نشرت الصحف العراقية خبر إنجاز القناة بين نهري دجلة والفرات، فقالت بتحفظها المشهور ولطفها الجمّ و"نزاكتها" التقليدية "قلنا للنهر كن فكان"، وهو كلام لا يجوز لبشر. وقرأنا ان القناة أطلق عليها اسم "نهر صدام"، وهو اسم لا نراه باقياً. وكان يفترض ان يكون شق القناة انجازاً هندسياً غير انه تحول مع النظام العراقي الى مظاهرة سياسية طمست غوغائيتها الانجاز الاصلي. وكنا نتوقع من بلد لم "تنجز" حكومته غير نشر الخراب فيه وحوله ان تترك الانجاز النادر يتحدث عن نفسه، الا ان للنظام العراقي اسلوباً خاصاً في التفكير المعكوس يجعل الهزيمة نصراً، ويرى الناس يواجهون ألف مشكلة حياتية يومية فلا يحلها وانما ينهمك في ما هو اهم كثيراً، فهو يغير شهور السنة. هل سمع القارئ بالتقويم العراقي الجديد؟ "التقويم" العراقي هو التالي: النور - ربيع الاول القدس - ربيع الثاني الكرار - جمادى الاولى الزهراء - جمادى الآخرة الاسراء - رجب القادسية - شعبان رمضان - رمضان النصر - شوال البيعة - ذو القعدة الحج - ذو الحجة الهجرة - محرم الفتوح - صفر هل يعقل هذا الكلام؟ هو لا يعقل الا في بغداد اليوم، فالنظام الذي خسر حرباً مدمرة ردت البلاد الى القرون الوسطى، ولا يزال يعاني من حصار اقتصادي قاتل، لم يجد قضية له سوى ابتكار هذا "التقويم". ونكتفي بهذا القدر من التعليق لان ثمة علماء أفاضل يعرفون عن الموضوع اكثر منا، ولا نزيد سوى اننا لم نستغرب ان نجد ان النظام العراقي لم يتفق معه في هذا الفكر الغريب سوى النظام الليبي، فهو ايضاً غيّر شهور السنة واصبح تقويم الاخ العقيد على الشكل التالي: كانون الثاني - ابن النار شباط - النوادر آذار - المريخ نيسان - الطير ايار - الماء حزيران - الصيف تموز - ناصر آب - هانيبال ايلول - الفاتح تشرين الاول - التمور تشرين الثاني - الحرث كانون الاول - الكانون وربما لاحظ القارئ ان الزعيمين الملهمين غيرا التقويم ليستطيع واحد أن يجعل "القادسية" شهراً، والآخر ان يجعل "الفاتح" شهراً. وبما ان العراق ليس عنده مشكلة نتائج حرب الخليج والحصار الاقتصادي، وبما ان ليبيا لا تعاني من قضية الطائرة الاميركية التي سقطت في لوكربي والحصار الآخر، فإنه يبقى ان يغير البلدان اسماء ايام الاسبوع بعد ان غيّرا الشهور. ولمعلوماتهما فإن العرب القدماء لم يسموا الايام: الاثنين الثلاثاء الاربعاء… وانما كانت لها اسماء اخرى جمعها شعر قديم هو: أرجّي أن أعيش وان يومي بأول أو بأهون أو ُجبار أو التالي دُبار فأن يفتني فمؤنس أو عروبة أو شيار وكنت أحفظ صدر البيت الاول بشكل مختلف هو "ارجّي ان اموت وان موتي" الا ان هذا ليس الموضوع، بل الموضوع تغيير الايام بعد الشهور، ربما ان البلدين يمارسان سياسة جاهلية فلا اقل من ان ترد الايام كالسياسة، الف وخمسمئة سنة الى الوراء، فالاحد اول، والاثنين أهون، والثلاثاء جبار، والاربعاء دبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار. وكما أسلفنا فأهل العراق وليبيا لا يواجهان مشكلة البتة، وينعمان بعيش رغيد وحريات وربيع دائم، وربما وجد الزعيمان وقت فراغ كافياً لتغيير بقية الروزنامة بأسماء من عندهما، نحن في المقابل، نعد أوراقها.