التحية العسكرية؟
وهكذا نجد المستوطنين الذين يعارضون اعلان مبادئ أوسلو هذه الأيام يستخدمون الحيلة نفسها ويحذون الحذو نفسه7 فالجيش وجد نفسه عاجزاً عن التصرف امام كل حاجز من حواجز الطرق التي اقامها المستوطنون في الضفة الغربية خلال الشهرين الماضيين7 ومع تصاعد سحب الدخان المنبعث من اطارات السيارات المحروقة ووقوف الفلسطينيين الذين يحاولون التوجه الى مراكز أعمالهم في صفوف طويلة، يستريح المستوطنون من عناء الاحتجاج ويباشرون في أداء الصلوات والدعاء لفترات طويلة من الزمن7 فقد صدرت أوامر صارمة القوات الجيش بعدم ازعاج المستوطنين وهم يصلون وعدم السماح للفلسطينيين بعبور الطرق التي أقيمت عليها الحواجز7 وما دام المستوطنون يؤدون صلواتهم لا يستطيع الجنود أن يحركوا ساكناً7
والواقع أن في هذه المشاهد من المسرح السياسي الاسرائيلي نوعاً من التورية، نظراً الى ما اظهرته حكومة اسحق رابين من تناقض ازاء الاتفاق الذي وقعته مع منظمة التحرير، اذ يقول أحد كبار الصحافيين الاسراذيليين ان رابين يحاول تحقيق المستحيل لأنه يحاول أن يجعل من الدائرة مربعاً7 فهو يريد الانسحاب وفي الوقت نفسه عدم اخلاء اي مستوطنة7 ومع ذلك فان اسرائيل تشهد هذه الأيام نقاشاً لم يسبق له مثيل لجدوى الاستيطان7 ذلك ان الاحداث الدموية التي وقعت منذ النشوة التي رافقت اتفاق أيلول سبتمبر أثبتت انه لا يمكن تفادي النقاش لمصير المستوطنات التي يبلغ عددها 200 ومصير المستوطنين الذين يصل عددهم الى 130 الفاً والى 300 ألف نسمة اذا ما اضفنا اليهم اليهود الذين يعيشون في القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل7
على رغم ذلك يحاول رابين بشكل مستميت، تجنب الموضوع7 فهو يعرف حق المعرفة أن موشي دايان كان مصيباً حين قال أن إسرائيل من دون مستوطناتها المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة ليست سوى جيش احتلال7 وهو يعرف جيداً انه ليس هناك اي منطق اطلاقاً لبقاء اسرائيل في أي مكان من تلك الاراضي من دون تلك المستوطنات7
لهذا سعت اتفاقات كامب ديفيد واتفاق اعلان المبادئ الاخير الى ضمان وجود المستوطنات7 ولكن هل المستوطنات اولاً وقبل كل شيء آلية لضمان استمرار السيطرة العسكرية الاسرائيلية على الأراضي المحتلة، ام هل أصبحت مسألة المحافظة على المستوطنات هدفاً في حد ذاتها - أي أنها واقع جديد يجب على الديبلوماسية ان تستوعبه وتكيف نفسها معه؟
ومن الواضح كما قال أحد الصحافيين الاسرائيليين أخيرا، انه لولا 130 ألف يهودي في اكثر من 100 مستوطنة في مختلف انحاء الضفة الغربية لكان في وسع رابين أن يرمي عرض الحائط باتفاقات كامب ديفيد ويشرع على الفور في التفاوض على تسوية دائمة7
لكن التزام رابين المحافظة على المستوطنات أجبره على النظر الى اعلان المبادئ من أضيق الزوايا والمفاهيم7 فالاتفاق، تبعاً لرابين، ليس سوى تقسيم صحيح للأيدي العاملة - اذ ان غزة وخان يونس ورفح ومخيمات اللاجئين وغيرها من الاماكن التي لا يعيش فيها يهود سيديرها الفلسطينيون7
ونظرة رابين الى اتفاقه مع ياسر عرفات وهي انه اتفاق يسمح لاسرائيل بالتمتع بفوائد الاحتلال من دون تحمل اي من اعبائه، لا تتفق اطلاقاً مع التوقعات الفلسطينية، بل ويمكن القول انها لا تتفق ايضاً مع الفاعلية الجديدة التي اطلق رابين العنان لها من خلال اعترافه بمنظمة التحرير7
ومع ذلك هناك تأييد سياسي قوي داخل اسرائيل بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه على السواء لمفهوم رابين الضيق7 فمنذ أواسط شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي بدأت جهود وتحركات لتشكيل نوع من التحالف العمالي - الليكودي القائم على تضييق اطار الاتفاق مع المنظمة الى أدنى حد ممكن7
اللاءات الخمس
ويستند هذا التضييق الى خمسة قيود تعرف باللاءات الخمس7 وهي: لا لاقامة دولة فلسطينية، ولا اعتراف بحق الفلسطينيين في العودة الى اسرائيل كما كانت قبل عام 1967، ولا تغيير في وضعية مدينة القدس الموحدة، ولا تخلي عن المستوطنات، ولا قيود على حرية تحرك الجيش الاسرائيلي وتصرفاته في أي مكان من الأراضي لمحتلة7
هذه الجبهة من الرفض توحد ما بين رابين وأرييل شارون الذي يطالب باتفاق مع المنظمة يلزمها بالموافقة على حرية الجيش الاسرائيلي في القيام بأي عمليات في أي مكان من الأراضي المحتلة7
ومن المثير للانتباه أن شارون يقدم النصح والمشورة منذ مدة لكل من رابين والمستوطنين الذين يصفهم بأنهم الحاجز الوحيد الباقي أمام الدولة الفلسطينينة، اذ يقول: أبلغت المستوطنين اكثر من مرة انه يجب عليهم معارضة قوات المنظمة التي تدخل المناطق بمباركة من الحكومة والجيش وأجهزة المخابرات7 وسيكون من الضروري ان يصمد المستوطنون، لكنهم لن يكونوا وحدهم7
كذلك تحدث شارون في المستوطنين في المستوطنات المتقدمة مثل دوليف وشيلو وإيلون موريه وقال لهم: سيهب المئات بل وربما الآلاف ويحضرون لمساعدتكم7 وسأكون أنا بينهم7 وتذكروا أن مشاعر البهجة التي تعم منظمة التحرير ومؤيديها في حكومتنا سابقة لأوانها7
ولربما كان رابين توصل الى الاستنتاج نفسه مثل شارون، وهو ان المستوطنين هم فعلاً العقبة الوحيدة الباقية أمام الاستقلال الفلسطيني7
ففي اجتماع عقده رابين مع ممثلي المستوطنين في شهر تشرين الثاني نوفمبر وعدهم باستمرار دعم الحكومة لتعزيز مستوطناتهم وتوسيعها، بما في ذلك بناء الفنادق على الشاطئ الشمالي للبحر الميت الذي تقول المنظمة انه يشكل جزءاً من منطقة مدينة أريحا7 كما وعدهم أيضا بالاستمرارية الأمنية وان كان هذا لا يعني بالضرورة استمرارية الأرض بين المستوطنات في وادي الأردن - وهو تمييز سيسري مفعوله في قطاع غزة ايضاً7
كذلك جددت لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست تأكيد هذا الالتزام حين أعلنت أخيرا ان الحكومة تعلن مجدداً انه لن يتم اقتلاع اي مستوطنة خلال فترة الترتيبات الانتقالية7 ولهذا فان اي شخص يرغب في البقاء في المستوطنات له الحق ان يفعل ذلك7
جيوب يهودية
والواقع ان رابين وعد خلافاً لسلفه مناحيم بيغن، بأنه لن يوافق على اقتلاع المستوطنات اليهودية7 لكن العنف الذي شهدته الأسابيع الأخيرة أقنع الكثيرين من مؤيدي رابين بأن التزام بقاء المستوطنات حتى في الفترة الانتقالية لا ينسجم مع الاتفاق الاسرائيلي - الفلسطيني، بل ولا ينسجم مع المنطق أيضا. اذ كتب ران كاسلو المعلق السياسي في صحيفة هاآرتس يقول يكفي أن ننظر الى الخريطة التي يستخدمها المفاوضون في طابا لكي نثبت ان وجود الجيوب اليهودية في بحر قطاع غزة، حتى خلال فترة الحكم الذاتي، هو فكرة لا يمكن تأييدها7 وسيكون من العار على كل جندي يجلس في غزة ليحرس المستوطنين وهم في طريقهم الى محلات البقالة او حتى الى مزارع خضرواتهم7
وقدم وزير البيئة يوسي ساريد تقديره الشخصي فقال انه لا بد من إخلاء بعض المستوطنات في الضفة الغربية، كما ان البعض الآخر سيخضع للسيادة الفلسطينية في الاتفاق النهائي7 وفي 11 تشرين الثاني نوفمبر الماضي قال يوسي بيلين نائب وزير الخارجية وأحد مهندسي اتفاق اوسلو للمستوطنين ان الاتفاق النهائي ربما يعني ان بعضهم سيعيش تحت الحكم العربي7 كما ان الوزيرة شولاميت آلوني طالبت الحكومة بتقديم المساعدة الى المستوطنين الذين يريدون العودة الى اسرائيل7
ويبدو ان المستوطنين بدأوا يدركون الرسالة ففي احد البرامج الاخبارية التي بثها التلفزيون الاسرائيلي في الآونة الاخيرة ظهرت فتاة من احدى مستوطنات غور الاردن وهي تقول: ان والدي ينتظر صكاً بمليون دولار لكي نترك هذا المكان7
وعلى رغم الجهود التي يبذلها رابين لتبديد مخاوف المستوطنين فانهم لا يقون اطلاقاً في اتفاق اعلان المبادئ الذي يعني بالنسبة اليهم التمهيد لفرض السيادة العربية في الضفة الغربية7 فهم ببساطة لا يصدقون تأكيدات رابين لهم بأهميتهم وجدواهم خلال الفترة الانتقالية7 وفي هذا ما رفع احد المراقبين الى القول: ان من الافضل ان نقول للمستوطنين الآن انه ليس هناك اي بديل لاخلاء المستوطنات والجلاء عنها7
ان قضية المستوطنات بدأت تصبح المعيار الأساسي لصدقية رابين حيال الاسرائيليين7 مع ازدياد وضوح التناقضات بين تأييد المستوطنات وبين آمال الاتفاق مع منظمة التحرير، نلاحظ أن رابين اخذ يضاعف جهوده لطمأنة المستوطنين وتهدئة مشاعر قلقهم من جهة والتأكيد من جهة ثانية على استمرار جهود التسوية7 لكن رابين لا يستطيع أن يأمل في الانسحاب من الأراضي المحتلة وضمان مستقبل المستوطنات في الوقت نفسه7 اذ لا يمكن التوفيق بين هذين الهدفين7
ومن الواضح ان بنيامين نتانياهو زعيم المعارضة يدرك مدى ضعف موقف رابين من هذه المسألة، اذ صرح أخيرا بأن مشاعر النشوة تلاشت7 وأنا اعتقد ان اي اتفاق سلام يقوم على الاكاذيب لينهار7
ومواجهة المستوطنين والمستوطنات بالنسبة الى رابين اصعب كثيراً من قراره مصافحة عرفات7 فبينما كانت المصالحة مع منظمة التحرير ترمز الى هدنة عقائدية فان التخلي عن المستوطنات يعني بداية نهاية الوجود الاسرائيلي عبر الخط الآخر
ومع ذلك، ومثلما أيد الاسرائيليون ولا يزالون يؤيدون مصالحة رابين مع منظمة التحرير، فانهم سيؤيدون اتخاذ قرار لمواجهة امكانية انهاء الاستيطان بأمانة وصدق، اذ اظهرت نتائج استطلاع للرأي العام في الفترة الاخيرة ان الغالبية الساحقة من الاسرائيليين 64 في المئة تعتقد ان رابين يستطيع تنفيذ اتفاقه مع عرفات على رغم معارضة المستوطنين7 وفي وسع رابين ان يعبئ هذه المشاعر في مواجهة معارضي اتفاق اوسلو7 ومن المحتمل ان يقرر فعلاً اللجوء الى مثل هذه الخطوة لأن تحدي المستوطنين له ربما يجبره على التحرك لفرض هيمنة الدولة وسيطرتها على التطرف الاستيطاني7 او ربما يواصل محاولاته لتحقيق المستحيل وتحويل الدائرة الى مربع، فهي مهمة مستحيلة لأنه لا يمكن له ان يوافق بين مطالب المستوطنين والمصالحة مع الفلسطينيين، وهو ما فعله الزعماء الاسرائيليون طوال السنوات الست والعشرين الاخيرة7
والسؤال المطروح اليوم هو عن الاتجاه الذي ستأخذه معركة المستوطنين بعد مجزرة الحرم الايراهيمي7
بنى الامويون الحرم الابراهيمي في الخليل على موقع مدافن الانبياء إبراهيم واسحق ويعقوب وزوجاتهم7 وهو يعدّ رابع مسجد من مساجد الاسلام من حيث الأهمية الدينية7
وكانت مهاجمة الحرم الخليلي في نهاية عام 1978 اولى محاولات استيطان مدينة الخليل التي تلتها لاحقاً خطة من مرحلتين أعلن عنها عام 3891 لبناء الحي اليهودي داخل المدينة، لكن التعديات على الحرم الإبراهيمي بدأت قبل ذلك التاريخ7 فقد بدأ اليهود بزيارته بعد هزيمة حزيران يونيو عام 1967، ولكن هذه الزيارات لم تتخذ طابعاً رسمياً الا بعد خمس سنوات عندما سمحت سلطات الحكم العسكري رسمياً لليهود بأداء صلواتهم داخله7
واتخذت هذه الصلوات طابعاً استفزازياً عندما اقتحم زعيم حركة كاخ رابطة الدفاع اليهودية المتطرفة الحاخام مئير كاهانا ونحو مئة من اتباعه مدينة الخليل في 72 آب اغسطس عام 1972 وأقاموا صلوات تظاهرية قرب الحرم7 وبعد سماح السلطات العسكرية الاسرائيلية لليهود بالصلاة في الحرم في أوقات صلاة المسلمين، أقام كاهانا وجماعته صلاة جماعية داخله مساء يوم الغفران في ايلول سبتمبر 71972 ثم امر الحاكم العسكري بإدخال عدد من الكراسي المخصصة للصلاة وخزانتين لحفظ التوراة وضعت احداهما في زاوية من زوايا الحرم7
واستخدمت تلك الخطوة للاستيلاء على الزاوية اليعقوبية والحضرة الابراهيمية7 وفي نهاية العام اغلقت البوابة الشرقية الرئيسية للحرم ونسف الدرج المؤدي اليها7 وكانت سلطات الحكم العسكري هدمت في العام 1968 البئر الأثرية الملاصقة لسور الحرم عند مقام سيدنا يوسف، وكشفت الصخور المجاورة للغار وأزالت البرج المملوكي المعروف بالقلعة7 ومع نهاية تشرين الأول اكتوبر 2791، قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بسقف صحن المسجد الداخلي المكشوف وتخصيصه لليهود، ومنعت المسلمين من ارتياد الزاوية اليعقوبية نهائياً واستولت على الممر القائم بين قبر النبي ابراهيم وقبر زوجته سارة7 وأدت هذه الاجراءات الى تقليص المسافة المخصصة للمسلمين داخل الحرم وجرى فصلها عن باقي انحاء الحرم بحبل من الليف7
وفي أيار مايو عام 1975، استجابت السلطات الاسرائيلية لمطالب مستوطني كريات أربع وكرست تقسيم الحرم الابراهيمي نهائياً وتحويل الجزء الاكبر منه الى كنيس يهودي7 ولكن الانتهاكات استمرت على رغم ذلك، وبلغت ذروتها عندما تسلق أربعة من الشبان اليهود سور الحرم ودخلوه وفرّقوا كل المصاحف فيه وداسوها بأقدامهم في تشرين الأول اكتوبر 71976 وقام وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك موشي دايان برفع البلاطات المجاورة للمنبر والنزول الى المغارة وتصوير داخلها.
وفي بداية عام 1979، وافقة الحكومة الاسرائيلية بناؤ على توصية وزير الدفاع باللسماح لليهود باقامة الصلاة في القاعة الرئيسية رواق اسحق الأوسط، وهي المكان الوحيد الذي بقي للمسملين ليؤدوا الصلاة فيه.
وأدى هذا الحادث الى وقوع اشتباكات عنيفة بين المستوطنين وأهالي الخليل قام اليهود على اثرها بتحطيم وسرقة معظم اثاث الحرم، ومن بينها الهلال الموجود على قبة السلطان قلاوون الواقعة فوق باب المغارة حيث دفن بعض الانبياء، وجميع محتويات غرفة رئيس السدنة ومفاتيح مقامات الانبياء7
وقام وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك موشي ديان برفع البلاطات المجاورة للمنبر والنزول الى المغارة وتصوير داخلها7
| كانت طباعة هذا العدد قد أنجزت حين ورد نبأ المجزرة التي ارتكبت في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل7 والتزاماً منها حيال قرّائها أجرت الوسط تغييرات عاجلة شملت الغلاف وبعض موضوعات العدد لكن صعوبات فنية حالت دون الغاء الاشارات الى المواضيع المحذوفة7 وتعول الوسط على تفهم القارئ لهذه الأسباب القاهرة7


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.