قبل 10 سنين احتفلت أوروبا بإطلاق العملة الموحدة التي مثّلت أكبر انجاز في مسار الوحدة الأوروبية منذ منتصف القرن الماضي. وقدم كثيرون اليورو بمثابة العملة المستقرة والقوية والبديل الذي عرض على الدول الغنية الناشئة التي تعاني دائماً من سلبيات تذبذب قيمة الدولار وفق رغبة مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي والسوق الأميركية. ولم يتوقع أحد أن تجد منطقة اليورو ذاتها يوماً تصارع من أجل البقاء مثلما يحصل منذ ربيع 2010، على خلفية عجز اليونان عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين وارتفاع الديون السيادية لكل من الدول الأعضاء والخسائر الهائلة التي تكبدها النظام المصرفي الأوروبي طوال عام 2011 ولا يزال يقع في منطقة الخطر. وتلتفت منطقة اليورو إلى القوى الناشئة، راغبة في مساهمتها في دعمها ومساعدتها على الخروج من الأزمة في 2012 من خلال زيادة موارد صندوق النقد الدولي. لا يكمن السبب الرئيس في عدم توقع مآل العملة الموحدة، في تهاون هيئات القرار الجماعي أو في عدم تكهن الصعوبات التي تنجم تقليداً عن نقص تجانس السياسات الاقتصادية للدول التي تعتمدها، بل في افتقاد حكومات الدول الأعضاء ومراكز الإنذار السياسي القدرة على تصور هول الزلزال المالي الذي أنهك النظام المصرفي الأميركي والأوروبي منذ تفجره إثر إفلاس مصرف «ليمان براذرز» الأميركي في 15 أيلول (سبتمبر) 2008 وعجز اليونان والبرتغال وإرلندا في 2010 وإيطاليا في خريف 2011 والشبهات التي تثيرها كل يوم وكالات التصنيف الائتماني حول حدة أزمة الديون السيادية لحكومات منطقة اليورو وتراجع مستوى السيولة لدى المصارف الخاصة الأوروبية. كل هذا يجري على خلفية الركود الاقتصادي الذي تلا مرحلة وجيزة من النمو النسبي. 16 قمة وعقدت دول الاتحاد منذ تفجر الأزمة نحو 16 قمة من أجل إنقاذ الدول الصغيرة، خصوصاً اليونان التي فشلت في صراعها مع صعوبات الموازنة وأصبحت تفكر عملياً، خلال خريف 2011، في فك ارتباطها باليورو. وتكبدت المصارف الفرنسية ما يفوق 30 بليون يورو والمصارف الألمانية نحو 40 بليوناً جراء تأخر اليونان عن تسديد ديونها. ولم تجد دول منطقة اليورو خياراً سوى لي ذراع ألمانيا وإقناع المستشارة أنغيلا مركل بقبول الصفقة الثانية من قروض صندوق الاستقرار المالي لإنقاذ اثنيا في مقابل تشديد اليونان إجراءات التقشف وتخصيص مزيد من المؤسسات العامة والعدول عن خيار الاستفتاء حول خطة الإنقاذ الأوروبية وتشكيل حكومة ائتلاف بين اليمين واليسار لإدارة الأزمة المالية في البلاد. وما إن ضمنت قيادات منطقة اليورو الحل الوسط لإنقاذ اليونان حتى اتجهت سهام الأسواق نحو إيطاليا التي اختلط فيها الحابل السياسي بالنابل الاقتصادي، فتضاعفت الأزمة بسبب فقدان ثقة الأسواق والأوساط المحلية والأوروبية في صدقية رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلوسكوني. وكانت استقالته في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 الشرط الرئيس لإيجاد حل سياسي بين الفرقاء في البرلمان. واضطرت الأزمة مختلف الأحزاب إلى المصادقة على تعيين السناتور غير المنتخب ماريو مونتي رئيساً للوزراء من أجل تنفيذ خطة إنقاذ البلاد. واتجهت روما إلى المصرف المركزي الأوروبي، مثلما فعلت الدول الأخرى، لطلب شراء السندات الإيطالية بعدما ارتفعت أسعار فوائدها في أسواق المال وتجاوزت سبعة في المئة. واهتزت منطقة اليورو جراء صعوبات إيطاليا التي تمثل 15.9 في المئة من الناتج الإجمالي للمنطقة. وتبلغ ديون إيطاليا السيادية 1910 بليون يورو، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف دَين إسبانيا أو ستة أضعاف ديون كل من اليونان والبرتغال وإرلندا. واستمرت هجمات الأسواق على منطقة اليورو، وشككت وكالات التصنيف في قدرة حكومات دول العملة الموحدة على الوفاء بالتزاماتها المالية وقلصت تصنيف عدد من المصارف الأوروبية. وأصبحت التساؤلات معلنة حول قدرة منطقة اليورو على البقاء، وهو ما لم يكن متوقعاً قبل ستة شهور. ويعتقد كثيرون بأن حجم الخسائر التي قد تنجم عن تفكك منطقة اليورو تفوق كلفة إدارة الديون السيادية وتوفير السيولة الكافية للمصارف الأوروبية، وهو ما يجعل خيار التفكك مستبعداً. علاجات وإجراءات ووافقت القمة الأوروبية في 9 كانون الأول (ديسمبر) الجاري على ضرورة وضع تدابير تمكن من مراقبة السياسات الاقتصادية والضريبية للدول الأعضاء واللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية لحسم مشكلة الدول التي لا تتقيد بإجراءات ضبط الموازنة. وتمثل القرارات أُسُسَ الحكومة الاقتصادية التي تفتقدها منطقة اليورو. واتفقت الدول الأوروبية على تضمين التدابير المقررة في معاهدة ملزمة. وانفردت بريطانيا بالخروج عن الإجماع الأوروبي مثيرة من حولها الأسئلة الجديدة - القديمة حول العائق الذي تمثله أمام مسار الاندماج الأوروبي سواء تعلق الأمر بالعملة الموحدة أو بالتجانس الاقتصادي أو بالسياسة الخارجية. ويرجَّح توقيع آذار (مارس) 2012. وإذ يتجاوز كابوس أزمة منطقة اليورو حدود الاتحاد، فيطاول اقتصادات الدول الأخرى لأن تراجع دخل السوق الأوروبية يقلص قدرة الاستيراد من الصين والهند وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة والأسواق العربية المجاورة، قال رئيس منطقة اليورو جان كلود يونكر إن «الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى مساهمة مجموعة العشرين وكذلك أعضاء صندوق النقد الآخرين في دعم الجهود الجارية من أجل تأمين الاستقرار المالي العالمي من خلال زيادة موارد الصندوق». والتفتت منطقة اليورو إلى القوى الناشئة بعدما واجهت صعوبات في جمع 200 بليون يورو أقرتها القمة الأوروبية في 9 كانون الأول لزيادة موارد صندوق النقد.