لم تر ريم، الطالبة في الصف الأول المتوسط، والدتها في المدرسة منذ أن انتظمت في صفوف الدراسة، بدءاً من المرحلة الابتدائية وحتى اليوم، وعلى رغم الدعوات المتكررة من إدارة المدرسة طوال السنوات الماضية لحضور مجلس الأمهات، إلا أن أم ريم لم تلب أياً منها أبداً، ما ولد غيرة في نفس ريم تجاه زميلاتها في المدرسة، خصوصاً لدى رؤيتها أمهاتهن يأتين إلى المدرسة في كل مرة، وأثر ذلك في تحصيلها الدراسي وانعكس على سلوكياتها، سواء في المدرسة أو المنزل. وتعاني بعض الطالبات من عدم تلقيهن اهتماماً من أمهاتهن، سواء في ما يتعلق بمتابعة دروسهن في المنزل أو المدرسة، ولا تكلف بعض الأمهات أنفسهن مشقة نقل مشاعر الرعاية والاهتمام إلي بناتهن، وعلى عكس تلك الحالات، تحاول أخريات إعطاء بناتهن مزيداً من الوقت إلى درجة أنهن يلتزمن بساعات دوام يخصصنها للاطلاع على جميع الأمور المدرسية، ويقمن بفتح حلقة حوار بينهن وبين بناتهن حول ما جرى معهن في المدرسة، واعتبرت امهات تلك الساعات دواماً إلزامياً، وإن كان من دون مقابل غير الشعور بالرضا في نهاية العام الدراسي، حين تحقق بناتهن النجاح بدرجات عالية. ولا تخفي ريم شعورها بالذل والمهانة، فهي تدخل منزل والديها من دون رؤية احد يستقبلها، وعادة ما ترى والدتها في المنزل مع إخوتها الصغار، ولكن لم تتلق يوماً سؤالاً منها عما دار خلف أسوار مدرستها، سواء في ما يتعلق بصديقاتها أو معلماتها، أو نتائج امتحاناتها، ولم تجد أي اهتمام وتفاعل أو مساعدة تجعلها تتخطي العقبات للوصول إلى مستوى دراسي جيد على الأقل. وأصبحت ريم تعيش في دوامة عميقة من الضياع، خصوصاً حين تقارن وضعها بزميلاتها. لكن ريم ليست الوحيدة التي تمر بمثل هذه الظروف، وتعتبر منال أكثر تجسيداً لحالة إهمال الأم، إذ أصيبت بحالة إغماء بين طالبات المدرسة وهي تبحث عن أمها في يوم مجلس الأمهات، وتذكر بعد ما أفاقت أن والدتها وعدتها بالحضور ولكنها لم تحضر، إلا في وقت متأخر بعد أن اتصلت بها إدارة المدرسة لرؤية ابنتها وما أصابها، ولم تجد الأم غير أن تبدي أسفها لما حدث. وتعتقد أمهات أن السبب وراء إهمال الأم هو تركيزها على أمور أخرى مثل الخروج المتكرر إلى الأسواق، وحضور ما يسمى"الجمعات النسائية"في الصباح لتناول القهوة، وتشير إلى هذا الطالبة فرح 13 عاماً إذ تذكر أنها حين تعود إلى المنزل لا تجد والدتها فيه، وتقول:"والدتي لا تأتي إلى المدرسة وتسأل عن مستوى تحصيلي الدراسي، وحين تكون في المنزل تنشغل بزيارات صديقاتها وإعداد الولائم". وتقول التربوية انصاف عليان إن"زيارة الأم تدل على اهتمامها بابنتها، وتعتبر مظهراً لتحفيزها على التقدم، إضافة إلى ما تتلقاه الطالبة من اهتمام يخلق شعوراً مرضياً ورغبة في المحافظة على الذهاب إلى المدرسة والإبداع والتفوق". وأشارت المعلمة خاتون عبدالجليل إلى انخفاض نسبة زيارات الأمهات إلى المدارس ومتابعتهن وضع بناتهن، سواء من ناحية التحصيل أو المشكلات التي يتعرضن لها مع إدارة المدرسة أو مع زميلاتهن"، وعلى رغم ذلك تذكر وجود نسبة لا بأس بها تتابع سير بناتهن في الدراسة، سواء في المنزل أو عبر زيارات متفرقة إلى المدرسة.