لا أعلم إلى متى سنستمر أمام أجهزة التلفاز، نشهد الدمار بعد الدمار في فلسطين في العراق واليوم في لبنان، وليس بالامكان أكثر من إدانة بعضنا البعض، بينما نحن في أحوج الأوقات للالتفاف والتوحد! ولكن صمود الشعب اللبناني وتماسكه، ساعد في التئام الجرح الغائر الفاضح الذي خلفه الموقف الدولي. لبنان بلد الحضارة والتاريخ، بلد النكبات والصمود، بيروت تلك المدينة الساحلية الآسرة، بيروت تلك المدينة التي لا تزال بعض بنياتها المخترقة بالرصاص في الحمراء في وسط بيروت وفي ساحة الشهداء، تلك المناطق شاهدة وستبقى شاهدة على همجية العدو الإسرائيلي، في عام 82 واليوم وأنا أرى الطائرات الإسرائيلية تقصف وتقوم بالغارات الواحدة تلو الأخرى في جنوبلبنان. ذلك الجنوب المزين بخضرة الزمرد بصفاء الشواطئ البحرية برمل يحمل بصمات لعب الأطفال، ذلك الجنوب الذي لا يزال هواؤه يحمل نفحات زغاريد أمهات شهداء التحرير. اليوم وأنا أشهد مناظر الأطفال وهم ينتشلون من تحت الأنقاض وأطرافهم متجبسة من الرعب. اليوم ها أنا أشهد هذه النكبة والكارثة التاريخية وليس بيدي إلا ان أرى تلك الأسر التي عبثاً تحاول الفرار من الموت لتختبئ في الحدائق العامة عند رمال البحر بين الأحراش الجبلية وعلى الطرقات المقصوفة والمكشوفة، ليس بيدي إلا ان أقف متفرجة، بينما أطالب بموقف دولي عاجل يوقف هذه الحرب الإجرامية. عبثاً يحاول الأمل ان يتفتق بداخلي، ولكنه ما يلبث أن يخبو وأنا أرى ان جميع الطرقات البرية والجوية والبحرية مقفلة، حتى لا تصل أي معونات، وأنا أرى شاحنات الأدوية تقصف، وأرى المواقع المدنية تهدم والبنية التحتية تدمر، لا يسعني إلا ان أقف جاحظة العينين لأكون شاهدة على حرب وحشية مدمرة أخرى بمباركة سياسية!! ماذا عساي أن أقول لجبران وجوليان، لسماح ورواد، لإيمان ونور، لغني وطارق، ولمايا وندى، وإلى تلك السيدة الستينية التي فقدت 12 فرداً من عائلتها، بينما تقف على انقاض بيتها تتحدث إلى عدسات الكاميرات بصوت يرج الجبال وببكاء يهيج البحر وباباء يدمر كل الدبابات!! كيف بامكاني ان أنظر في عيونهم جميعاً، أو أن اشرع نظري على امتداد بحر وجبل لبنان من دون ان اتصبب خجلاً!! هذه الحرب على لبنان هي حرب إسرائيلية بمباركة وبضوء أخضر أميركي، فقد كان بامكان إسرائيل ألا تدخل في حرب تدميرية على الشعب اللبناني، وعلى البنية التحتية للبنان، على الأقل أمام المجتمع الدولي، ولكن هذه الحال ما كانت لتكون الا بإدانة دولية للعدوان وليس للضحية!! فاختطاف حزب الله للجنديين الإسرائيليين ما هو إلا بغرض تحرير الأسري اللبنانيين، ولا يكون الرد بهذا الشكل الإجرامي. وعلى رغم أن إسرائيل تتعجرف عن تطبيق أي من قوانين الأممالمتحدة أو التقيد بها منذ عام 1991 في الأرض مقابل السلام وإلى يومنا هذا والدبابة الإسرائيلية تدمر، والطائرات الإسرائيلية تقصف، والسجون الإسرائيلية تعتقل، وتعذب وعلى رغم كل هذا تقف إسرائيل على انقاض الدمار الذي خلفته وتخلفه في لبنان اليوم، وتطالب بتطبيق القرار 1559 بينما ترسل إسرائيل القنابل الموقعة برسائل كره من أطفال إسرائيل لتصل إلى أطفال لبنان يتم... دمار... مجازر وشتات سيدوم أثره إلى ما بعد الأبد. تقف وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس والتي تتذوق الفن، تحب الموسيقي وتعزف البيانو، تقف في إحدى قاعات البيت الأبيض في مؤتمر صحافي لتعزف سيمفونية السياسة الأميركية المتحيزة والمجحفة، وتعلن لكل العالم بأن أطفال جنوبلبنان لا يزال أمامهم أسبوع كامل من العد التنازلي إلى ساعة الموت ليس إلا!! بينما يعلن بوش لكل العالم بأن من حق"إسرائيل"ان تدافع عن نفسها، وان هذه الحرب هي حرب ضد الإرهاب، كما كانت حرب العراق حرباً باسم ديموقراطية"أبو غريب". بينما تصرح إسرائيل بوضوح فاضح على لسان كولونيل إسرائيلي بان الهجوم على حزب الله كان معداً له منذ فترة طويلة. من وجهة نظري بداية لابد من مبادرة سياسية ديبلوماسية دولية لوقف العدوان تماماً على المدنيين، وليس فقط حتى اجلاء الرعايا الاجانب، لابد من وقف الحرب النفسية، وحرب التجويع التي تقودها إسرائيل، وعلى مدى ثمانية أيام متتالية اليوم. لابد من وقف العدوان الآن وليس بعد أسبوع، فكما قال رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة ليس بامكان أي حكومة ان تقف على انقاض شعب ووطن، فلابد من ضغط شعبي، إذ كيف بامكان الشعوب العربية التي كانت تتخذ من لبنان مصيفاً في السابق أن تسمح بحدوث ذلك اليوم إلى لبنان من دون ان تقف موقفاً شعبياً يسد عورة الموقف السياسي الدولي. المظاهرات الشعبية في القاهرة، في عمان في دمشق في الكويت في إيران وفي اليمن المنددة بالسياستين الأميركية والإسرائيلية وببعض سياسات الأنظمة العربية المخجلة، يأتي هذا المارد البشري الشعبي كموجات شحيحة لتغسل عار الموقف الدولي من قصف الملاجئ والمنازل والجسور ودور الأيتام في لبنان، ولتقول بصمت عال إلى الشعوب كافة:"إننا نخطئ حينما تتكئ تماماً على فرد أو جماعة أو مشروع باعتباره المخرج الوحيد ونمنحه من عاطفتنا وحماستنا ما لا يحتمل ثم نطالبه بالمستحيل". فلابد ان هناك طريقاً مضيئاً مكللاً بالعزة والكرامة في نهاية هذا النفق المظلم مهما طال الاستبداد. إسرائيل تقصف، تدمر، تتغلغل وتطالب بارجاع الإسرائيليين، بينما يتغيب وراء قضبان سجونها أسرى لبنانيون قضوا عمراً بعيداً عن أهليهم وذويهم لعشرات السنين، إسرائيل تضم إلى"أراضيها"ما ليس لها، فللبنان في عنق إسرائيل هؤلاء الأسرى، وللبنان في عنق إسرائيل مزارع شبعا، فلابد لإسرائيل ان ترد هذا الدين إلى لبنان وأهله باحترامها لقوانين الأممالمتحدة وللرعية الدولية، وإلا المقاومة الباسلة التي اتخذت على عاتقها واجب التحرير والعزة والكرامة. تحية... تحية حارة خجلة من مكاني الكامن هاهنا، ومن قلبي المشتعل داخلي، إلى كل الشعب اللبناني، والي كل شبر من تراب لبنان والى كل شجرة أرز تتربع بشموخ على أرض لبنان. [email protected]