أكثر من نصف قرن مضى على البث التلفزيوني"الأرضي"المحدود، وأكثر من عقد ونصف على البث الفضائي، ومع ذلك لم يستطع التلفزيون أن يعثر على"الناقد الحصيف". لا تقاليد متراكمة، ولا معايير يمكن الاتكاء عليها، وحتى تعبير"النقد التلفزيوني"هو موضع جدل، فلم يحصل بعد على مشروعية كما الحال بالنسبة الى"النقد المسرحي"أو"النقد السينمائي"أو"النقد الأدبي"، وسواها من مجالات النقد التي تُدرّس أكاديمياً، وتستند إلى ضوابط باتت معروفة للحكم على"المادة المنتقدة"بالسلب أو الإيجاب. يختلف الأمر مع التلفزيون، إذ يعتمد نقاده على المزاج الشخصي البحت، ويصدرون أحكامهم على المادة التلفزيونية انطلاقاً من قناعاتهم، وآرائهم، ومستوى ثقافتهم... ومن البديهي، والحال كذلك، أن نجد انقساماً حاداً في تقويم مادة تلفزيونية بعينها، فهذا الناقد يراها"تحفة نادرة"بينما يرى ناقد آخر، المادة ذاتها، من"سقط المتاع"... أحد الزملاء يخصص على موقع الكتروني ملفاً نقدياً أسبوعياً، ليصب من خلاله جام غضبه على التلفزيون السوري بدءاً من بوابته المطلة على ساحة الأمويين، وصولاً إلى الطبقات العليا. الكثير مما تقوله بيانات الموقع صحيح. لكن المشكلة فيه أن القارئ مضطر إلى سماع الرأي الأوحد للزميل صاحب الملف، إذ يصدر الأحكام شرقاً وغرباً، ويوزع شهادات حسن السلوك على العاملين في هيئة الإذاعة والتلفزيون...أكثر الانتقادات يأخذ منحى شخصياً، إذ يطاول هذا الموظف أو ذاك. فأين هو النقد التلفزيوني الموضوعي في وصف العلاقة بين مديرة التلفزيون، ومديرة أخرى فيه ب"التناحرية"، وأن الهدنة بينهما"هشة، فكل واحدة تكيد للأخرى"؟! وإذا تجاوزنا مسألة"الذم الشخصي"الذي يعج به الملف، فإن الأحكام التي يطلقها الزميل غالباً ما تكون قطعية. ففي مجال الدراما، مثلاً، ينتقد بصورة حاسمة مسلسل"شركاء يتقاسمون الخراب"، إذ يعتبره من"أردأ المسلسلات التي شاهدتها في حياتي...وسوف تجلب الخراب على الدراما السورية"، وبالمنطق اليقيني ذاته يقول:"أجمل أغنية سمعتها عن غزة، عربياً وليس سورياً فقط، أغنية الفنانة ميادة بسيليس"! وعلى رغم ما تقدم، فإن ما يكشفه هذا الموقع احياناً يستحق الالتفات، فهو جريء في الإشارة إلى مواقع الخلل والفساد الإداري والوساطات ولغة"المحاباة"السائدة. ويبقى القول ان التركيز على نقد المادة البصرية فحسب، لا على الأروقة والدهاليز، سيمنح الملف صدقية أكبر، وسيبعده عن كونه ساحة لتصفية حسابات شخصية! على النقد التلفزيوني أن يدقق في الشاشة، بمعزل عن الأشخاص والمناصب، وحين يكون النقد جاداً وموضوعياً، فإن ذلك سيهدد، بصورة غير مباشرة، الجالسين على الكراسي الوثيرة! نشر في العدد: 16767 ت.م: 01-03-2009 ص: 34 ط: الرياض