ان الكثير ممن في مجتمعنا العربي ينظر للشعر النبطي نظرة الطفل حديث الولادة الذي لم تكتمل ملكات عقله بعد خافياً على الكثيرين فهم حقيقة قدم هذا الشعر وعراقته وأصالته العربية إذ قال عنه ابن خلدون في مقدمته : "أن أهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي وربما يلحنون به ألحاناً بسيطة على طريقة الصناعة الموسيقية ثم يتغنون به" والجدير بالذكر أن الرواة والمؤرخين قد اختلفوا حول نشأة الشعر النبطي فمنهم من يقول أن الشعر النبطي يعود للقرن الأول الهجري بعد انتشار الإسلام وهذا الرأي برأي المفكرين والباحثين خاطئ لان اللهجات العامية والقبلية قد انتشرت قبل ظهور الإسلام إلى جانب الفصحى وتطور اللهجات ظاهرة لا يمكن الوقوف في وجه تطورها أما البعض الآخر فينسب نشأة الشعر النبطي للمستعربين الأنباط فيقولون أن العرب قد تأثروا بالشعر النبطي من بعدهم وهذا الرأي لا أساس له من الصحة لان حضارة الأنباط عربية ولكن لغتهم ومفرداتهم آرامية الكتابة وإذا نظرنا للشعر النبطي نجده قريباً إلى حد ما بمفرداته إلى الفصحى مما يؤكد بطلان هذا الرأي. وهنا لا بد أن نتطرق إلى أصابع الاتهام الموجهة للشعر النبطي والتي تتهمه بإفساد قواعدها وضوابطها وللرد على هذه الاتهامات نقول لهم أن الشعر النبطي مشتق من الفصحى وهو قريب لها إلى حد ما وان كان الشعر النبطي قد افسد اللغة كما يدعون فالكلمات الأعجمية والمستعربة التي دخلت على اللغة العربية قد أفسدتها أيضاً. وشاهدنا على ذلك قول امرؤ القيس في إحدى قصائده: ==1== اذ قامتا تضوع المسك منها==0== ==0==نسيم الصبا جاء بريح القرنفل مهفهفة بيضاء غير مفاضة==0== ==0==ترائجها مصقولة كالسجنجل ==2== فالقرنفل كلمة فارسية الأصل أما السجنجل فهي رومية الأصل ومعناها المرآة. والحقيقة يا أعزائي إن الكلمات الأعجمية التي دخلت على اللغة العربية لم تفسدها بل سُخرت لخدمة هذه اللغة فكيف للشعر النبطي أن يفسد اللغة العربية وهو مشتق منها فهل يفسد الطفل الرضيع أباه العاقل؟! أما الرأي الآخر فيذهب للقول أن لكل أمة مصدرا خاصا بها وقد استخلص هذا الرأي من اختلاف تسمية الشعر النبطي في الجزيرة العربية والدول العربية وهنا لا نستطيع عزل دول المغرب العربي عن اللسان العربي في ذلك الوقت فلم يكن هناك أسباب كالاستعمار الأوروبي آنذاك ليبعدهم عن التراث الشعبي. ويرد المفكرون على أصحاب هذا الرأي بأن تعدد التسميات في الوطن العربي لهذا النوع من الشعر لا يعني بالضرورة ولا يؤكد تعدد المصادر. ان الشعر النبطي لا ينتمي للأنباط بظهوره ولم يظهر في القرن الهجري الأول وهو ليس بمتعدد المصادر إذا متى ظهر الشعر النبطي؟ يؤكد الباحثون والمؤرخون على أن الشعر النبطي قديم النشأة وهو ينتمي للعصر الجاهلي وقد سار مع الشعر الفصيح إن لم يكن بعده بقليل لانتشار اللهجات العامية والقبلية في ذلك الوقت وقد كان إهماله سبباً رئيسياً في اندثار قصائده وقد وصلتنا لغته ولم تصلنا قصائده التي ماتت بموت أصحابها واندثرت تحت طيات الزمن ولكن هذا لا يعني عدم وجوده في تلك الحقبة من الزمن وكلنا على علم بأن كل ما يدون منقول ولكن ما يهمل مقتول والنقل والتدوين هما أساس امتداد جميع الحضارات وليس الشعر فقط وللأسف لم يكن للشعر النبطي كنصيب الشعر الفصيح الذي كان له حصة الأسد في هذا المجال وكانت نظرة الرواة للشعر النبطي في تلك الفترة نظرة محدودة وكانوا يسمونه بشعر القبيلة التي ينتمي إليها ذلك الشاعر أو ذاك وهو يمثل قبيلتهم فقط على عكس الشعر الفصيح الذي كان يمثل جميع القبائل وغياب النصوص النبطية لا يمثل عدم وجوده في ذلك العهد. ويقول الجاحظ في اللهجة العامية: "لقد اصبح اللحن في زمن لحن الاعارب النازلين على طرق السابلة وبقرب الأسواق بما يدور على مسامعهم من رطانة السوقة ولحن البدويين حتى شاعت اللغة العامية واختلفت لهجاتها" وللشعر النبطي تاريخ يعود إلى العصر الجاهلي وكان ابن خلدون من اوائل الذين نوهوا عنه من خلال مقدمته الشهيرة. وكان أول ظهور حقيقي للشعر النبطي عن طريق سيرة بني هلال إذ اخذ منذ ذلك الحين منحى التدوين والاهتمام والشعر النبطي هو شعر باللهجات العامية لا يتقيد بقواعد اللغة ويتنوع النطق به وتتنوع مفرداته من دولة لأخرى في الوطن العربي ويصادف هذا التنوع أحيانا ضمن إطار الدولة الواحدة وقد تناقله العرب منذ القرن الثامن للهجرة. أما بالنسبة لتسميته فهناك اختلاف في الآراء إلا أن مردنا الأول والأخير هي اللغة العربية فهي الأصح والحد الفاصل لهذه الآراء جميعاً. فكلمة نبطي مأخوذة من نبط ، ونبط الشيء أخرجه و أظهره بعد خفاء. وبما أن الشعر النبطي يعود للعصر الجاهلي ولم يظهر حتى القرن الثامن الهجري ولذلك فقد استنبطه العرب أي أخرجوه من الظلمة إلى النور بعد ما دام اندثاره قروناً طويلة. فالشعر النبطي هو ذاك النبع الأصيل الذي نبع من القبائل العربية وهو تلك النبتة الكريمة وفيه من الأخلاق والصفات الحميدة مما يدل على شجاعة العرب وكرمهم الذي يشهد له التاريخ. والشعر النبطي هو ذاك الشعر الجميل والبسيط قوي التعبير في معانيه يعبر فيه الشعراء عما يجول في خواطر ابسط الناس فهو قريب منهم ونجد له ألحاناً جميلة نطرب لها.