تشهد الساحة السعودية حراكاً اجتماعياً وتنموياً ضخماً، طاول نواحي أخرى من الحياة، فكان"القضاء"بوصفه البوابة الأبرز للإنصاف والانتصاف ورد المظالم، أحد محاور النهضة الجديدة التي تنشدها المملكة. وفي وقت يكثر فيه الترافع أمام العدالة بحثاً عن الحقوق، يأتي دور الإعلام في توعية الجمهور بأساليب التقاضي وأدواته، عبر إبراز النماذج الحية لقضايا نَظَرَ فيها قضاة البلاد من نواحي المملكة. و"الحياة"بدورها ترحّب بما يندرج في هذا السياق، من جانب المهتمين، والمترافعين. يوجد شارع ترابي عام بعرض أحد عشر متراً يتجه من الشرق إلى الغرب وبالعكس في إحدى القرى ويلاصق منزل المدعي من جهة الشمال -الذي ذكر حدوده في دعواه- ويؤدي ذلك الشارع إلى قرية أخرى ويتفرع من شارع ترابي بعرض اثني عشر متراً يحد منزل المدعي من الشرق والمتفرع من خط الأسفلت العام شمالاً عنه، وقام المدعى عليه بغير حق باستقطاع ما مساحته سبعة أمتار من الجهة الشمالية للشارع الترابي الذي يحد منزل المدعي من الشمال وكان استقطاع تلك المساحة في مواجهة المدعي وبطول عشرين متراً من الشارع المذكور وضم تلك المساحة إلى أرض يدعي المدعي عليه ملكيتها، وأدخلها فيها ثم قام ببناء حوش من البلك بارتفاع أكثر من متر منذ خمسة أشهر على كامل الأرض التي يدعيها والواقعة شمالاً عن الشارع مدار النزاع وادخل تلك المساحة في الحوش حتى أصبح عرض الشارع أربعة أمتار، وهذا مما أدى إلى تضييقه وإلحاق الضرر بالمدعي وعموم المنتفعين بالشارع من أهل القرية حسبما ذكره في دعواه، ويطلب المدعي إلزام المدعى عليه برفع يده عن المساحة المذكورة التي استقطعتها من الشارع العام وإخلائها من شواغله بإزالة الحوش منها ليعود الشارع على عرضه الحقيقي بحسب الطبيعة أحد عشر متراً هكذا تضمنت الدعوى. وبعد رفع الدعوى وتقديمها جرت الكتابة رسمياً إلى البلدية لطلب الإفادة عمًا إذا كانت مختصة بالمحافظة على الشارع المتنازع فيه أم أن أمره متروك لكل من يدعي المصلحة فيه والضرر من التعدي عليه، فأفادت في جوابها أن الشوارع التي تخص البلدية وتحافظ عليها من الاعتداء هي شوارع المخططات، أما الشارع موضع النزاع في هذه القضية فلا يقع في مخطط، وبالتالي لا اختصاص للبلدية به ولاعلاقة لها في المدافعة عنه، وبعد ورود هذه الإفادة تبينت صفة المدعي في دعواه فجرى طلب الجواب من المدعى عليه وفي ما يلي ملخصه: ويجاب على ذلك بأنه لا صحة لما ادعاه المدعي من قيامي بالإحداث في الشارع المذكور والصحيح أن عرضه الحقيقي سبعة أمتار من أوله إلى نهايته وما بعده شمالاً في مقابلة ملك المدعي هي ارضي المملوكة لي والمحوشة بما ذكره المدعي، وملكتها بالإحياء الشرعي منذ خمسة عشر عاماً، والشارع مدار النزاع على عرضه الذي ذكرته من ذلك التاريخ حتى الآن، ولم يتغير عن حالته، ثم إن المدعي مدخل سكنه من جهته الشرقية وبها شارع ترابي بعرض اثني عشر متراً 12م ودعواه هذه كيد وحسد منه، وحوشي على أرضي المذكورة مقام حين تملكي لها منذ خمسة عشر عاماً ولم يعارضني فيه المدعي طيلة تلك المدة، وأطلب صرف النظر عن دعواه كون الموقع الذي يطلب إزالته من ضمن مشمول ملكي، لكنه ليس لدي صك استحكام عليه، ولم أتقدم للمحكمة بطلب ذلك، هكذا أجاب وبعرضها على المدعي أجاب قائلاً: إن الصحيح ما ادعيته ومنزلي المذكور أحييته من عام... وكان هذا الشارع قائماً آنذاك بعرض أحد عشر متراً إلى أن احدث المدعى عليه في وسطه جزء الحوش المذكور منذ خمسة أشهر ولي مصلحة فيه مع عموم الناس بالاستطراق معه. كما أنني أريد عملاً مدخلاً لمسكني من الجهة الشمالية الملاصق لها الشارع مدار النزاع، هكذا أجاب، وبسؤال المدعي هل لديه حجة استحكام على ملكه الذي يدعيه أو له ملف طلب حجة لدى المحكمة إن لم يكن لديه حجة؟ أجاب أن ليس لديه حجة استحكام ولم يتقدم بطلبها من المحكمة، وبسؤال الطرفين عن تاريخ فتح الشارع المذكور، ومن الذي قام بفتحه؟ أجابا: تم فتحه منذ أكثر من عشرين سنة ولا نعلم من قام بفتحه، ثم جرى سؤال المدعي: هل لديه بينة طبقاً لدعواه؟ فأجاب بأنه لا يعلم له بينة الآن وطلب إمهاله للبحث، فأجيب إلى طلبه، وفي جلسة أخرى جرى سؤال المدعي عن البينة التي وعد بها فأجاب بأنه بحث عن بينة فلم يجد وطلب إجراء الوجه الشرعي حيال القضية. ثم جرى سؤال الطرفين عما إذا كان احد من جيرانهما يحمل صك استحكام على ملكه المجاور للشارع مدار النزاع، فأجاب المدعي بأنه لا يعلم عن ذلك وليس مستعداً بالتحري والبحث عن هذا الأمر، أما المدعى عليه فقال: يوجد صك استحكام لجار المدعي من الغرب واستعد بإحضار صورة منه، وفي جلسة أخرى احضر الصورة وبالإطلاع عليها وعلى سجلها بالمحكمة وجدت لجار المدعي من الغرب وتضمنت انه يحد مشمولها من الشمال شارع ترابي بعرض سبعة أمتار وهو الشارع مدار النزاع، وأخرج الصك قبل عشر سنوات ولم يتضح أن المدعي من شاهدي الصك، وبعرضها على المدعي أفاد أنه لا يعلم عن ذلك، ولو على لعارض فيه وأنه من أهل البلد ولم يغب عنه، هكذا قال، وبما أن المدعي به مما يجري فيه الاستحلاف أفهمت المدعي وأعلمته أن ليس له إلا يمين المدعى عليه على نفي دعواه طبقاً لجوابه فقال إنه لا يرغب في يمينه لأنه لا يبالي على ما حلف عليه وبعرض ذلك على المدعي عليه أظهر استعداده بأداء اليمين اللازمة شرعاً متى ما توجهت إليه. وبتأمل ما سلف من الدعوى وجواب المدعي عليه بالإنكار وتأييد المدعي لدعواه ولما تضمنه خطاب البلدية سالفة الذكر من أنه لا اختصاص لها بالشارع مدار النزاع ونظراً إلى أن الشارع المدعى فيه يحد منزل المدعي شمالاً وله سكن عامر في الأرض التي يدعيها ولأنه لم يرغب في طلبها وقد استعد المدعي عليه بأدائها عند الطلب ولما تضمنه صك الاستحكام الخاص بجار المدعي من الغرب من أن الحد الشمالي له شارع عرضه سبعة أمتار وهو الشارع مدار النزاع وسبق أن صدر الصك منذ مدة طويلة ولم يعارض فيه المدعي رغم كونه جاراً له وحاضراً بالبلد لم يغب عنه حسبما قرره وحكمت بصرف النظر عن دعواه وإخلاء سبيل المدعى عليه من هذه الدعوى، وأفهمته أن له متى ما رغب طلب يمين المدعى عليه على نفي دعواه فقنع المدعى عليه ولم يقنع المدعي وطلب التمييز وتقديم لائحة اعتراضيه. ... واللائحة الاعتراضية لم تؤثر في الحكم قدمت اللائحة الإعتراضية في المدة النظامية ولم يظهر منها ما يؤثر في الحكم ولكن نظراً لوجود ما يستدعي الرد عليها أجاب عنها المدعي بجواب دُوِّن في الضبط وألحق في الصك بما نصه: بتأمل لائحة المدعي المقيدة لم يظهر منه ما يلفت النظر ويؤثر على الحكم وأجيب في ما يلي: أولاً: أن الدعوى سمعت لمصلحة محتلمة وإلا فإن المدعي ليس عليه ضرر قائم محقق. ثانياً: إن كان يدعي باسم المصلحة العامة كما ذكر في لائحته وليس عن خصوص نفسه فلا تسمع دعواه والحال كذلك لأن الدعوى في مثل ذلك لا تقبل إلا من ثلاثة من المواطنين على الأقل وبشروط أوضحها نظام المرافعات ولائحته.[ م5 من نظام المرافعات ولائحتها التنفيذية]. ونتيجة تدقيق الحكم من محكمة التمييز، عاد الحكم من محكمة التمييز ملاحظاً عليه بالأكثرية والمتضمن طلب إعادة النظر في القضية ومطالبة المدعى عليه بما يثبت إحياءه فإذا عجز فلا يحق له التعرض لهذا المرفق العام لأنه لا يجوز إحياء ما قرب من العامر. وبعد تأمل قرار التمييز أجبت عنه بما يأتي: أولا :ً لا يسوغ شرعاً عرض الصلح على الطرفين في هذه القضية إذ لا مدخل له فيها، لأن المدعى فيه لا يختص بهما وحدهما بل هو مشترك للعموم باعتباره شارعاً عاماً، والمنصوص عليه شرعاً عدم صحة الصلح على ما فيه حق للغير لقصور ولاية المرء على نفسه ودفعاً للضرر عن غيره، ولا بد من خلوص الملك في مثل هذا، لأن القاعدة أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير أو حقه إلا بإذنه، كما إن عرض الحاكم للصلح وإشارته به إنما يكون عند اللبس وعدم استبانة وجه الحق ومقطعه كما إذا تقاربت الحجتان من الخصمين غير أن أحدهما ألحن وكانت الدعوى في أمور درست وتقادمت وتشابهت. أما إذا تبيّن الظالم من المظلوم فلا يسع الحاكم من الله إلا فصل القضاء والأمر هنا من الوضوح بمكان، خاصة أن الطرفين ليس بينهما رحم ولا يطمع منهما ذلك في ما لو صح الصلح في ما تنازعا فيه"الشرح الكبير والإنصاف 13/163، تبصرة الحكام لابن فرحون 1/34، 35، الصلح وأثره في إنهاء الخصومة 58، موسوعة القواعد الفقهية 53". ثانياً : أن الكروكي المرفق بلائحة المدعي لا يقوي جانبه، فهو غير مصدق من المحكمة وما يحمله من توقيعي وختم المحكمة إنما كان تحت عبارة"اطلعت عليه"باعتباره من مرفقات اللائحة كيلا يكون عرضة للتغيير والتبديل وإيضاحاً لاطلاعي عليه فحسب دون المصادقة على محتواه، حيث تنص التعليمات على الشرح على اللائحة بما يفيد الاطلاع عليها وكيف تمكن المصادقة عليه، وقد أجبت عن اللائحة المرفق بها بما يردها ويدفعها ولا يمكن حصول هذا التناقض. ثالثاً : سبق وقوفي على مدرك النزاع حسبما يتضح مما ألحق في الصك جواباً عن اللائحة ولم يظهر ما يقتضي الاستعانة بأهل الخبرة لأنه لا اشتباه في الأمر لاتضاحه من واقع الطبيعة، وقد ورد في المادة 113 من نظام المرافعات أن للمحكمة تقرير المعاينة بمفردها والاستعانة بالخبير إذا رأت ذلك، ثم إن رأي الخبير لا يقيد المحكمة وإنما يستأنس به حسب المادة 134 من النظام المذكور، ولم أر حاجة لذلك لوضوح الأمر من المعاينة، ولكن استجابة لطلب صاحبي الفضيلة ولكون ما طلباه لا يؤثر في صلب الحكم بل يزيده قوة وتأكيداً فسيتم وقوف اثنين من أهل الخبرة ممن تثق به المحكمة حسبما ورد في النظام المذكور لتقرير ما يريانه، وأما وقوفي فقد سبق ولا حاجة لتكراره. رابعاً: ما ألحقته في الصك جواباً عن اللائحة يوضح سبب عدم مطالبة المدعى عليه بالبينة. خامساً: ان الشارع المذكور عرضه واسع ولا ضرر عليه وتوسيع الشوارع إنما يكون عند عدم الملك والمنازع وفي الأرض الموات، ولم يثبت لدي أن الأرض التي تحت يد المدعى عليه كانت شارعاً لعجز المدعي عن البينة على ذلك والأصل عدمه، فلا يعطى بدعواه وخاصة أنه ظهر من المعاينة أن الأرض التي تحت يد المدعى عليه ليس بها أثر شارع قديم ولا حديث، بل هي على طبيعتها وهي، وإن كانت ملاصقة للشارع، غير مضرة عليه ولا تتعلق مصالح الشارع بها، والعادة أن الأملاك تكون على جانبي الشوارع تقررت الموافقة على الحكم بعد الإجراء الأخير بقرار التمييز، وتم تذييله بالصيغة التنفيذية حسب التعليمات وحددت الأحكام والضوابط المقررة في هذه القضية.