هناك تفسيرات مختلفة، غير رياضيّة، لحادثة انسحاب الفريق السوريّ لكرة السلة من مواجهة زميله اللبناني في بيروت قبل أسابيع قليلة، ضمن بطولة نخبة آسيا. فالفريق السوري كان قد انسحب بعد مرور"دقيقتين و19 ثانية"من فترة التّحمية التي تسبق بداية المباراة،"بسبب شتائم أطلقها عدد قليل جداً من المندسّين بين الجمهور اللبناني الكبير"حسب المصادر الصحافية اللبنانية، ومنها صحف صديقة للسوريين. بينما نقلت الصحافة السورية والمواقع الالكترونية بأن الانسحاب كان بسبب قيام"الجماهير اللبنانية ... بتوجيه الشتائم للمنتخب السوري". ولأن"الجمهور اللبناني"أمطر الفريق السوري"بوابل من الشتائم". والراهن أن الانسحاب قد وقع كرد فعل على أحد أشكال تصرف عنصريّ، ناتج عن إيديولوجيا شعبيّة متجذّرة في كره السوريّ، وواقفة بالمرصاد لأي مجال أو اتصال أو احتكاك معه قد يفضي إلى خرق جدار العزلة والكراهية. وحيث أن الألعاب الرياضية تحمل في أشكال التفاعل مع جماهيرها ومشجعيها رموزاً وطنيّة وانتمائية من النوع الحماسيّ والغريزيّ، فإننا نجدها في بعض الحالات تعبر عن وطنيّة متأزمة وجريحة، يراد الثأر لها، وبرهان قيمتها الوجدانية، عبر ساحة التنافس الرياضي، ساحة المعارك السّلمية، التي تستغلها العناصر الأقل ثقافة وتعليماً والأكثر تشنّجاً بين الجماهير، حين ملاقاة خصومها الوطنيين المفترضين، وذلك عبر عُنفها اللفظي والرمزي، المكبوتين أساساً كعنف عدائي حركي، ينطوي على ثقافة العزلة ورُهاب فوبيا الغريب. ومثال الحالة اللبنانية في حادثة الانسحاب الرياضي، ينطبق عليها التوصيف السابق، إلى هذا الحد أو ذاك. أما الحالة السوريّة، من جهة أخرى، فقد حدثت كرد فعل لا يخلو من مبالغة ومن تشويه للنيات، نيات الجانب اللبناني كمنظّم ومستضيف للمسابقة الرياضية، إذ لا وجود اليوم، من وجهة نظر السياسة السورية، لأية بقايا تأزم أو احتقان سياسي بين البلدين، تستلزم إظهار هكذا ردة فعل، بعد أن اعتذر من الجانب اللبناني من اعتذر، وقام بزيارة دمشق من قام، من الرئيس الحريري الابن وحتى آخر وزير في حكومته. وبعد زيارة الرئيس الأسد بيروت قبل فترة وجيزة. وهذا ما يدعوا إلى تفسير رد فعل الفريق السوري بالمبالغة،"على الرغم من المساعي الحثيثة التي بذلت من قبل المسؤولين في الاتحادين اللبناني والآسيوي لإقناعه بالعودة عن قراره، إلا أن دعواتهم باءت بالفشل مع إصرار السوريين على موقفهم"وبعد أن"ضبطت القوى الأمنية الموجودة في الملعب الجمهور"، حسب صحيفتي"السفير"و"الأخبار". والحال، أن السوريين هنا، قد برهنوا على حساسيّةِ هويّة وطنيّة متضخمة ومتصلّبة، شيّدتها ظروف اجتماعية ونفسيّة نتجت عن عوامل التاريخ والذاكرة الجماعيّة، لوطن شديد المركزيّة والعقائديّة، ومواطنين شديدي الالتزام والتلزيم السياسييّن. بينما أظهرت شريحة اللبنانيين التي مثّلها أولئك المشاغبون العنصريون، أنها تعيش أزمة هويّة، إضافة إلى أزمات في الوطنيّة والمواطنيّة، فهذه الشريحة يستنفذ قواها، ذاك الخضوع لانتماءاتها الطائفيّة والدينيّة والإديولوجية، الذي يُتَفّه إنتماءها الوطني. لتبقى في حالة من عدم التوازن الهويّاتي اذا صح التعبير، فتبحث عبر عداء الغريب، عن إعادة مخفقة إلى توازن هشّ وزائل. * صحافي سوري.