أثار التحقيق الذي نشرته "الحياة" في عدد "15383" حول تأثير الشعر النبطي في المجتمع الحديث وهل هناك تعارض بينهما ردود فعل كثيرة تراوحت بين السخط والغضب من المعارضين ومحاولة تفهم بعض اسباب الرفض واعتراض على اسباب أخرى من المؤيدين لما ورد في التحقيق بشدة، الذين يطالبون بالمزيد من الجرأة في كشف الأضرار التي ألحقها الشعر النبطي بالثقافة بحسب رأيهم وهنا بعض الردود التي عبّر اصحابها عن وجهات نظرهم ورؤيتهم لهذه القضية: القضية لن تنتهي عبد الله عطية الحارثي: قضية الشعر العامي لن تنتهي، والمثقفون لدينا أو من نحسبهم كذلك لا يزالون يعيشون في أبراجهم العاجية، التي صنعت غلافاً سميكاً على أعينهم، حجب عنهم الرؤية فكانت آراؤهم بهذا الشكل. لم أقرأ رأياً متزناً هنا سوى لموظفة العلاقات العامة"منى الصالح"وأتفق معها في ما قالت، ولكن كيف نتفق مع الأستاذ الفاضل"كمال الأحمد"الذي قال:"الذي يكتب هذا النوع من الشعر غالباً يكون إِنساناً متورماً ومغروراً هل نقول له إن بدر بن عبدالمحسن وخالد الفيصل وهما من رموز هذا الشعر يعانيان من هذا التورم؟! ويقول عن الشاعر العامي انه"مجرد مخلوق مسكين لم يكمل المرحلة المتوسطة ولا يجد من يوظفه، لأنه لا يُجيد أية حرفة سوى حرفة الفخر والحماسة"والحقيقة تقول ان الشاعر العامي اليوم استطاع ان يصل لدرجة الدكتوراه، وكثير من الشعراء العاميين يحملون شهادات الماجستير. وعدا ذلك، فالكثير من الشعراء محصنون بوعي ثقافي جعلهم يتعاملون مع الآخر بوعي واحترام من دون مصادرة الآراء والأشخاص كما هي حال الكثير من المثقفين. في الحقيقة ان كل رأى هنا بحاجة لوقفة لأنها آراء غريبة وتهجمية ومضحكة أيضاً. الشعر الفصيح متخلف يحيى المحيريق: الحقيقة ان من يقول هذا قد أبعد النجعة وابتعد عن الحقيقة. نحن نتقبل النقد والرؤية السليمين ولا تستعصي على مداركنا معرفة الصور الجمالية للشعر الفصيح منه والعامي. ما بال بعض من اقحموا أنفسهم في النقد الذي لايقترب من الموضوعية ولا من الحقيقة، يتكلمون عن الشاعر الشعبي وكأنه مطلوب منه ان يحل مشكلات الفقر والبطالة والجدري والايدز والسرطان أو كل هذه الافات مجتمعة؟! الشاعر مجرد أديب يتكلم بلغته التي يتقنها، وهي لغة الطبيب والمهندس والوزير والكبير والصغير في جميع مجالات حياتهم، فهل اللهجة العامية حصر على الشعر النبطي فقط؟ اذا كان الجواب نعم فسأعلن على الشعر العامي حرباً شعواء من هذه الساعة، لكن الجواب بالطبع غير ذلك، فاللهجة العامية تمثل خاصية لنا كغيرنا من الدول، وهي إثراء للغة لعربية، ونظرة سريعة فقط تجعلنا ندرك التخبط العشوائي والنقد غير الهادف للشعر النبطي في النماذج التي استعرضتها في مقالك. فقد تلاحظين ان النقد لم يتعرض البتة لمستوى النص وإظهار حسناته وعيوبه، وإنما عمد الى تحريم تعاطي هذا اللون من تراثنا وكأنه من المخدرات أو الموبقات، بل يحرّمون حتى استماعه ناهيك عن تعاطيه. كما ان الشعر الفصيح، بشهادة ادباء عرب كبار قابلتهم على هامش مهرجان الجنادرية العام، اكدوا لي ان الشعر الفصيح في الخليج متخلف جداً عن الشعر النبطي. فمن منكم يستطيع ان يستدل بعشرة نصوص عالية الجودة ومعروفة على الساحة من مدة 70 عاماً بشرط ان تكون مشهورة جداً وبلغت غاية الارتقاء؟! فأغلب القصائد الفصيحة هي الاخرى تذكرني بالسحنة الكورية التي يصعب التفريق بين أفرادها لشدة الشبه بينهم. طبعاً مع استثناء قصائد قليلة تعد على الاصابع. فالرجاء من بعض الإخوان الاّ يقضوا على تراثنا باسم الدكتوراه أو أية ذريعة ثقافية أو علمية أخرى. أدبيات الاختلاف الخنساء: عبدالهادي الشمري كاتب قصة قال:"أبعديني عن الشعبي واهله، هل تريدينهم ان يضعوا في كل مجلة شعبية قصيدة هجاء قائلين لزوجتي"يا بنت شوقك ما يسد اللزومي"؟ فهؤلاء لا يعرفون حتى أدبيات الاختلاف". إجابة على سؤالك: الشعر النبطي هل هو ضد المجتمع الحديث ؟ أقول: ما يضر المجتمع الحديث هم بعض شعراء النبطي! نماذج رديئة أما سعود الصاعدي فيقول: تكلّمنا كثيراً عن العراك المفتعل بين الفصحى والشعر العاميّ - لا أقول اللهجة العاميّة - وذكرنا في كثير من أطروحاتنا التطوّر الذي شهده الشعر العاميّ في مراحله الأخيرة، وهذا يعني أنّ الشعر العامي يساير العصر الحديث، ويسير معه، لكن المشكلة - في رأيي - تكمن فيما يقدّمه الإعلام للناس، فهو الذي يقدّم النماذج الرديئة من خلال الفضائيات، وبالتالي لا يرى الآخرون من الشاعر العامي سوى السطحية والمفردات السوقيّة وقلّة الثقافة، وهذا عكس الصورة المطروحة الآن عن الشعر العامي وشعرائه، وخير مثال على ذلك ما ذكره الزميل عواض العصيمي عن حلقة جواهر الأخيرة التي كان ضيفها الشاعر ضيدان بن قضعان. أظنّ أنّ الذين رأوا تلك الحلقة ازدادوا يقيناً بأن الشعر الشعبي - أو العامي - هو مصدر ثقافة شاعرة، وهو سبب الخلل والقصور في وعيه! والذنب ذنب الإعلام لا غير! اللون المكروه عبدالله الفارسي: لماذا هذا اللون من الشعر مرفوض؟ ولماذا تكرههُ شريحة لا يمكننا تجاهلها في المجتمع؟ خصوصاً ان معظم أفرادها على مستوى عال من الوعي والثقافة، من مفكرين وكتّاب وفنانين تشكيليين وأطباء ومهندسين وغيرهم؟ لا أعتقد أن مسألة الرفض مسألة جوهرية، لأن الشريحة التي ترفض لا تمثل المجتمع الخليجي في شكل عام، وإنما تعتبر أقلية لا تتعامل مع الشعر كموروث يمثل لنا تاريخ أجيال، وربما جاءت من خارج محيط اللغة العربية أصلاً، وأصبحت تلعب على أوتار أن هذه اللغة هي لغة القرآن، ويجب تهميش ما سواها، وتجد من يسفه الشعر باللهجة العامية لا يتحدث العربية في حياته اليومية، وإنما أخذها مطية لمحاربة لهجة تحمل في ثناياها تاريخاً يجهله. أعتقد أن المبدع المنصف لا ينظر الى اللغة بقدر ما ينظر للابداع الذي تحتويه اللغة، هناك من يتغنى بالفصحى وشعره رديء ولا يمت للإبداع بأية صلة. لا يهم ان كان هناك من يكره الشعر أو يحبه، المهم هل يكون الشعر جيداً أم لا؟ المهم في الشعر أن يكتب بروح العصر، بما فيه من صور وتراكيب ذات ابعاد دلالية مؤثرة.