كان للمطربة ميادة حنّاوي شريك حقيقي يقدّم لها الألحان الجميلة ذات المستوى التعبيري الباهر، وكان ذلك الشريك قادراً على التعامل مع صوتها بروحيّة التجدّد، فكل أغنية لها بمثابة حدث جدّي عميق التأثير في الجمهور، من قبل أن يحتل "الفيديو كليب" المساحة ويصير الحاكم، ومن قبل أن تطوف الأغنيات الهزّازة. كان ذلك الشريك هو الموسيقار بليغ حمدي الذي تفجرت فيه في تلك الفترة شاعرية غنائية عندما كان منفياً اختيارياً وجبرياً معاً في باريس، فكتب نصوصاً ولحّنها انطلقت بصوت ميادة التي كانت مطروحة، لدى بعض النقد، كمنافسة قوية للمطربة وردة. والأغنيات تلك، أفسحت لميادة الطريق لتكون اسماً كبيراً في الأغنية العربية خلال منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات، وثمة من كان يراها تعويضاً عن زمن ذهبي للغناء العربي يروح بلا رجعة... اليوم، تبدو ميّادة حناوي بلا شريك. وبلا شريك، تعني أن ضياعاً واضحاً يسيطر عليها. ومع أن هناك أكثر من ملحّن تتعامل معه وتتابع معه مسيرتها، فإن أحداً منهم لا يريد أن يكون في موقع بليغ حمدي الأثيري المؤسّس، كما لا تجد ميّادة، على ما يبدو، أن يكون أحدهم في ذلك الموقع. وأكثر من ذلك، فإن ميادة تنازلت عن رتبة البحث عن لون جديد، وعن نبرة مختلفة، وعن نَفَس مغاير، لتنصاع الى لون سبقته اليها زميلات أخريات، والى نبرة "مستوردة"، والى نَفَس هو نفسه يحمل أنفاساً لا تنتمي اليها ميادة صوتياً ولا حتى كشخصية فنية. انها مرحلة ضبابيّة تزداد ضبابية باستمرار، ويغيب صوت ميّادة خلف ارتباك فعلي وهو غير قادر بالضبط على تحديد وجهته! ولا أكون مغالياً إذا قلت أن ميادة حناوي اليوم، وهي تحاول مواجهة ظروفها التراجعية ولا تستطيع أن تتبين خياراتها بدقة، قد تركت انطباعاً بأنها على مشارف سن اليأس الفني المبكر، وإلا فكيف نفسّر أن شرائطها الغنائية لا تنتشر بمعدّل نصف ما كان ينتشر لها من شرائط في السابق، بحسب شركات الإنتاج، كما أن شركات الإنتاج تلك لا تضع اسمها بين الأسماء الأساسية "المستهدفة" للربح، وحتى "الفيديو كليبات" فكأنها عبارة عن تصريف أعمال لا حرارة فيها ولا نبض. أعتقد أن الأزمة تكمن في أن ميادة تخلت عن هويتها الغنائية المعروفة، قبل أن توفق الى هوية أخرى. والمعنى أنها سعت الى أن تستلحق نفسها فتلتحق بركب نوعية غنائية ظنّ أصحابها ان الجمهور قد انحاز اليها كلياً بدليل "نجاحها" وشيوعها، فإذا بتلك النوعية "ناجحة" وشائعة مع غير ميادة لا معها هي. ولقد كانت تجربتها مع الملحن عمّار الشريعي قبل أكثر من عشر سنوات بداية ناضحة بالجمال والابتكار في "هيّ الليالي كده" ورفيقاتها من أغنيات شعبية رومنسية حميمة غير مدّعية وغير مقنّعة برداءات التقليد "الحديث" والنسخ، ثم فجأة انحسرت تلك التجربة لصالح انسياق ميادة الى السائد. عمّار الشريعي كان أكثر الملحنين كثافة تعبيرية في ايصال صوت ميادة حناوي الى المرامي الأبعد والأجمل، قبل أن ينقصف عمر تعاونهما الذي سبقته أخبار عن خلافات، وعن علاقة حب قد تتطور الى زواج بعدما تطورت الى خطوبة مع الملحن محمد سلطان، ما لبثت أن حوصرت بالفشل، شخصياً وفنياً، هي الأخرى. وفي هذه الفترة كان صلاح الشرنوبي يغزو فضاء الأغنية "الشبابية"، فقالت ميادة لنفسها لماذا لا أسبح في هذا الفضاء وأَقْدَمَت على أداء أكثر من أغنية شرنوبية كانت هي أيضاً "فوتوكوبية" عن أغنيات الشرنوبي لوردة الجزائرية وللعديد من المطربات الشابات، وتالياً لم تفعل ميادة حناوي بها إلا البقاء حيّة لا أكثر ولا أقل! وصوت ميادة حناوي جميل. متسع، وقادرة على التلوين، وفيه شحنات انسانية رقيقة تظهر بوضوح في غالبية الجمل اللحنية المؤداة ببراعة. وحين أعطاها رياض السنباطي بعض أغنياته كان يرى في صوتها "ملاعب حقيقية للنغم والأداء المتقن" كما قال ذات مرّة، وفي تاريخها عدد لا بأس به من الأغنيات الرائعة التي كثيراً ما كانت رفيقة جمهور من فئات ثقافية متباينة، منها فئة "السمّيعة" تماماً كما منها الفئة التي تسمع وترقص في آن. والمراقب كان يظن أن ميادة حناوي لن تنكسر بسهولة أو قد لا تنكسر مطلقاً! تستعيد ميادة حناوي دورها الغنائي، أو لا تستعيد؟ ذلك هو السؤال الذي يبقى معلقاً وسط حقيقة مفزعة تقول أن الجالسين في الصفوف الأمامية للأغنية العربية معرّضون لخسارة "كراسيهم" ما أن يقفوا عنها، لأن غيرهم... بالمرصاد!