على رغم ان الاسرائيليين من ذوي "النزعات التحررية"، ومن "دعاة السلام" لا يعتقدون ان وزير الخارجية شيمون بيريز افضل كثيراً من رئيس الوزراء اسحق رابين، فان بيريز يمثل بالنسبة اليهم شخصية اكثر ديبلوماسية، وأكثر انفتاحاً على العالم، من رابين الذي يتسم بنظرة ضيقة ربما تكون خلفيته العسكرية فرضتها عليه. وكان بيريز هو العضو الوحيد في مجلس الوزراء الاسرائيلي الذي عارض ابعاد الفلسطينيين الى لبنان كما كان العضو الأول الذي نادى بعودتهم. ويرغب بيريز في اجراء انتخابات في موعد مبكر في الأراضي المحتلة. وعندما رفض البعض ذلك بدعوى ان هذه الانتخابات ستؤدي الى دخول "حماس" الى مجالس الحكم المحلي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، رد بيريز على ذلك بأنه اذا قبلت حماس المشاركة في تلك الانتخابات، فان ذلك سيوفر فرصة لالزام تلك المنظمة باتفاق دائم. وربما كان بيريز اكثر أعضاء مجلس الوزراء الاسرائيلي وعياً بأن احتمال دخول اليابان والهند والمانيا الى العضوية الدائمة في مجلس الامن الدولي سيؤدي الى انهاء حق النقض الفيتو الذي تتمتع به كل دولة من الدول الدائمة العضوية في المجلس. وبذلك لن تتمكن اسرائيل من استمرار تحدي العالم مستعينة بالفيتو الاميركي. ويقول احد كبار الديبلوماسيين الاميركيين في تل ابيب "ان رابين لا ينظر الى ما هو ابعد من الغد، وفي مقابل ذلك يتمتع بيريز بميزة الرؤية. وربما تشعر واشنطن وبروكسيل المجموعة الأوروبية بالراحة عند التعامل مع بيريز اكثر مما تشعر عند التعامل مع رابين. وربما لا يكون بيريز وزير خارجية ممتازاً، ولكنه اكثر انفتاحاً بكثير من الوزراء الاسرائيليين الآخرين". ويلخص ديبلوماسي اسرائيلي بارز افكار وخطط بيريز من خلال الحوار الآتي معه: هل اصبحت اسرائيل تقوم الآن بالدعاية والعلاقات العامة لصالح حماس؟ - ان حماس تعارض محادثات السلام، ولا بد من الاعتراف بأن اوامر الابعاد أدت الى تقوية حماس، والى اجبار منظمة التحرير الفلسطينية على العمل لاثبات صحة موقفها في التفاوض، وإثبات انها تستطيع ان تحقق افضل مما تحققه حماس. ولكن الاشخاص الذين تخلوا عن منظمة التحرير الفلسطينية سيعودون الى تأييدها مرة اخرى خلال العام المقبل. ولا يزال موقفنا نحن الاسرائيليين بعيداً عن موقف الفلسطينيين والسوريين من ناحية المفهوم في تلك المباحثات. ونحن نرغب في اتباع مرحلتين منفصلتين في تعاملنا مع الفلسطينيين، ولكن الفلسطينيين يقولون ان علينا، كي يثقوا بنا، ان نقول لهم تفاصيل المرحلة الثانية بالضبط، والجدول الزمني الذي نفكر فيه. ويرغب السوريون من ناحية اخرى في استعادة الأرض مقابل السلام، ولكننا نرغب في تعريف اكثر عمقاً لمفهوم "السلام". ومسألة المبعدين أقل اهمية مما تبدو. ونحن نعترف بأن هذه المسألة أدت الى تعطيل المحادثات. وقد قام كريستوفر بأول زيارة الى اسرائيل، وكنا في حاجة الى تقديم مقترحات جديدة اليه. وسنتقدم ببادرة بالطبع، ونعيد المبعدين بسرعة أكبر، وربما يقضي هؤلاء المبعدون فترة من الزمن داخل "المنطقة الامنية" في جنوبلبنان. اذا كانت اسرائيل فهمت في النهاية على ما يبدو ان منظمة التحرير هي الجهة الفلسطينية الوحيدة التي يمكنها التعامل معها، لماذا لا تسهلون الامور في تلك الحالة على وفد المنظمة؟ - ان بيريز يشعر بأن الوفد الذي يترأسه فيصل الحسيني يفتقر الى التأييد، والى القدرة على اقناع الفلسطينيين بأي اتفاق. وهذا هو السبب في انه يرغب في اجراء انتخابات في الأراضي المحتلة قبل تطبيق الحكم الذاتي الموقت. ولكن هل تبدي حماس أي استعداد للمشاركة في مثل هذه الانتخابات؟ - لقد شاركت حماس في الانتخابات النقابية، التي حقق فيها ممثلو كل من منظمة التحرير وحماس مكاسب اضافية. والشيء المهم هنا ان حماس ستصبح جزءاً من العملية اذا شاركت بالفعل في الانتخابات. ان السؤال الحيوي بالنسبة الى الفلسطينيين هو: ما هي الجهة القادرة على اخراجنا نحن الاسرائيليين بصورة أسرع؟ إن بيريز يعتقد ان أي اتفاق نعقده سيستمر وسيبقى ساري المفعول اذا استطعنا ابرام هذا الاتفاق مع حماس ايضاً، وليس مع منظمة التحرير الفلسطينية وحدها. ولكن يجب ان اعترف بأنه ليس هناك اي عضو آخر في مجلس الوزراء الاسرائيلي يوافق على وجهة نظر بيريز بهذا الشأن. وهكذا نجد ان هذا هو موقف شيمون بيريز وحده حتى الآن. ماذا سيحدث اذن من وجهة نظر بيريز؟ - هناك سبعة احتمالات: 1 - حكم ذاتي فلسطيني دائم داخل اسرائيل، مثل بورتوريكو داخل الولاياتالمتحدة. وهذا هو اقل الاحتمالات ترجيحاً، لأن الفلسطينيين يخشون عودة الليكود الى السلطة. 2 - دولة فلسطينية مستقلة. ويعارض معظم الساسة الاسرائيليين هذا الاحتمال، ولذلك فانه غير مطروح في الوقت الحالي، ولكن اذا ساد السلام، او حالة سلام عامة لمدة خمس سنوات في ظل حل موقت، ستصبح هناك اغلبية شعبية اسرائيلية تؤيد هذا الاحتمال. 3 - اتحاد فيديرالي او كوفيديرالي بين فلسطين والاردن. ولكن هل يرغب الملك حسين في ذلك؟ وهل يرغب الفلسطينيون في الخدمة العسكرية في القوات الاردنية؟ وهل سيدينون له بالولاء؟ انا لا أعرف الاجابة على هذه الاسئلة. 4 - اتحاد فيديرالي أو كونفيديرالي بين فلسطين ودولة عربية اخرى، وربما تكون هذه الدولة على الارجح سورية وليس مصر. ولكن من يعلم؟ وبالطبع لا بد ان تثق اسرائيل بهذه الدولة بالقدر الذي تثق به في الاردن. 5 - اتحاد كونفيديرالي بين اسرائيل وفلسطين. ويبدو هذا الاحتمال بعيداً في الوقت الحالي، ولكن تنفيذه سيكون سهلاً من الناحية الادارية، لأن الأساس اللازم له موجود بالفعل. وأعتقد انه ستكون هناك عاصمة مشتركة هي القدس، ورئيسان للوزراء، ورئاسة دستورية بالتبادل، مثل الحكم الملكي في ماليزيا. 6 - اتحاد كونفيديرالي ثلاثي بين اسرائيل وفلسطين والاردن، وسيصبح مثل هذا الاتحاد القوة الرئيسية المحركة في منطقة الشرق الاوسط، مثل المانيا في أوروبا. 7 - جمهورية فلسطينية مستقلة داخل كومنولث اردني يعترف بالملك حسين رئيساً لذلك الكومنولث، تماماً مثلما تعترف باكستان والهند بالملكة اليزابث رئيساً للكومنولث. قوات اميركية تبدو الشعوب اكثر ميلاً للسلام من حكوماتها. وكان الشعب الاميركي أدرك ان الحرب الباردة انتهت قبل عامين من اعتراف الحكومة الاميركية بذلك، وقبل أربعة اعوام من اعتراف المعلقين السياسيين بذلك. هل هناك مصلحة للمؤسسة السياسية الاسرائيلية في الحفاظ على استمرار النزاع؟ - ان رابين اكثر اعضاء الحكومة الاسرائيلية ميلاً الى الاتجاه اليميني، ويدعوه بيريز "ممثل الليكود الاقل تشدداً". وإنني اوافق على ان الناس ملوا النزاع، وعلى ان هناك انتقادات لرابين في وزارة الخارجية. كان كل رؤساء الوزراء في اسرائيل حتى الآن من الذين ولدوا في روسيا، او من أبوين مهاجرين من روسيا، ولا نستثني من ذلك بيغن الذي ولد عبر الحدود مباشرة في بولونيا، في منطقة كانت جزءاً من روسيا. وكان اليهود الروس اقل اليهود اندماجاً في المجتمعات الأوروبية، وأجبرهم القياصرة الروس على الحياة في مستوطنات ومناطق مغلقة. وكان هؤلاء اليهود الروس وحدهم يؤمنون بالصهيونية قبل 1945، ولم يكن هناك من يؤمن بها غيرهم من اليهود. هل ستتغير الاوضاع اذا تولى رئاسة الحكومة في اسرائيل شخص ينحدر من اصل يهودي الماني او نمسوي او من اصل آخر اكثر "انفتاحاً"؟ - ستكون القيادة الجديدة في اسرائيل كلها من ابناء الجيل الثاني، من الاسرائيليين الذين ولدوا داخل اسرائيل نفسها. وربما تكون هناك قيادات غير روسية، وقيادات من شمال افريقيا، اي من اليهود الشرقيين. هل سيحدث اسراع في عملية السلام اذا عرضت الولاياتالمتحدة وضع قوات اميركية على الحدود بين اسرائيل والاطراف العربية الاخرى؟ - لن يؤدي ذلك الى فارق كبير بالنسبة الى الجولان، ولكن ذلك قد يمثل حلاً بالنسبة الى جنوبلبنان. ولن يعارض بيريز مثل هذا الاحتمال. ماذا يريد الاسد؟ ولكن ما هي احتمالات عقد انتخابات مبكرة في الأراضي المحتلة؟ جريدة "القدس" اليومية الصادرة في القدس اجرت مقابلة في شهر شباط فبراير الماضي مع البريغادير غادي زوهار رئيس "الادارة المدنية" في الضفة الغربية، قال فيها ان اسرائيل لن تنتظر "المرحلة الانتقالية"، وانها مستعدة للتعاون مع المجالس الاقتصادية الفلسطينية التي يتم تشكيلها برعاية منظمة التحرير الفلسطينية، وقال البريغادير ان اسرائيل "لن تنتظر ايضاً الانتخابات العامة في المناطق المحتلة". وأشار البريغادير الاسرائيلي في هذا الصدد الى الجزائر "حيث تم ايقاف عملية الانتخابات لأنه اصبح من الواضح أن الاتجاه الاسلامي المتشدد سيفوز فيها". وتقول الصحف الاسرائيلية ان وجهات نظر البريغادير زوهار تعكس وجهات نظر رابين، وهي تتناقض مع رغبة بيريز في اجراء انتخابات مبكرة قبل تشكيل المجالس. وفي 19 شباط فبراير كتب دايفيد ماكوفيسكي المراسل السياسي لصحيفة "جيروزاليم بوست" مقالاً القى فيه نظرة عامة على المفاوضات وقال: "من المشكوك فيه ان تتحرك اسرائيل نحو ارتباط اكبر بين التسوية الموقتة والتسوية النهائية، لأنها تعتبر هذه الفكرة متناقضة مع "القواعد الاساسية" التي صاغتها قبل مؤتمر مدريد للسلام... ان رابين لا يمانع في اتفاق موقت مع سورية، لأن هذا الاتفاق سينقذه من معضلة البحث في الانسحاب الكامل من الجولان. مع ذلك ترفض سورية بصورة قاطعة هذه الفكرة، وكانت سورية وقّعت بالفعل اتفاقاً موقتاً مع اسرائيل في منتصف السبعينات. ان دمشق تتحدث عن اتفاق على مراحل، بحيث تعلن اسرائيل نواياها بوضوح وتنسحب على مراحل على مدى سنوات عدة". ويقول ماكوفيسكي ان اسرائيل ترغب ايضاً في السلام على مراحل "بحيث ينطوي ذلك السلام على التطبيع الكامل، وعلى انسحاب اقليمي يتفق عليه كلا الطرفين". وقال ماكوفيسكي في مقال آخر ان تعاون الاردن في حل المشكلة الفلسطينية يمكن ان يتوقف على الدعم الاميركي للأردن. وكتب ماكوفيسكي ايضاً ان الرئيس حافظ الاسد يشكو من ان الولاياتالمتحدة لا تقدّر الدور الذي يقوم به في مباحثات السلام. ويرغب الرئيس السوري، مثله في ذلك مثل اسرائيل، في الوثوق من أن الادارة الاميركية الجديدة ستحترم كل الضمانات الكتابية التي كان توصل اليها مع بيكر قبل مؤتمر مدريد. ويرغب الرئيس السوري في ان تبدي الولاياتالمتحدة تقديرها عن طريق رفع سورية من قائمة الدول التي تدعم وتشجع "الارهاب" التي تعدها وزارة الخارجية الاميركية في كل عام، او عن طريق "اغلاق الاعين الاميركية موقتاً" عن عدم تنفيذ سورية حتى الآن اتفاق الطائف الذي ينص على اعادة انتشار القوات السورية في منطقة البقاع . الجولان والمياه ولا بد، هنا، من العودة قليلاً الى الوراء والتوقف عند قرار رابين ابعاد الفلسطينيين من انصار حماس والجهاد الاسلامي الى جنوبلبنان في كانون الأول ديسمبر الماضي. هذا القرار كان "خطأ سياسياً وعملاً أحمق على المستوى الدولي". هذا ما تؤكده التقارير الديبلوماسية الاميركية الصادرة في اسرائيل، وعلى وجه الخصوص من القنصلية الاميركية العامة في القدس الشرقية المحتلة، التي ترسل تقاريرها مباشرة الى وزارة الخارجية الاميركية، وليس الى السفارة الاميركية في اسرائيل. قال لي ديبلوماسي اميركي في اسرائيل طلب عدم ذكر اسمه: "ان هذا الابعاد انتهاك واضح للقانون الدولي، الى جانب انه تسبب في صداع كبير على المستوى الدولي. وكان من الغريب ان تتخذ الحكومة الاسرائيلية هذا القرار من دون اي مراعاة لاعتبار ان وزير الخارجية الاميركي الجديد ليس ديبلوماسياً محترفاً، وإنما محام متصلب الى حد ما يبلغ من العمر 67 عاماً. ومع ذلك يتمتع هذا القرار بشعبية بين اوساط الاسرائيليين في الوقت الحالي على الاقل". وأوضح لي احد الديبلوماسيين الاميركيين العاملين في القنصلية الاميركية العامة في القدس الغربية، ويقضي معظم وقته في الأراضي المحتلة: "لقد أدت عملية الابعاد الى اعطاء الفلسطينيين قضية جديدة. ان اسرائيل تحدت بهذا القرار "الشرعية الدولية"، تماماً كما تحداها العراق بضمه الكويت الى اراضيه. وأدى ذلك الى تركيز الانتباه مرة اخرى على عدم جواز استخدام اسلوب العقاب الجماعي، وفي هذه المرة تم استخدام هذا الاسلوب بصواريخ اميركية مضادة للدبابات استغلت لتدمير المنازل، وليس لأغراض القتال الفعلي". وذكر لنا احد العاملين في القنصلية الاميركية، وهو يهتم بمراقبة الرأي العام السياسي: "ان السلطات الاسرائيلية تحرم السكان المسلمين والمسيحيين في الأراضي المحتلة من انشاء محطة اذاعة او تلفزيون خاصة بهم، ولذلك تقتصر المناقشات على المقاهي والشائعات. وهكذا اصبح المقهى منبر النقاش السياسي". ومع ذلك يبدو ان كل سائق تاكسي عربي في الاراضي المحتلة يستمع الى اذاعة عمان، والى القسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية. ويبدو ان هاتين الاذاعتين اكثر شعبية من كاسيتات الموسيقى. ويلتزم الديبلوماسيون الحرص في السفارة الاميركية في تل ابيب، حتى عندما يتحدثون الى الصحافيين الاميركيين، لأن سجل هذه السفارة من ناحية الامن سيء للغاية. ويقول عضو سابق في هذه السفارة: "ان هذه السفارة عبارة عن غربال، وهي تشبه ما كانت عليه السفارة الاميركية في موسكو، باستثناء ان سفارة موسكو كانت فيها منطقة آمنة يمكن اجراء المناقشات فيها من دون ان تستمع اليها أية جهة اخرى". وحرس امن هذه السفارة من الاسرائيليين وهم يستجوبون كل زائر، حتى ولو كان اميركياً، ثم يصدرون له تصريحاً بالدخول. وعندما دخلت الى مبنى السفارة بموعد مسبق مع نائب السفير، استجوبني حرس الامن الاسرائيليون بالصورة العنصرية المتعالية نفسها التي يستجوبون بها كل الزوار من غير اليهود. ومعظم العاملين في اعمال السكرتارية في السفارة من الاسرائيليين. ويعود هذا الموقف الى الوقت الذي كان فيه جيمس انغلتون، الذي ربما كان يتجسس لصالح اسرائيل، يحتل المركز الثالث في وكالة الاستخبارات المركزية. وكان انغلتون سحب كل اعضاء وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية واعتمد على تقارير الموساد وحدها. وعندما تولى الادميرال ستانسفيلد تيرنر منصب مدير الوكالة في عهد الرئيس كارتر، الغى هذا القرار الذي اتخذه انغلتون، ولكن الذين يعملون في السفارة الاميركية في تل ابيب يقولون ان امن السفارة تدهور في عهد الرئيس ريغان على رغم عودة وكالة الاستخبارات المركزية الى انشاء شبكة خاصة بها في اسرائيل. ومع ذلك يقول احد كبار العاملين في السفارة ان امتثال اسرائيل "بدرجة الربع" لقرار مجلس الامن الدولي 799 لا يعتبر سوى "خطوة في اتجاه الامتثال الكامل لهذا القرار. ان كريستوفر لن يضغط على اسرائيل كثيراً بشأن مسألة المبعدين. ان المبعدين يحصلون على دعاية كبيرة في المنطقة التي يعيشون فيها، ويفضل بعضهم الذهاب الى البقاع على العودة الى السجن. ونحن نتوقع ان اسرائيل ستكون اكثر مرونة في مسائل دائمة اخرى لقاء تخفيف الضغط عليها في مسألة المبعدين". وذكر ويليام هاروب السفير الاميركي لدى اسرائيل في تقرير له الى واشنطن ان كبريات الصحف الاسرائيلية لم تلتزم موقفاً واضحاً تجاه مسألة المبعدين. وقال السفير في تقريره ان الصحف الاسرائيلية كانت تؤيد عملية الابعاد في البداية، ولكنها انتقدت الاسلوب والتوقيت، وبعد ذلك وصفت هذه الصحف قرار الابعاد بأنه "اغبى شيء فعله رابين"، وبعد ذلك انتقدت تلك الصحف ايضاً رابين عندما قدم تنازلات، واستندت في انتقادها الى ان نسبة 75 في المئة من الرأي العام الاسرائيلي تؤيد قرار الابعاد وفي الواقع لا تمثل نسبة 75 في المئة اغلبية ساحقة في دولة تسيطر فيها الحكومة على الرأي العام بالصورة السائدة في اسرائيل. ورداً على سؤال عن السبب الذي دفع بيريز في واشنطن الى التركيز على مسألة المياه والتصحر، قال احد كبار العاملين في السفارة ان ذلك يرجع الى ان بيريز مسؤول عن المفاوضات المتعددة الاطراف، بينما يحتفظ رابين بالسيطرة على المفاوضات الثنائية الاكثر اهمية. وكان من المقرر ان تستأنف المفاوضات المتعددة الاطراف خلال الشهر الجاري لكن يبدو انها تأجلت الى الشهر المقبل. ويشير مسؤول في احد اجهزة الاستخبارات الغربية الى ان مرتفعات الجولان تعتبر منطقة "ضرورية" من وجهة نظر اسرائيل، لأهميتها في السيطرة على المياه هناك، وخصوصاً مياه نهر اليرموك. ويعتقد هذا المسؤول ايضاً ان اسرائيل ربما توافق على نزع سلاح منطقة الجولان، اذا سمحت الحكومة السورية ببقاء بعض المستوطنين الاسرائيليين هناك في ظل حكم سوري، باعتبار ان هؤلاء المستوطنين سيراقبون "بصورة غير رسمية" تقيد السلطات السورية بشروط اتفاق السلام والانسحاب من الجولان. ويشك هذا المصدر في احتمال ان توافق اسرائيل او سورية على وضع قوات اميركية عازلة على الحدود بين الدولتين. وهناك احتمال اكبر في أن تتمركز تلك القوات على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، ولكن هذه القوات يمكن ان تصبح "هدفاً"، تماماً كما كانت القوات الاميركية في بيروت. ومع ذلك يعترف ذلك المصدر بأن الخسائر في مثل هذه القوة الاميركية لن تمثل موضوعاً كبيراً بالنسبة الى الصحافة الاميركية، اذا كان جميع افراد تلك القوة من المتطوعين. ويقول المسؤول نفسه ان اوروبا لا تستسيغ تصرفات رابين، ولكنه يشير ايضاً الى أن حكومة الائتلاف الاسرائيلية ستسقط على الارجح اذا تخلى حزب العمل عن رابين، او اذا توفي رابين او اصبح غير قادر على اداء مهام منصبه، وفي تلك الحالة سيقود حزب الليكود حكومة الائتلاف الجديدة. وأضاف قائلاً: "ان الآمال في أن يتولى بيريز رئاسة الوزراء عبارة عن مجرد أحلام لا تستند الى الواقع". ورداً على سؤال عن اقامة اتحاد فيديرالي أو كونفيديرالي بين الضفة الغربية وقطاع غزة والاردن كحل للجمود الحالي في مباحثات السلام، قال المسؤول نفسه: "لقد اثار الملك حسين احتمال الاتحاد الفيديرالي مرة اخرى، بعد رفضه اياه في الماضي. ولكن الفلسطينيين سيصرون على الاستقلال أولاً، ثم على استفتاء، وبعد ذلك يمكن اقامة الاتحاد الفيديرالي أو الكونفيديرالي". ويتوقع مسؤول الاستخبارات الغربي ان يستمر الوفد الفلسطيني في تأكيد انه لا يستطيع ان يقبل ببساطة السيطرة الاسرائيلية على بعض اجزاء الاراضي المحتلة من دون تأكيد بأن اسرائيل ستسلم السيادة على تلك الأراضي الى الفلسطينيين في مرحلة لاحقة. ويقول انه ليس من المتوقع ان يفعل الفلسطينيون اي شيء يمكن ان يفسر بأنه تنازل عن هدف تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية. ولا يمثل الجدول الزمني لتحقيق ذلك اهمية كبيرة، ويمكن ان يستغرق الامر "خمسة اعوام أو خمسة عشر عاماً". وتنص صيغة مدريد على "نقل السلطة، ولكن اسرائيل تتحدث الآن عن نقل محدود للسلطة خلال الفترة الانتقالية. ومن الواضح ان الفلسطينيين لا يمكن ان يقبلوا ذلك أيضاً. وستركز الجولة المقبلة من المباحثات ايضاً، اذا عقدت، على الانتهاك الاسرائيلي المتزايد لحقوق الانسان. ويبدو ان الديبلوماسيين الاوروبيين في اسرائيل يؤيدون ضرورة ان تعيد ادارة كلينتون الحوار الاميركي المباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية، لأنهم يعتبرون ان مثل هذا الحوار سيساعد منظمة التحرير الفلسطينية على مواجهة موجة "التشدد الاسلامي" وعلى التقليل من اعمال العنف في الأراضي المحتلة، وسيسهل ذلك ايضاً اصدار ترخيص من مقر المنظمة في تونس للوفد الفلسطيني في المفاوضات بأن يلتزم موقفاً اكثر مرونة.