نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأفغان الليبيون" : "جذور المقاتلة" في جماعة "الزواوي" ... وقصة فشل""حركة الجهاد" في الثمانينات . أسس بن لادن "القاعدة" وأنشأ الليبيون "المقاتلة" وبدأت العلاقة مع "الأفغان" الجزائريين 1 من 5
نشر في الحياة يوم 09 - 03 - 2006

لم يشذ"الأفغان الليبيون"عن"إخوانهم"العرب الذين"تخرّجوا"في مدارس الجهاد الأفغاني في سنوات الثمانينات من القرن الماضي. أسسوا تنظيماً أطلقوا عليه إسم"الجماعة الإسلامية المقاتلة"، وبدأوا يعودون الى بلادهم، أكثر تصميماً على قلب نظام حكم العقيد معمر القذافي. لم تنشأ"المقاتلة"من عدم. ف"جذورها"مرتبطة ب"الرعيل الأول"من الليبيين الذين حملوا السلاح للقيام بما اعتبروه"جهاداً"ضد نظام العقيد في الثمانينات. لكن ليبيا لم تكن"شواذ القاعدة". فكما حصل في بقية الدول العربية، من الجزائر الى مصر وسورية، كانت حقبة الثمانينات"حقبة النكسات"ل"الجهاديين"الليبيين أيضاً. ففي الجزائر فككت السلطات الجماعة"الجهادية"الأولى التي قادها مصطفى بويعلي بين 1982 و1987، وقتلت أو سجنت أعضاءها. وفي مصر، كسرت السلطات ظهر"الجهاديين الأوائل"المنضوين تحت لواء"الجماعة الإسلامية"و"جماعة الجهاد"والذين أثمر تحالفهم"عملية المنصة"التي راح ضحيتها الرئيس أنور السادات عام 1981، وكان مصير المئات منهم السجن أو المنفى. وفي سورية، وجّهت السلطات أيضاً ضربة موجعة للجماعة التي أعلنت ما اعتبرته"جهاداً"في مطلع الثمانينات، وفككت"الإخوان المسلمين"و"التنظيم الطليعي"المنبثق منهم.
لم تشهد"ليبيا العقيد"في تلك الحقبة مواجهات واعتقالات كالتي جرت في مصر وسورية والجزائر. ف"جهاديوها"لم يكونوا منظمين في جماعة معروفة لها جذورها التاريخية، مثلما كان وضع"جهاديي"مصر. كما ان العمليات التي قاموا بها كانت محدودة جداً، كاغتيال مسؤول أو الاستيلاء على اسلحة من أحد المعسكرات. وكان من الجماعات الأولى التي حملت"فكر الجهاد"? متأثرة بمشايخ من سورية ومصر كانوا يُدرّسون في ليبيا آنذاك ? مجموعة تأسست عام 1982 وقادها الشيخ علي العشبي. ولم تدخل هذه الجماعة في مواجهات مع قوات الأمن، لكنها اغتالت مسؤولاً في النظام وسرقت أسلحة من معسكر للجيش عام 1986، ولم تستمر جماعة الشيخ العشبي طويلاً، إذ قبضت قوات الأمن على أفرادها التسعة واعدمتهم.
لكن ذلك لم يعن القضاء على أصحاب"الفكر الجهادي"في ليبيا. فقد كانت جماعات أخرى منفصلة عن بعضها تأسست في أكثر من منطقة. غير ان أبرزها كان بلا شك المجموعة التي قادها عوض الزواوي الذي كان طالباً للعلم الشرعي في طرابلس. لكن نشاط هذه الجماعة لم يستمر طويلاً أيضاً. ففي العام 1989 وقعت اضطرابات واسعة في مدن الشرق الليبي، خصوصاً بنغازي، عُرفت باسم اضطرابات"حركة الجهاد". وكان أن قرر الزواوي الانتقال من طرابلس الى بنغازي لمعرفة ما يجري عن قُرب، فاعتُقل وفُككت مجموعته وما زال في السجن الى اليوم. ودفع تفكيك قوات الأمن مجموعة الزواوي في طرابلس و"حركة الجهاد"في بنغازي الى"هجرة"واسعة لأصحاب"الفكر الجهادي"من ليبيا، خصوصاً ان الاعتقالات التي جرت آنذاك في أوساطهم شملت ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص. وبما أن أفغانستان كانت"وُجهة"الراغبين في الجهاد من أنحاء العالم العربي قاطبة، فقد قصدها الليبيون بدورهم.
وهناك، في أعالي جبال الهندوكوش وتورا بورا، وفي سهول بانشير، وعلى جبهات غارديز وخوست وجلال آباد، شارك الليبيون مع رفاقهم العرب، ولكن تحت لواء فصائل المجاهدين الأفغان، في معارك طاحنة ضد القوات الأفغانية النظامية التي كانت ما زالت تخضع لسيطرة الحكومة المركزية الشيوعية في كابول، على رغم انسحاب الجيش الأحمر، ذليلاً، في العام 1988. ومثلهم مثل كثير من العرب، اختار الليبيون"الجهاد"تحت راية"الاتحاد الإسلامي"بقيادة عبد الرسول سياف السلفي، وكان مركزهم الأساسي معسكر"سلمان الفارسي"في منطقة"غنداو"الواقع في مناطق القبائل الباكستانية على الحدود مع أفغانستان. لكن نشاطهم لم يكن محصوراً في"سلمان الفارسي". فإضافة الى جبهات القتال التي كانوا يشاركون فيها داخل أفغانستان، من قندهار غرباً الى خوست شرقاً، نشط الليبيون بكثافة أيضاً في بيشارو،"خلية النحل"التي لم تكن تعج فقط ب"الجهاديين"العرب من مختلف الجنسيات، ولكن أيضاً بعناصر أجهزة الاستخبارات، العربية والأجنبية، وكل ذلك تحت أنظار جهاز الاستخبارات الأساسي"جهاز الاستخبارات الباكستانية المشتركة"أس آي أمس الذي كان مكلّفاً الاتصال بفصائل المجاهدين الأفغان والعرب تحت لوائهم وتحديد حصة كل فصيل من الأسلحة والأموال.
وبما أن"الجهاد الأفغاني"كان قد اقترب من نهايته، ولم يعد سقوط الحكومة المركزية في كابول سوى مسألة وقت، فقد بدأ"الجهاديون العرب"يفكّرون في خطوتهم المقبلة بعد أفغانستان. وكان أسامة بن لادن أول من تحرّك في هذا المجال، في نهاية 1989، وأسس تنظيمه الخاص به تحت مسمى"القاعدة"، وضم عرباً من جنسيات مختلفة. كذلك المصريون الذين أعادوا إحياء تنظيميهم،"جماعة الجهاد"و"الجماعة الاسلامية". وتلاهم الجزائريون بقيادة قاري السعيد عبدالرحيم غرزولي، وأسسوا تنظيمهم الخاص بهم،"الجماعة الإسلامية المسلحة"، بعدما نزلت مجموعة منهم الى الجزائر واتصلت ب"قدامى"حركة الجهاد الأولى التي قادها مصطفى بويعلي. أما الليبيون فقد أسسوا بدورهم جماعتهم الخاصة بهم، عام 1990، وأطلقوا عليها إسم"الجماعة الإسلامية المقاتلة".
ولكن في حين لم يخف بن لادن وجود تنظيمه، ولم يخف المصريون إعادة إنشاء"الجهاد"و"الجماعة"، ولم يتردد الجزائريون في إعلان تنظيمهم"الجماعة المسلحة"، فإن الليبيين اتخذوا قراراً بإبقاء أمورهم سرية. أرادوا الاستعداد أكثر للمواجهة المقبلة مع النظام. فأوضاعهم مختلفة عن أوضاع الجزائر التي انفجرت فيها المواجهات بين الإسلاميين وقوات الأمن بعد الغاء انتخابات 1992. وهي مختلفة أيضاً عن أوضاع مصر حيث كان الإسلاميون بدأوا يخوضون مواجهات مع قوات الأمن خصوصاً اغتيالات ضد مسؤولين واستهداف صناعة السياحة بعد اكتشاف خلايا إسلامية تضم مئات تدرب كثيرون منهم في أفغانستان قضية"طلائع الفتح". وبما ان ليبيا لم تشهد أي مواجهات من هذا النوع، فقد اختارت"المقاتلة"ضبط أنفاسها والتركيز على بناء خلاياها داخل الجماهيرية، من دون الدخول في مواجهات مع قوات الأمن.
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى منتصف العام 1995، حين أدت عملية دهم لإحدى المزارع في ضواحي بنغازي الى كشف وجود تنظيم متكامل لديه خلاياه المنتشرة في أنحاء مختلفة من البلاد. ومع انفجار المواجهات بين الطرفين، اضطرت"المقاتلة"الى الخروج من السرية وأعلنت عن نفسها في بيانها الأول بتاريخ 17 تشرين الأول اكتوبر 1995. لكن تفوق قوات الأمن عدة وعديداً حسم الأمور بسرعة ضد الجماعة، التي لجأت الى تنظيم أكثر من محاولة اغتيال استهدفت الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي. ولم تنته سنوات التسعينات من القرن الماضي حتى كانت"المقاتلة"قد انكفأت مجدداً الى أفغانستان، تحت حماية حركة"طالبان"هذه المرة، وبدأت في إعادة ترتيب صفوفها بعد"النكسة"التي مُنيت بها في ليبيا.
غير ان ذلك لم يدم أيضاً. فجاءت هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، واجتاحت القوات الأميركية أفغانستان، فاضطرت"المقاتلة"الى"الهجرة"مرة أخرى. وبما ان الخروج من أفغانستان كان على عجل، فقد تشتت قيادة"المقاتلة"في أكثر من دولة، واستطاعت أجهزة الاستخبارات الأميركية، في إطار حربها على الإرهاب، الوصول الى قادة التنظيم الليبي واعتقالهم حيثما كانوا. فسقط"أمير المقاتلة"أبو عبدالله الصادق في تايلاندا، واعتُقل"المسؤول الشرعي"فيها"أبو المنذر الساعدي"في هونغ كونغ، وسُلّما الى طرابلس عام 2004. وبسقوط الرجلين، انكفأت"المقاتلة"أكثر على نفسها واقتصر نشاطها على اصدار بيانات قليلة من وقت الى آخر.
قصة"المقاتلة"هي قصة"الأفغان الليبيين"، وهي محور كتاب جديد يُعده الزميل كميل الطويل. وتنشر"الحياة"بدءاً من اليوم فصولاً منه، تبدأ بقصة نشأة"المقاتلة"في باكستان/أفغانستان عام 1990 وعلاقتها ب"الأفغان الجزائريين"مؤسسي"الجماعة الإسلامية المسلحة"، وتروي قصة خروجها الى العلن إثر مواجهات مزرعة بنغازي عام 1995. وستكشف فصول الكتاب أسراراً تُنشر للمرة الأولى عما حصل ل"الأفغان الليبيين"الذين انتقلوا الى الجزائر في النصف الأول من التسعينات، لكنهم اختلفوا مع"الجماعة المسلحة"التي صفّتهم واحداً تلو الآخر. وستكشف الاتصالات التي أجريت في الخرطوم بين أسامة بن لادن و"مفتي الجماعة"الجزائرية"أبو بصير"الذي هدد زعيم"القاعدة"بذبح أي شخص يُرسله الى الجزائر من دون إذن جماعته. كما انها ستروي تفاصيل الاتصالات التي أجريت بين قيادة"المقاتلة"في لندن وقيادة"الجماعة المسلحة"في الجزائر لإنقاذ الليبيين الذين"اختفوا"خلال قتالهم في صفوفها، وكيف انتهت تلك الاتصالات بإعلان"جماعة الجهاد"المصرية والشيخين"أبو قتادة الفلسطيني"و"ابو مصعب السوري"، إضافة الى"المقاتلة"،"سحب الغطاء الخارجي"من جماعة جمال زيتوني الجزائرية في منتصف العام 1996.
++++++++++++++++++++++
من أفغانستان كانت البداية. بداية ما بات يُعرف اليوم بجماعات"السلفية الجهادية"، وريثة جماعات"الجهاد"الأولى في العالم العربي. هناك، في ثمانينات القرن الماضي، في خضم معارك فصائل المجاهدين الأفغان ضد"الجيش الأحمر"وحلفائه الحكام الشيوعيين في كابول، نشأ جيل جديد من العرب. جيل يؤمن بأن لا سبيل سوى"الجهاد"لإقامة"حكم إسلامي حقيقي"يخلف الأنظمة العربية الحاكمة. إنه جيل"الأفغان العرب".
كان"مكتب خدمات المجاهدين"الذي أسسه الشيخ الفلسطيني الراحل عبدالله عزّام في مدينة بيشاور الباكستانية، هو"مفتاح"العرب الراغبين في المشاركة في الجهاد الأفغاني. كثيرون"تخرّجوا"من هذا المكتب أو مروا فيه. لكن أحداً منهم لم يترك مثل تلك"البصمات"التي تركها لاحقاً أحد مؤسسي المكتب وأبرز مموليه، أسامة بن لادن، عندما أخرج تنظيمه"القاعدة"من رحم"مكتب الخدمات"حاملاً معه مشروعاً"جهادياً"لا يكتفي بقلب الأنظمة العربية الحاكمة، بل يريد تحطيم الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد زوال الاتحاد السوفياتي.
مع مرور سنوات الثمانينات، كبر"مكتب الخدمات"ككرة الثلج، وصار يمر عبره الى بوابات الجهاد الأفغاني مئات العرب لا العشرات.
ومع اقتراب"انتهاء الجهاد"ضد الجيش الأحمر في نهايات الثمانينات، بدأ هؤلاء"الجهاديون العرب"في التفكير في محطتهم التالية. وجاء أسامة بن لادن، في 1988/1989، بفكرة"القاعدة". تنظيم عابر للقارات والجنسيات، يضم في صفوفه الراغبين في"مواصلة طريق الجهاد".
وفي الوقت ذاته تقريباً، نشأت"المقاتلة"بدورها. نشأت سراً، عام 1990، في منطقة على الحدود الباكستانية ? الأفغانية. لكنها لم تنشأ من عدم. فكما نشأت قبلها"الجماعة الإسلامية المسلحة"في الجزائر من بقايا"الحركة الإسلامية المسلحة"بقيادة مصطفى بويعلي، أي الجماعة الأولى التي حملت الفكر"الجهادي"وحاولت تطبيقه في الجزائر بين العامين 1982 و1987، نشأت"الجماعة المقاتلة"بدورها من رحم"الجهاديين"المقموعين في"جماهيرية العقيد"معمر القذافي.
ويروي الشيخ سامي الساعدي أبو المنذر الساعدي، المسؤول الشرعي في"الجماعة المقاتلة"المعتقل حالياً في ليبيا بعدما أوقفته في هونغ كونغ عام 2004 أجهزة الاستخبارات الأميركية وسلّمته الى بلاده، ان"جذور"نشأتها ترجع إلى 1980. ويقول"أبو المنذر"مقابلة مع مجلة"بيارق المجد"موجودة على موقع"المقاتلة"في الانترنت ان جذور"المقاتلة"تعود الى"تنظيم سري جهادي في داخل ليبيا أميره الأخ عوض الزواوي ? فك الله أسره ? ما زال مسجوناً إلى هذه اللحظة". ويضيف ان جماعة الزواوي، وهو من طلبة العلم الشرعي وخريج كلية التربية في جامعة طرابلس، ونجل رسام ليبي معروف، استمرت في عملها واستقطاب الأفراد"إلى أن حدثت أحداث عام 1989، حيث ذهب بعض قيادات هذه الجماعة للوقوف على ما يحدث في منطقة الشرق، خصوصاً في مدينتي اجدابيا وبنغازي، وإلى أن حدثت المداهمات الشاملة التي يعرفها الجميع ووصلت الاعتقالات إلى طرابلس وإلى قيادة هذه الجماعة".
وإذا كان"أبو المنذر"يحدد"جذور المقاتلة"تحديداً في جماعة عوض الزواوي، فإن الأكيد أيضاً انه كانت هناك في ليبيا أكثر من"جماعة جهادية"في تلك الفترة من الثمانينات وليس فقط مجموعة الزواوي. ويروي عبدالله أحمد، وهو قيادي ليبي من المقاتلين السابقين في أفغانستان، ان"الحركة الجهادية"بدأت في ليبيا مطلع الثمانينات عندما شهد التيار الإسلامي"صحوة"لافتة تمثلت ب"التزام كثير من الشباب"بالدين. ويضيف انه كان من ضمنهم محمد المهشهش الذي بدأ التزامه الإسلامي عام 1982 عندما كان طالباً في الثانوية العامة، وشارك مع آخرين في تأسيس"تنظيم جهادي"تولى إمارته الشيخ علي العشبي وعضوية علي البرعي. ويوضح ان هذا التنظيم باشر عملياته بقتل أحد المسؤولين الليبيين أحمد مصباح الورفلي سنة 1986، لكن سارعت قوات الأمن الى كشف أفراده التسعة وأعدموا جميعاً.
وبعد نحو ثلاث سنوات من تفكيك هذا التنظيم، نشأ تنظيم آخر يُعرف ب"حركة الجهاد"التي شنت عمليات في كانون الثاني يناير 1989 التنظيم الذي أشار اليه"أبو المنذر" في كل من بنغازي وأجدابيا وقُتل فيها بعض قادة الجماعة ومنهم الشيخ صالح محفوظ من أجدابيا الذي قُتل في مرتفعات الرجمة شرق بنغازي. كذلك وقعت اشتباكات عدة داخل مدينة بنعازي نفسها التي انتهت بمقتل شيوخ الحركة وهم الشيخ محمد الفقي، الإمام والخطيب في مسجد منطقة السيالة القريب من المدينة الرياضية بنغازي، وصالح محفوظ أحد المشايخ المشهورين في أجدابيا وغيرهم.
"سيّاف ليبيا"
ويروي عبدالله أحمد للكاتب قصة الجماعات التي نشأت من"رحم"هذه الجماعة الأم:"بعد فشل حركة جهاد 1989، وذلك لأسباب كثيرة أهمها نقص الاعداد بشقيه البشري والعسكري والتعجيل، شن النظام حملة اعتقالات واسعة في صفوف الشباب الاسلامي طاولت ما بين 5 الى 7 آلاف معتقل من مختلف ارجاء ليبيا، وهاجر الكثير من الشباب الليبي المسلم خصوصاً الى افغانستان حيث شاركوا في الجهاد هناك ومن ثم قاموا بتأسيس تنظيمات عدة على رأسها"الجماعة الاسلامية المقاتلة"، بينما بقي بعض الشباب ومنهم الأخ محمد المهشهش الذي كان يلقب بين الشباب ب"سياف ليبيا"نظراً الى شجاعته وجرأته وفصاحته وقدراته القيادية ... فقام هو وبعض الأخوة الذين شاركوا في الحركة نفسها سنة 89 والتي كانت الرحم الذي ولدت منه كل التنظيمات اللاحقة التي عملت في الساحة الليبية، ... بتأسيس حركة الشهداء الاسلامية مستفيدين من احدى الخلايا التي لم تمس في تلك الأحداث، وبدأوا في استقطاب بعض الشباب وتربيتهم وركزوا على حي السلماني الغربي أحد معاقل الحركة الجهادية في ليبيا، وكذلك حي الماجوري، ثم توسعت الحركة لتشمل مختلف احياء المدينة وجوارها، ولاقت تأييد بعض المشايخ وطلبة العلم".
"الجذور"في أفغانستان
والنشأة في أفغانستان
ويتفق القيادي السابق في"المقاتلة"السيد نعمان بن عثمان أبو تمامة الليبي، مع"ابو المنذر"و"عبدالله أحمد"، في أن جذور"المقاتلة"تعود الى"الجهاديين الليبيين"، لكنه يؤكد ان نشأتها كانت في أفغانستان. ويروي"أبو تمامة"الذي كان أحد الذين ذهبوا ل"الجهاد"في افغانستان عقب اعتقالات العام 1989، في مقابلة مع الكتاب، قصة نشأة"المقاتلة"بالقول:
"هناك روايات عدة لنشأة الجماعة المقاتلة. ليست هناك رواية واحدة. والسبب في ذلك ان النشأة كانت عبارة عن مراحل من العمل ولم تكن نشأة فورية ..... فهناك فارق بين الاعلان عن الجماعة ونشأتها ... الرواية الرئيسة - وهذه هي الرواية التي أنا مقتنع بها - ان"المقاتلة"بهويتها التي يعرفها بها الناس وبالاسم الذي تُعرف به تأسست عام 1990. الكتلة الرئيسية التي أسست"المقاتلة"كانت تضم اعضاء في تنظيمين ناشطين في ليبيا منذ الثمانينات: الأول الجماعة التي عُرفت بجماعة عوض الزواوي حيث تأسست في طرابلس سنة 1982، والثاني التنظيم الذي ظهر في منتصف الثمانينات وكان كناية عن مجموعات صغيرة تنشط في طرابلس. هؤلاء هم من أسس"المقاتلة"عام 1990 في منطقة تقع على الحدود الباكستانية ? الأفغانية"حيث كانت"المقاتلة"تنشط انطلاقاً مع معسكر كبير لجماعة"الاتحاد الإسلامي"الأفغاني الذي يقوده الشيخ عبد الرسول سياف والذي كان الليبيون يعملون تحت لوائه في تلك الفترة.
العلاقة مع"الجماعة"الجزائرية
وهكذا تكون"المقاتلة"تأسست في وقت متزامن تقريباً مع تأسيس أسامة بن لادن تنظيمه المسلح"القاعدة"ومع تأسيس"الأفغان الجزائريين"تنظيمهم"الجهادي"الخاص بهم وهو"الجماعة الإسلامية المسلحة".
وواقع الليبيين والجزائريين انهم"جيران". وهم كانوا فعلاً جيران بعضهم حتى في أفغانستان وباكستان. ويروي إسلامي عايش تلك الحقبة ان الليبيين كانوا يعيشون في مضافات متلاصقة مع مضافات ينزل فيها الجزائريون في بيشاور وبابي الباكستانيتين، وان إحدى مضافات"الأفغان الجزائريين"كانت أصلاً مضافة"استعاروها"من"الجماعة الإسلامية"المصرية بعدما طردهم من مضافة الجزائريين الموالون للجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا يلاحظون منذ البداية ان"الجهاد"الذي يدعو اليه مؤسسو"الجماعة المسلحة"أكثر تطرفاً وتشدداً مما يسعون هم الى تحقيقه، وان ثمة خلافاً أساسياً في المرجعية الفقهية لكل من الطرفين. إذ حصلت آنذاك محاضرات ونقاشات اعتبر فيها مؤسسو"الجماعة المسلحة"ان الأفكار التي تتبناها"الجبهة الإسلامية"تختلف عن الأفكار الإسلامية التي يؤمنون بها، مثل ايمانهم بكفر الديموقراطية ومعارضتهم الانتخابات التي تسير فيها"الإنقاذ"والتي كانت ستؤدي الى دخولها برلمانات تُشرع قوانين يراها هؤلاء تعدياً على حقوق الله.
وكان من مؤسسي"الجماعة المسلحة"آنذاك عدد من الأفغان الجزائريين الذين شاركوا في معارك على الجبهات داخل أفغانستان وكانوا يحظون باحترام وتقدير لدى رفاقهم"الجهاديين"العرب. وكان على رأس هؤلاء عبدالرحيم غرزولي الملقب ب"قاري السعيد"الذي كان من قدامى"الأفغان"وانضم، على ما يبدو، الى تنظيم"القاعدة"عند انشائه، ثم انتقل من أفغانستان الى الجزائر في بداية التسعينات حاملاً معه فكرة تأسيس"الجماعة الإسلامية المسلحة". وبعد فترة قضاها في الجزائر، عاد الى أفغانستان واختار مسؤولاً عن"الجماعة"في غيابه، وحزم حقائبه عائداً الى الجزائر للمشاركة في"الجهاد"الذي كان على وشك الانطلاق في 1992. لكن دوره لم يدم طويلاً، إذ اعتقلته قوات الأمن خلال مشاركته في هجوم على مركز أمني في العاصمة في الشهور الأولى من 1992.
لكن غيابه عن الساحة لم يؤثر كثيراً في وضع"خلية الجماعة"التي أسسها في أفغانستان. إذ استمر اعضاؤها في النشاط وترتيب عملية نزول"الأفغان"الى الجزائر. وكان من بين هؤلاء رشيد رمدة أبو فارس، و"أبو خالد الجزائري"الدكتور شواكري عبدالقادر و"لقمان"و"مصطفى"قتله تكفيريون لاحقاً في باكستان.
وقد لعب هؤلاء دوراً بالغ الأهمية في منح"الشرعية"ل"الجماعة المسلحة"داخل الجزائر، وربطها بالجماعات الأخرى التي تحمل فكر"الجهاد"وعلى رأسها"الجماعة المقاتلة"الليبية. ويقول نعمان بن عثمان، وهو الذي قاتل لسنوات في أفغانستان وقضى ثمانية شهور على جبهة غارديز، ان علاقة"المقاتلة"مع الأفغان الجزائريين مؤسسي"الجماعة المسلحة"كانت طبيعية بحكم العمل بقرب بعضهم. ويشرح ذلك قائلاً:"نتيجة ارتباطنا في افغانستان كنا نعرف عناصرهم: ابو الليث وقاري سعيد وأبو خالد وعشرات الاخوة. غالبيتهم كانوا معروفين وكان معروفاً عنهم حب التضحية والجهاد. أخذنا صورة جيدة عنهم الجماعة المسلحة... اذا كان هؤلاء انفسهم هم المجاهدون في الجزائر".
ويضيف:"لم يكن من الممكن ان نتفادى ما يحصل في الجزائر. فهذا عمق لنا. كان يمكن ان نجعلها نقطة انطلاق - قفزة أو وثبة - من افغانستان الى الجزائر فليبيا. في الجيش هناك ما يُسمّى بالوثبات. فإذا كانت لديك في افغانستان، مثلاً، قوة عسكرية فإن الوثبة تكون عندما تنقلها الى حدود الجزائر مع ليبيا. فلو تركتهم في افغانستان بلا قتال فإن الصدأ سيأتي عليهم".
لم تعرف"الجماعة المقاتلة"عندما اتخذت قرار نقل عناصر الى"الجزائر"ليكونوا قريبين من حدود ليبيا ولتمنع عنهم"الصدأ"، انها تُرسلهم الى مغامرة غير محمودة العواقب. فبراثن"الجماعة الجزائرية"سرعان ما امتدت الى هؤلاء"الإخوان"الذين تطوعوا لمساعدتها، وإن كانت لديهم أيضاً دوافع خاصة بهم على رأسها ان يكونوا قريبين من"ساحة الجهاد"المقبلة ... في ليبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.