مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    أمانة القصيم توقع عقداً بأكثر من 11 مليون ريال لمشروع تأهيل مجاري الأودية    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    محرز يهدي الأهلي فوزاً على الوحدة في دوري روشن    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    القادسية يتفوق على الخليج    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    النصر يكسب ضمك بثنائية رونالدو ويخسر سيماكان    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأفغان": قصة تنظيم سري يضرب ويفجر ويغتال في الجزائر ومصر
نشر في الحياة يوم 13 - 07 - 1992

"الأفغان": كلمة تثير التساؤلات والهواجس لدى المسؤولين في دول عربية عدة، بينها الجزائر ومصر وتونس والأردن.
"الأفغان" يضربون ويزرعون العنف ويغتالون "رموز الدولة" من مسؤولين ورجال أمن وجيش وشرطة، في الجزائر ومصر، ويفجرون القنابل، ويهاجمون مؤسسات الدولة ومبانيها.
"الأفغان" هم هؤلاء الآلاف من المقاتلين العرب الذين حاربوا في أفغانستان إلى جانب المجاهدين الأفغان ضد المحتلين السوفيات والنظام التابع لهم في كابول، والذين تلقوا تدريبا عاليا على أساليب حرب العصابات وعلى استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات.
البعض يقول عنهم أنهم "قنابل متحركة"، والبعض الآخر يعتبر انهم "الذراع المسلح" لعدد من الحركات والتيارات الإسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية، والبعض الثالث يقول أنهم جزء من "حركة إسلامية ثورية متطرفة" تلقى دعما ومساندة من مسؤولين إيرانيين ومن الجبهة القومية الإسلامية في السودان بقيادة الدكتور حسن الترابي.
"الأفغان" هم مواطنون عرب من الجزائر ومصر والسودان واليمن وتونس والأردن والمغرب وفلسطين ولبنان وغيرها من الدول، يقدر عددهم بالآلاف، تطوعوا منذ مطلع الثمانينات للقتال في أفغانستان، وقد أقبل البعض منهم على ذلك انطلاقا من مشاعر الغيرة الدينية البحتة بينما كان الآخرون يبحثون عن المغامرة والثراء. وتلقى معظمهم التدريب في مدينة بيشاور الباكستانية وحولها، كما تلقى آخرون التدريب في معسكرات أقيمت في بعض الدول العربية، كالسودان واليمن.
وكان من أولى الجماعات التي اجتذبت هؤلاء المتطوعين العرب، لقوة مبادئها وارتفاع رواتب أفرادها، وتفوق أسلحتها تلك التي يتزعمها زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار.
وقد انضم إلى الحزب الإسلامي، في البداية، ما بين 3 آلاف و3500 متطوع عربي، ثم ارتفع عدد هؤلاء المتطوعين - من عرب ومسلمين - إلى 16 ألفا ثم إلى 20 ألف رجل، قاتلوا إلى جانب مجاهدي حكمتيار.
والذين يعرفون حكمتيار يقولون أنه ذكي وذو شخصية قوية ولا يعرف الرحمة. وقد راقت هذه الصفات للمتطوعين العرب لا سيما الجزائريين المتقدمين في السن الذين كانت لديهم خبرة في القتال في حرب الاستقلال الجزائرية ضد الفرنسيين 1954-1962. كما أن قلة منهم كانت اشتركت في الحركات المسلحة ضد حكومات جبهة التحرير الوطني العلمانية في الثمانينات مثل مصطفة بويعلى من عام 1985 إلى أن قتل عام 1987 عندما كان أكثر شخص مطارد في الجزائر. وكان بويعلى التقى قبل ذلك، وفي عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، بالجماعات الإسلامية الأخرى التي؟ أرسل بعضها في ما بعد مقاتلين إلى أفغانستان، ليبحث معها إعلان الجهاد ضد نظام بن جديد الذي قال عنه أنه يكرس نفسه "لنزع إسلامية المجتمع الجزائري".
ويعكس الانقسام الراهن في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ بزعامة عباس مدني وغيرها من الجماعات الإسلامية، الانقسام الذي ظهر في عهد بن جديد بين الزعماء المسلمين الذين حاججوا بأن المناخ في الجزائر لم يكن آنذاك ملائما للجهاد. إلا أن بويعلى قرر وحده إرسال أعضاء من منظمته إلى بيشاور لاكتساب التدريب اللازم هناك، بينما واصل مهاجمة سياسة الحكومة التعليمية والأخلاقية وغير ذلك من القضايا والمسائل الاجتماعية في خطبه بالمساجد.
وفي صيف عام 1985 قاد بويعلى هجوما على مركز للشرطة في الصوماع على مسافة قريبة من وادي الصومام حيث عقد المؤتمر الثوري التاريخي 1955-1956، الذي كان يفترض أن يوجه جبهة التحرير الوطني نحو مسار علماني بحت. واستولى على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. ولم تستطع السلطات إلقاء القبض على بويعلى إلا في الثالث من كانون الثاني يناير عام 1987 بعد العديد من المعارك مع قوات الأمن. لكنها ألقت القبض عليه ميتا، اثر معركة مع الشرطة.
وقد التحق المتطوعون العرب بتنظيمات أخرى للمجاهدين الأفغان منهم تنظيم يونس خالص المنشق عن حكمتيار، والجمعية الإسلامية برئاسة برهان الدين رباني والذي برز فيها أحمد شاه مسعود القائد الميداني للجمعية.
وكانت أولى الأسلحة الغربية التي حصل عليها المجاهدون والمتطوعون هي الألغام البلاستيكية الأميركية المضادة للدبابات، التي تلقوها عن طريق باكستان بكميات كبيرة للمرة الأولى عام 1982. وبحلول العام 1986 بدأوا يتسلمون صواريخ ستينغر مع أعداد كبيرة من الأسلحة الأخرى المضادة للدبابات والطائرات إضافة إلى آلاف عديدة من البنادق الرشاشة والأسلحة الخفيفة ومدافع الهاون والذخيرة.
وفي أواسط عام 1986 كانت المساعدات العسكرية الأميركية للمجاهدين الأفغان وصلت إلى 400 مليون دولار. وفي عام 1985 وحدها بلغت قيمتها 100 مليون دولار. وفي تلك الفترة كان متطوعون عرب وأفغان ومن جنسيات مختلفة يتدربون - بنسبة مئة كل شهر - على استخدام الأسلحة وأساليب القتال، على أيدي مجموعة من افضل الخبراء العسكريين، خصوصا الباكستانيين منهم.
وكانت المرة الأولى التي يستخدم فيها المجاهدون، بمن فيهم المتطوعون العرب، صاروخ ستينغر المضاد للطائرات ولطائرات الهليوكوبتر فعالية، في أيلول سبتمبر 1986 لإسقاط طائرة الهليوكوبتر السوفياتية, وتبين أن المجموعة الأولى من صواريخ ستينغر التي تسلمها المجاهدون كانت 200 صاروخ، على أن يحصلوا بعد ذلك على صاروخين مقابل كل طائرة سوفياتية يتأكد سقوطها، وعلى أن يعود أي مجاهد يخطئ في إصابة الهدف بهذه الصواريخ إلى باكستان لكي يتلقى تدريبا أفضل. وبحلول ذلك الوقت كان المجاهدون يستخدمون أيضا وبفعالية، المدفع المضاد للطائرات، السويسري الصنع أورليكون من عيار 20 مليمترا، وصاروخ بلوبايب المصنوع في ايرلندا الشمالية، والذي كانت المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان حاولت الحصول عليه في أواخر الستينات من دون جدوى.
وفي العاشر من شباط فبراير عام 1989 قررت إدارة الرئيس بوش بالاستمرار في تزويد المجاهدين بالأسلحة على رغم الدلائل المضطردة حول احتمال انقسامهم على أسس قبلية وعرقية ومذهبية.
وأخيرا، وبعد أن قدم الطرفان السوفياتي والغربي ما يكفي من الدعم والأسلحة والإمدادات المختلفة والتدريب بقيمة آلاف الملايين من الدولارات، كل إلى أتباعه، أعلن الرئيسان غورباتشوف وبوش أن جميع المساعدات العسكرية إلى أفغانستان سوف تتوقف اعتبارا من الأول من كانون الثاني يناير 1992 لإتاحة الفرصة لمبادرة الأمم المتحدة لإحلال السلام, ولكن قوات المجاهدين وقوات نجيب الله كانت، بحلول ذلك الوقت، كدست كميات هائلة من مختلف أنواع الأسلحة. كما أن بعض صواريخ ستينغر وجدت طريقها إلى أيدي الجماعات المؤيدة لطهران ومنها إلى الحرس الثوري الإيراني حيث استخدمت في الحرب العراقية - الإيرانية ضد طائرات الهليوكوبتر الأميركية في الخليج.
ومع أن انسحاب الجيش السوفياتي عام 1988-1989 أنهى المرحلة الأولى من الحرب، فان القتال، بالنسبة إلى "الأفغان"، لم ينته حتى المرحلة الثانية، أي سقوط النظام الشيوعي السابق بزعامة نجيب الله في 25 نيسان إبريل الماضي. وهكذا انتهت مهمة المتطوعين العرب بسقوط كابول في أيدي المجاهدين. واثر ذلك انتهت مهمة العرب مع انه كانت هناك أكثر من شكوى بتدخل بعضهم في القتال الذي وقع بعد سقوط كابول.
وهكذا بدأ "الأفغان" العرب الذين يزيد عددهم حاليا على 12 ألف مقاتل في العودة إلى بلادهم. ووفقا لمعلومات السلطات الجزائرية فان عدد الجزائريين الذين عادوا حتى الآن يزيد على ألفين. وكان في وسع بعضهم أن يأخذوا أسلحتهم الفردية معهم. كما أن بعضهم كان يشغل مناصب قيادية مهمة في ميادين المعركة أو معسكرات التدريب في أفغانستان، إلا أن أثرهم السياسي كان شبه معدوم لأنهم ركزوا على التدريب والقتال.
ومع عودة "الأفغان" إلى بلادهم الأصلية بدأ التحالف المؤقت بين الولايات المتحدة والمقاتلين المسلمين في الانتهاء. إذ أن هذا التغير بدأ بالاتفاق السوفياتي - الأميركي عام 1988 والانسحاب السوفياتي الذي أعقبه. وهكذا فان قادة هؤلاء المقاتلين يعتقدون أن الوقت حان الآن بعد أن خاضوا جهادا ناجحا ضد السوفيات "لمحاربة" بعض الأنظمة العربية، بالتعاون مع حركات وتنظيمات إسلامية، كما هو الحال في الجزائر ومصر مثلا حاليا.
ومثلما حدث عندما حارب الشيوعيون القدامي والمقاتلون الليبراليون تحت لواء الكتائب الدولية إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية من عام 1934 إلى 1939، فان "الأفغان" من العالمين العربي والإسلامي وهم يضمون أعداد كبيرة من الإيرانيين والأندونيسيين والماليزيين والهنود والباكستانيين إضافة إلى العرب يمكنهم أن يشكلوا شبكة من "الخريجين" الذي يتتلمذ الآخرون على أيديهم.
يضاف إلى ذلك أن لدى "الأفغان" العرب ذخراً من الشهداء مما يزيد من صلابة التزامهم وقوة شكيمتهم. وشهيدهم الرئيسي هو عبدالله عزام، وهو فلسطيني مع أن البعض يقول أنه من مواليد مصر. فهو أشبه بأسطورة بالنسبة إليهم. إذ أنه حارب ضد الإسرائيليين في فلسطين عام 1948 وكان من الأعضاء الأوائل في حركة فتح في الخمسينات عندما كان ياسر عرفات وعدد من مساعديه على علاقة قوية بالأخوان المسلمين. وفي عام 1967 توجه إلى الأردن ثم اختفى بعد حوادث عام 1970، ليظهر ثانية في القاهرة حيث درس لشهادة الدكتوراه في الأزهر وعمل مدرسا هناك. وفي مطلع الثمانينات أقام عزام في بيشاور أول مكتب له لتنسيق عملية تجنيد المتطوعين وتدريبهم. وقد حارب عزام نفسه في أفغانستان وسرعان ما أصبح أشهر المقاتلين العرب هناك. كما اكتسب سمعة وشهرة واسعتين عندما قام بدور الحكم بين فئات المجاهدين المتنازعة. كذلك قام بعدد من الرحلات إلى البلدان العربية لتجنيد المتطوعين وجمع المال. وبينما كان عزام يستعد لمغادرة باكستان في الرابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر 1989 وانفجرت سيارة ملغومة خارج منزله فأودت بحياته وحياة ابنيه الاثنين.
عدد من "الأفغان" العرب يعتبرون عزام نموذجا لهم، وان كان هذا الأخير لا يشاطرهم، بالضرورة، آراءهم وأساليبهم العنيفة في التعامل مع بعض الأنظمة العربية، كالنظام الجزائري مثلا أو المصري.
الأفغان في مصر
في صباح 23 أيلول سبتمبر 1981، أي قبل أيام قليلة من اغتياله، تحدث الرئيس أنور السادات في مقابلة مع شبكة "اي.بي.سي." الأميركية فاعترف بان مصر ترسل الأسلحة إلى المجاهدين الأفغان لأنهم "أشقاؤنا المسلمون، ولأنهم يواجهون مشاكل". وسأله المراسل: "وماذا عن الأصوليين المصريين؟ هلي يقومون بأية أعمال إرهابية؟ رد السادات بقوله: كلا، فالشيء الوحيد الذي يفعلونه هو عقد الاجتماعات، ولكنهم لا يستخدمون السلاح".
وسأل المراسل:" لماذا إذن اعتقلت خصومك السياسيين والحركيين الإسلاميين؟"
أجاب السادات:"كان ذلك كله بسبب الصراع الديني. إذ أن السياسيين الذين اعتقلتهم انضموا إلى العناصر الدينية، وكانوا سيستغلون اعتقالي للأصوليين".
وقد ادعت مصادر الأصوليين أن رجلا اسمه شوقي اسلامبولي هو شقيقي خالد الرجل إلى اغتال السادات، ظهر في باكستان بعد عام 8091 ثم انتقل عام 1983 إلى كراتشي للإشراف على نشاط "الأفغان" المصريين. ويقال أن شوقي كان على علاقة جيدة مع الإيرانيين، كما انه ساعد في مقل المساعدة الإيرانية إلى الإسلاميين المتطرفين في مصر. لكن مصادر أخرى تقول أن الاسم الكامل لاسلامبولي هو خالد أحمد شوقي الاسلامبولي، وانه كان لخالد شقيق اكبر منه سنا هو محمد - الذي درس التجارة في جامعة أسيوط - وأختان. وإذا كان ذلك صحيحا فان شوقي اسلامبولي ربما كان ابن عم، أو حتى شخصا لا أقرباء له ولكنه غير اسمه نظرا إلى الشهرة التي يعطيها له مثل هذا الاسم بين المجاهدين "الأفغان"، أو لربما لم يكن له وجود إطلاقا.
وعلى أي حال فان الكثيرين من المتطوعين المصريين في الحرب الأفغانية كانوا ممن أرسلهم الأخوان المسلمون، وبمعرفة من السادات والحكومات المصرية. وكان الكثير منهم أطباء وممرضين ولم يقوموا بأي دور قتالي. ولذا فانهم لم يثيروا أية شكوك لدى عودتهم إلى مصر. لكن آخرين ذهبوا إلى أفغانستان سرا للتدرب أو القتال، وهؤلاء هم الذين تخشى السلطان من أن تزيد عودتهم من حدة الاقتتال الطائفي في صعيد مصر، أو من حدة المواجهات مع رجال الأمن.
وفي الآونة الأخيرة طلبت الحكومة المصرية من حكومة الفريق عمر البشير في السودان عدم توفير الملجأ لعناصر "الأفغان" الخطرة. كذلك أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الرسالة نفسها إلى الدكتور حسن الترابي خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة وكندا.
وهناك بطل لدى "الأفغان" لا يزال على قيد الحياة بعد إصابته بجراح وهو عمار التميمي الذي لا يزال في العشرينات من عمره. وهو نجل الشيخ التميمي أحد كبار شخصيات منظمة الجهاد الإسلامي في فلسطين. فقد قطعت قدمه اليمنى خلال معركة في أفغانستان، وأصبح لدى عودته إلى الأردن بطلا يجتذب الناس في التجمعات الإسلامية في عمان.
وكانت جماعة الأخوان المسلمين في الأردن بدأت في تشجيع اتبعها على التطوع للقتال في أفغانستان. ويقول الأخوان المسلمون في الأردن أن أتباعهم عملوا مع عزام وتوسطوا لحل النزاعات بين فئات المجاهدين. وقد ساعد الأفغان العائدون إلى الأردن على تشكيل تنظيم متطرف.
الجزائر ساحة المعركة
وتبدو الجزائر ساحة معركة رئيسية "للأفغان" الجزائريين. ووفقا لمعلومات مصادر وثيقة الاطلاع، جزائرية وغربية، فان "الأفغان" الجزائريين يقومون بنشاطات كبيرة منذ بضعة أشهر، ويركزون هجماتهم بشكل خاص على رجال الأمن والجيش والشرطة، ومراكز الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة، ويعتبرون أن هدفهم هو "إضعاف الدولة وتغيير النظام" وبالتالي مساعدة الجبهة الإسلامية للإنقاذ على إقامة الجمهورية الإسلامية.
وهؤلاء "الأفغان" يتحركون في "خلايا صغيرة"، ويتنقلون باستمرار البعض منهم يعيش في حي بلكور في العاصمة الجزائرية حيث يقع "مسجد كابول" الذي يتردد عليه "الأفغان". والبعض الآخر يعيش في المناطق الريفية والجبلية. ويقول البعض أن "الأفغان" يشكلون "جزءا" من الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ وأن هذا الجناح لا يزال في طور التكوين وتجميع الأسلحة. لكن مصادر جزائرية مطلعة تقول أن "الأفغان" منقسمون على أنفسهم من حيث انتماءاتهم الحزبية، بعضهم مقرب من تنظيمات أكثر تطورا وتشددا من جبهة الإنقاذ.
واصبح اسم "الأفغان" في الجزائر بمثابة "غطاء" لأعمال عنف واغتيال وتفجير في هذا البلد منذ اشتداد المواجهة بين السلطة وجبهة الإنقاذ. وكان آخر هذه الأعمال مقتل خمسة من رجال الشرطة الجزائريين، بعد بضعة أيام من اغتيال بوضياف، في شرق العاصمة، وذلك على أيدي مسلحين مجهولين. وقد تردد أن "الأفغان" وراء هذه العملية، لكن لم يثبت ذلك رسميا حتى الآن، وان كانت هذه العملية تدخل في إطار خططهم.
ويعتبر الطيب الأفغاني نموذجا حيا لهذه العناصر فهذا الشاب الملتحي قضى حوالي أربعة أشهر في "بيشاور". وفي بداية الصيف الماضي شرع الطيب الأفغاني برفقة صديقه "الداعية" عبد الرحمن الدهان بتكوين مجموعة مسلحة، تجاوز عدد أفرادها الأربعين معظمهم في "النقابة الإسلامية". وفي 25 تشرين الثاني نوفمبر الماضي قامت المجموعة بمهاجمة مركز قمار لحرس الحدود على مقربة من التخوم الجزائرية التونسية، وقد أسفرت العملية عن مقتل عدد من الجنود والاستيلاء على بعض الأسلحة الخفيفة واعتقال عناصر من المجموعة المهاجمة. وقد نتج عن هذه العملية رد فعل عنيف من قوات الامن التي تمكنت من تحييد مجموعة الطيب الأفغاني وإلقاء القبض على قائدها الذي اعترف أمام جمهور التلفزة بان الهدف من العملية كان الاستيلاء على الأسلحة، وأن ذلك يندرج في إطار التحضير للجهاد، بناء على فتوى جاء بها صديقه "الداعية" عبد الرحمن الدهان قتل في العملية عقب عودته من اليمن!. بعد "عملية قمار" نفذ الأفغان "عملية القصبة" التي تزامنت مع الإعلان عن حالة الطوارئ في بداية شباط فبراير الماضي أسفرت عن مقتل ستة من أفراد الشرطة. وقد اختار الأفغان القصبة لأنها من الأحياء الشعبية العتيقة المكتظة بالسكان، والتي توفر حماية كبيرة للأعمال الإرهابية، وقد كانت إبان ثورة التحرير قلعة من قلاع الثوار في العاصمة الجزائرية. وتدخلت قوات الامن بعنف فتم قتل بعض "الأفغان" وألقي القبض على الباقين.
والطيب الأفغاني الموجود الآن في السجن شاب في الثانية والثلاثين من عمره من أصول فقيرة. وكان الطيب يحلم بالنجاح في ما فشل بويعلى في تحقيقه. وقد سبق للطيب أن عمل سائق سيارة أجرة في ليبيا، كما اشتغل في التهريب وعاش حياة مليئة بالمغامرات بشكل عام. وفي أوائل الثمانينيات ذهب إلى أفغانستان برفقة عدد من أقاربه، ثم عاد إلى الجزائر عام 1988 لينضم إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الوقت الذي أصبحت فيه الجبهة حزبا مشروعا. إلا أن النشاط السياسي المشروع لم يكن كافيا للطيب. ويواجه الطيب عقوبة الإعدام.
وربما كانت تونس إحدى الدول الأخرى التي يخشى المراقبون أن تنتشر فيها النشاطات المتطرفة للأفغان. إذ لا يعرف عدد التونسيين الذين ذهبوا إلى أفغانستان. ولكن من المرجح أن يلتفوا حول حركة النهضة الإسلامية التي تشكلت في شباط فبراير عام 1989 بعد أن أصبح اسمها الأول، "حركة الاتجاه الإسلامي"، محظوراً. ففي خريف عام 1989 أعلن زعيمها راشد الغنوشي أن الرئيس زين العابدين بن علي لم يف بوعده بإضفاء الصبغة القانونية على الحركة وبدأ حملة إضرابات وتحريض وهجمات لا سيما في الجامعات، واستمرت حملة العنف هذه مما أدى إلى اعتقال المئات من أنصار وأعضاء النهضة. واذا ما عاد الإرهاب والعنف إلى تونس، وعلى نطاق واسع، فان من المرجح أن يكون "للأفغان" دور في ذلك، أو سيكون لهم دور في الإشراف على عملية محاربة النظام.
"الأفغان" لا يشكلون تنظيما موحدا بكل معنى الكلمة. لكنهم - سواء كانوا جزائريين أو مصريين أو تونسيين أو من أية جنسية أخرى - يتفقون في ما بينهم على استخدام العنف والسلاح والمتفجرات لمحاولة تحقيق أهدافهم وأغراضهم. وبذلك يشكلون تنظيما سريا، تحركه، ربما، أيد خفية، لمحاولة زعزعة الاستقرار في بعض الدول العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.