استعادت العملة الاوروبية الموحدة ظهر امس بعض خسائرها مقابل العملات الرئيسية، خصوصاً الدولار، وسجلت في سوق لندن 1.333 دولار بعد اعلان فرنسا وبلجيكا بدء جهود مشتركة لانقاذ مصرف «دكسيا» العملاق المُثقل بالديون السيادية اليونانية وبدء آلية لتأسيس مصرف بديل يتحمل عبء الاصول الهالكة. ومع ان البورصات الاوروبية استردت امس بعض الخسائر التي تحملتها على مدى الايام الاربعة السابقة، وتُقدر بنحو 1.3 تريليون يورو، الا ان السؤال الذي يُشغل الاسواق ومؤسسات المال الدولية يدور حول مستقبل العملة الاوروبية وما اذا كانت ستُعمر مستقبلاً اذا ما تساقطت مصارف اوروبية تباعاً وسط ازمات الديون السيادية في اليونان، التي شهدت اضرابات عامة امس عطلت الحياة العامة فيها، والبرتغال واسبانيا وايطاليا. وسارع صندوق النقد الدولي الى تقديم النصح والمشورة لاوروبا وحضها على اجراءات سريعة لمساعدة المصارف والقطاع المالي. وعرض اجراءات تدخل في سوق السندات السيادية الاوروبية، لكنه عاد لاحقاً وسحب العرض. وحذر المدير العام الاوروبي للصندوق انتونيو بورغيس من ان فشل بروكسيل في دعم المصارف سيقود الى كارثة تتجاوز تداعياتها ما جرى في ازمة الائتمان قبل 3 سنوات بعد انهيار مصرف الاستثمار «ليمان براذرذ». ونصح بخفض الفائدة على اليورو من مستوى 1.5 في المئة لحفز النمو. وحذر رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، في كلمة امام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، من ان «أزمة اليورو تمثل تهديداً أكبر للاقتصاد الدولي يماثل أزمة الائتمان». وكان وزراء الخزانة الاوروبيون تعهدوا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 باسناد اي مصرف اوروبي ومنع انهياره «مهما كلف الثمن»، ما شجع المصارف على الاندفاع في شراء الديون السيادية لدول منطقة اليورو. لكن مستشارة المانيا انغيلا مركل احتجت وطلبت ان تضمن وزارات الخزانة الديون المصرفية منفردة ما أسس لأزمات اليورو المتتابعة. وتتفاوت توقعات الاقتصاديين في شأن مستقبل العملة الموحدة. ويقول البروفسور كوستاس لابافيتساس، استاذ الاقتصاد في جامعة لندن: «لا مستقبل لليورو لأن الفوارق بين الدول المركزية ودول المحيط كبيرة جداً كما لا توجد التشريعات نفسها في الدول الاعضاء ال17 وهي غير متضامنة على الاطلاق». وتقول فيكي برايس المستشارة في وزارة الخزانة البريطانية وبنك انكلترا «ان مشروع اليورو، الذي بدأ قبل 10 سنوات، سينهار اذا لم يتم انقاذ اليونان». لكن دانيال غروس مدير المعهد الاوروبي للدراسات يعتقد بان «اليورو سيستمر بقوة حتى اذا خرجت اليونان، وقد يصبح اكثر قوة اذا أُخرجت». وينادي الاقتصادي راوول روباريل باعادة تقويم سعر اليورو لحفز النمو والتنافسية من دون محاولة اجبار اليونان على ان تتبع المثال الالماني كما يجب الاستعداد لاخراج الدول الضعيفة من العملة الموحدة». ويعطي البروفسور هولغر شميدينغ الاقتصادي في «ميريل لينش / بنك اوف اميركا» نظرة تفاؤلية، اذ يقول «ان اليورو سيصمد الا اذا تم الطلاق بين المانياوفرنسا وهو امر غير مقبول في البلدين بعد». ويعتقد البروفسور تشارلز وايبلوز، من معهد جنيف، المتخصص بالسياسة النقدية والأزمات المالية «بان بناء منطقة اليورو ليس مثالياً، لكن الاندماج الكامل بين اقتصادات المنطقة يكتمل خلال اجيال لا سنوات». ويعتقد المستثمر الاميركي جورج سوروس بان أزمات الدولار وغياب عملة قادرة، قد تكون مستقبلاً العملة الصينية، قد يساعد في تماسك اليورو المستفيد اساساً من «الزواج الكاثوليكي» بين ارادات سياسية في طليعتها «الارتباط الفرنسي - الالماني». واكدت مركل امس ان المانيا مستعدة لتغيير معاهدة الاتحاد الاوروبي من اجل تحسين عمل منطقة اليورو واشعار الاسواق «بالثقة بنفسها»، وقالت في ختام زيارة للمفوضية الاوروبية ان «مراجعة المعاهدات الاوروبية يجب الا تكون امرا محرماً». وقال اريك نيلسن كبير الاقتصاديين في «يوني كريديت» لندن ان العملة الاوروبية وليدة «مشروع سياسي عمره اكثر من 50 سنة».